استفاد من الهجوم الآثم على المصلين ببئر العبد اثنان داعش والإخوان؛ وكلاهما استخدم الدين لمآرب سياسية، ولا تخفى الجهات المستفيدة من ورائهما والتى ترتب واهمة بأساليبها القذرة لانتخابات الرئاسة القادمة. التوحيد هو قضية الإسلام الكبري، يفهمها أصحاب الضحالة والضلالة من زاوية غبية لا تليق برئيس عصابة فما الظن بخالق الكون! وهى الزاوية التى تتيح لهم تكفير مخالفيهم فى المعتقد والفكر واستباحة دمائهم. الإسلام الحضارى الذى لا يفقهه داعش والإخوان ومن يسيرونهما يسعى لتوحيد البشر على قيم المحبة والسلام والمساواة، وجوهر الدين يوحد ولا يفرق بين البشر وهو خلاصة فلسفة الصوفية المتوافقة مع جوهر الإسلام. توحيد لا يفرق على مستوى العقيدة فجميعنا نعبد إلهًا واحدًا، وعلى مستوى المجتمع بالانضواء فى «الأمة الواحدة» المتناغمة المنسجمة المتلاحمة، وعلى مستوى الإنسانية «أمة واحدة» ولو اختلف أعضاؤها ومكوناتها فى التصورات العقدية والرؤى الفكرية. الإسلام ليس عامل فرقة وتمزيق للأوطان والأمم، ولم يكن يومًا ولن يكون مسببًا لحروب أهلية وطائفية، إنما الخلل فى توظيف بعض الدول والجماعات التابعة لها للدين سياسيًا لتحقيق مطامع ومصالح دنيوية. يؤدى الدين بما هو عنصر توحيد إلى إقرار نوع من الوحدة فى السياسة على مستوى الأوطان وعلى المستوى الكوني، تلك الوحدة التى أقل درجاتها منع الاختلاف من منطلق عقدي. أما السياسة فتقوم حيث يوجد الخلاف، أو حيث إدارة الاختلاف منها إلى أى شيء آخر، ولذلك تهدف القوى الخارجية الطامعة من وراء توظيف تلك الجماعات المارقة بالخلط بين ما يوحد وهو الدين، وبين ما هو بطبيعته قابل للخلاف حوله وهو السياسة، لإدخال جرثومة الاختلاف فى الدين بغرض جر بلد ما للحروب الأهلية، وهو ما نجحوا فيه فى سوريا وليبيا، ولذلك فهم فى وارد إعلان حرب على الله وعلى الإسلام قبل أن يعلنوها على الدول. لذا لزم النضال ولو بالحرب «المؤقتة» المحاطة بشروط وضوابط لإنهاء هذه الفتنة حتى يكون أمر الدين خالصًا لله وحده؛ ولكسر احتكار الدين وخلق واقع يعتقد البشر فيه ما شاءوا، وليختر الواحد منهم ما شاء من فكر وإيمان، أما الذى يحكم فى أمر الدين ويحاسب ويعاقب ويفصل فيه فهو الله وحده وليس أحدا من البشر مهما يكن سلطانه. وهذا معنى قول الله الذى حرفته الجماعات المارقة «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله»، فمن يفصل فى أمر الدين هو الله وحده وليس حاكما أو سلطة، أما الجماعات الضالة فقد صرفت القتال لتحقيق أهداف محدودة تحت زعم ضحل وغبى مؤداه تجنيهم على الله بادعاء أنه حاشاه انتدبهم ل «توحيد» الناس على لون فكرى وعقدى واحد، بينما الذى انتدبهم على الحقيقة هى الدول التى تدعمهم وتمولهم لغرض يناهض ويناقض مشيئة الله، ليصبح الصراع الدموى التخريبى حالة دائمة داعمة للتمزق والفرقة الشاملة بتوظيف مزور للدين. قاتل الرسول عليه السلام وأصحابه لإنهاء فتنة حرمان الناس من اعتقاد ما يشاءون بكامل إرادتهم وحريتهم، فليبحث الجهال من قادة وأعضاء الجماعات عن معنى آية «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد». وتحقق ذلك فلم يعد «التوحيد» بمفهومه الشامل الذى أراده خالق الكون وخالق البشر على اختلاف أفكارهم وقناعاتهم الدينية، ولم يعد إعلان حرية المعتقد والفكر يلقيان أية عقبات كتلك التى كانت سائدة قديمًا. ثم جاء من يناهض مقصود الدين ومراد الخالق ويصنع فتن الفرقة باستخدام مزيف لنفس الآيات التى أراد الله من البشر فهمها فى اتجاهات ومسارات أخري. هم ومن يمولهم ويدعمهم صانعو فتنة وتسند إليهم جريمة استهداف الدين وتشويه رسالته ومقاصده التى أرادها الله وحققها الصوفية على الحقيقة. الصوفية لا يحتكرون الله أو طريقة الوصول إليه، ويرون أن الكبرياء لله وحده، وأن الناس سواسية وليس لأحد الحق فى التسلط على الآخرين باستخدام سلطة أو جاه أو منصب، أما الإسلام السياسى فيسعى للسلطة لفرض تصور أحادى على البشر على خلاف ما أراد الله. لم يطلق المجرمون الآثمون الممولون بالمال الملوث الرصاص على المصلين الآمنين فى مسجد بئر العبد، إنما على الإسلام وتعاليمه السمحة الروحانية المنفتحة القابلة للتعايش، والتى تجد راحتها وضالتها لدى الصوفية ممن ينادون بالمحبة والإخاء والسلام. صوبوا بنادقهم على تاريخ النضال الحقيقى على رموز الصوفية المجاهدين من عمر بن عبد العزيز الذى سحب الجيوش من فتوحاتها وأعادها إلى حدود الدولة الأموية مكتفيًا بما للدولة حينها من أراضٍ وممتلكات. وعلى المتصوف الكبير السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، الذى دخل القدس، ولم يهدم كنيسة واحدة ولا أمر بقتل مسيحى واحد، وعلى الشيخ الكبير عبد القادر الجيلانى فى بغداد والعلامة جلال الدين الرومى والشاعر الفارسى شمس الدين التبريزى والمجاهد الليبى عمر المختار، وفى دمشق على محيى الدين بن عربى والمجاهد الأمير عبدالقادر الجزائري، وأبو الحسن الشاذلى الذى أقام بالإسكندرية مدرسة علمت العالم. أطلقوا الرصاص عمن انقطع عن الأعراض وزخرف الحياة وزهد فيما فى أيدى الناس كحال التابعين والصحابة قبل القرن الثاني، ليختص المقبلون على الله بعد أن خالط الناس الدنيا باسم الصوفية كما ذكر ابن خلدون فى مقدمته. لأنها حالة ربانية تخالف جرائمهم التى يرتكبونها باسم الإسلام، الذى يريدونه أداة قهر وكبت وهيمنة وفرض إرادات. [email protected] لمزيد من مقالات هشام النجار