يحمل مصطلح الشرق الأوسط الجديد الكثير من الدلالات السيئة والنوايا الخبيثة منذ أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس للمرة الأولى فى يونيو 2006 فى احدى زياراتها الى إسرائيل, وروجت له الإدارة الأمريكية من منطلق حتمية إجراء عملية التغيير الشاملة فى الشرق الأوسط ورسم خريطة جديدة لضمان المصالح الأمريكية فى المنطقة. وبالرغم من نفى الكثير لقدرة الولاياتالمتحدة على إعادة تقسيم المنطقة واعتبار البعض أنها مجرد فقاعة إعلامية استطاع الإعلام تسويقها باحترافية شديدة, الا أن المشروع بدأ بالفعل وبخطوات حثيثة من العراق. ويؤكد الخبير العسكرى الأمريكى رالف بيتيرس, الذى جسد الفكرة من خلال طرح استراتيجى متكامل متمثل بالصراع الخفى الحالى بين الدول العظمى للاستحواذ على مناطق النفوذ الاستراتيجية، واكتساب نقاط فى السباق على زعامة العالم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا, أن الحرب وحمامات الدم فى خضم إعادة تقسيم المنطقة لا يمكن تفاديها, وهذا ما خطط له ويتم تنفيذه على أرض الواقع المؤلم لكل الانسانية وليس للعرب وحدهم. وكانت الشرارة من الكابوس كما يطلق عليه البعض وهو «الربيع العربي» الذى لم يجن إلا الخراب والدمار والقتل وتمكين الإرهابيين والمتطرفين, وبالرغم من أن الدعوة للتغيير فى دولنا العربية كانت واجبة وحتمية إلا ان المسارات انحرفت كثيرا عن منحاها الطبيعي, وفى ظل كل الأحداث المتلاحقة تظل الحاجة ملحة لعودة مصر للقيام بدورها القوى والفعال وهذا الدور الذى يرسخه الرئيس عبد الفتاح السيسى بكل ما أوتى من قوة فى ظل التحديات والصراعات التى تحيط بالمنطقة. ويعزز هذا الدور دعمه للوحدة والتكامل العربى بقياده مصر، وإيجاد أرضية مشتركة لقوة عربية موحدة تجاه قضايا المنطقة لمواجهة التدخلات الدولية والاقليمية والإرهاب, وقد تكون مهمة الرئيس السيسى غاية فى الصعوبة، لكنها ليست مستحيلة فى ظل إيمانه الراسخ بالاتحاد والتحالف العربى لإرساء قواعد صلبة لشرق أوسط جديد تضع ملامحه الدول العربية بقيادة مصر وبدعم المملكة العربية السعودية التى منحت التغيير قوة ضاربة بعد سنوات طويلة من الثبات، وبدأت المملكة عهدا جديدا تحت قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولى العهد محمد بن سلمان الذى منح السعوديين قبلة التغيير المنشود بإرساء الإسلام الأكثر اعتدالا والانفتاح الاقتصادي، وخلق فرص العمل وإدماج الشباب والشابات السعوديات فى سوق العمل وإطلاق مشروع «نيوم» وخطة التنمية والإصلاح رؤية 2030 والتى تهدف إلى تغييرات اقتصادية واجتماعية، والسماح للمرأة السعودية بالقيادة وتعهده بقيادة التحالف لاستقرار اليمن والقضاء على المتمردين من الحوثيين وأنصار عبد الله صالح، والتدخل الايرانى الصارخ فى اليمن, ومن هنا يتجدد الأمل والرغبة العارمة لتفاهمات جادة ومشتركة لوضع خريطة جديدة للشرق الأوسط الذى تتطلع إليه الشعوب العربية من أجل انهاء الحرب فى سوريا، والقضاء على داعش والجماعات المتطرفة، والتدخل الايرانى والتركى والروسى والأمريكى. والعمل على استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية فى العراق وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين, والقضاء على النزاعات الانفصالية التى يدعو اليها أصحاب النوايا الخبيثة. والسؤال هل لدى مصر الرغبة فى قيادة هذا التحالف الآن وليس فى وقت آخر فى ظل المشكلات والتحديات الداخلية التى تواجه مصر سياسيا واقتصاديا وأمنيا؟ وهل ستدعم المملكة هذا الطرح فى ظل التغييرات الأخيرة والتحديات التى تواجه هذا التغيير؟ وهل سيستطيعون مواجهة الولاياتالمتحدة التى تبدى مرونة وتفاهمات من قبل تصريحات الرئيس ترامب التى لا تتحقق فى مجملها على أرض الواقع، واقتناص جزء من المعونة العسكرية الأمريكية لمصر. وهل سيوفى ترامب بتعهداته للرئيس السيسى ومحمد بن سلمان؟ وهل الإدارة الأمريكية جادة فى مواجهة التدخل الايرانى والعبث فى المنطقة؟ نفس الشيء لتركيا بقيادة المتطرف أردوغان ممول الإرهاب وداعمه الأكبر فى مصر وباقى الدول العربية؟ وهل ستسمح إسرائيل بتأسيس هذا التحالف دون العبث بمقدراته؟ وفى النهاية إلى الذين لا يرغبون فهم ما يجرى فى المنطقه تناسوا أن الحدود لم تكن أبدا ثابتة، وأن إحداث تغييرات فيها ليس مستحيلا خاصة أن منطقة الشرق الأوسط تعانى من ضعف وهشاشة لا مثيل لها وإعادة رسم حدودها تحتاج لنوايا صادقة وإرادة حقيقية وفكر استراتيجى لا يكرر أخطاء الماضي، ويستفيد من تجارب الآخرين والتطور والعولمة وحق الشعوب فى الحياة, ولذا فالحاجة إلى شرق أوسط جديد بقيادة مصر، ودعم السعودية والإمارات والبحرين وتونس والجزائر والمغرب والأردن وسلطنة عمان والسودان، وغيرها سوف يرسى قواعد الحياة للشعوب العربية التى تحلم بشرق أوسط جديد بأيدى أبنائه وقادته، وكل من يريد البناء والتعمير والتنمية لمنطقة وشعوب استباحت القوى الدولية الغاشمة دماءها وحياتها وكيانها. لمزيد من مقالات سحر عبد الرحمن