يعد حوض نهر «الميكونج» من الأحواض المائية المشتركة حيث تتشارك فيه ست دول منها الصين، في المنبع، وفيتنام هي الدولة الأخيرة في المصب علي دلتا النهر، وتعد الأكثر اعتمادا علي مياهه، وقديماً كان النهر يسير علي فطرته فيُطعم الملايين علي ضفافه وفي دلتاه وذلك لتنوعه الحيوي الكبير، واكتسب شعب فيتنام حقوقاً تاريخية في مياه الحوض، ولكن الدولة الطاغية في الحوض (الصين) قررت بناء العديد من السدود لتوليد الطاقة الكهرومائية في الروافد العليا لنهر «الميكونج». في البداية لم ينتبه أحد لخطورة الأمر، حيث ظن البعض أن السدود التي تهدف لتوليد الكهرباء لا تستهلك أي ماء، وأنه بعد توليد الكهرباء يتم تصريف المياه في النهر، وبالتالي لن تؤثر علي باقي دول الحوض غير أن العكس قد حدث، إذ تسببت تلك السدود في حدوث موجات جفاف بمنطقة دلتا نهر «الميكونج» في فيتنام، كما خفضت المياه المتدفقة باتجاه الدلتا، مما ألحق ضررا بالغا بزراعة الأرز والقهوة، وفقد العديد من المواطنين وظائفهم في قطاعات مختلفة تعتمد علي المياه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن انخفاض التدفقات سمح للمياه المالحة من بحر الصين بأن تتدفق باتجاه الدلتا في فيتنام، مما أدي إلي تملح المياه الجوفية وبوار الأراضي الساحلية. لقد تسبب الجفاف في دلتا نهر «الميكونج» بالفعل في ضربة قوية لقطاع الزراعة، وصناعة المأكولات البحرية في منطقة الدلتا بفيتنام، وكان للجفاف أيضا آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة، حيث أثرت بشدة علي إنتاج فيتنام من البن والأرز والجمبري والصادرات، وبالتالي أثر ذلك علي فرص العمل المتاحة للمواطنين بها. وانتفضت الحكومة الفيتنامية لمواجهة الخطر، ولم تتحرك منفردة بل أشركت معها المجتمع الدولي وجميع الدول المتضررة من السدود الصينية، وأسست تحالف نهر «الميكونج الأسفل» الذي يضم أربع دول أعضاء، وذلك للخروج للمجتمع الدولي برؤية موحدة، ومطالب محددة تحفظ لهم الحقوق التاريخية في الحوض النهري، وتمنع موت دلتا النهر التي تكونت علي مدار ملايين السنين بفعل النهر وما يجلبه من خير، فمناطق الدلتا عادة هبة من الأنهار، وردت الصين على ذلك بأنها طلبت من دول المصب أن تحد من الاحتياجات المائية، وأن تجعل الممارسات الزراعية أكثر كفاءة في استخدام المياه من خلال تغيير أنواع المحاصيل، والتوقف عن زراعة محاصيل الحبوب الأكثر استهلاكا للمياه، والتحول نحو زراعة الفواكه الأكثر عائداً، والحفاظ علي دخول المزارعين، مع ضرورة تحسين الإدارة المائية والممارسات التكنولوجية. وادركت دول هذا الحوض ان التدخل الخارجي عادة ما يعقد الأمور بين الدول التي تتقاسم نفس التاريخ والجغرافيا، وأنه لابد من توزيع منافع الحوض النهري بنفس راضية وبدون ضرر لأي طرف، وتجنب ثقافة وأخلاقيات «أنا ومن بعدي الطوفان»، وأنه عند تدخل الأطراف الخارجية فإنها تضع العراقيل والمعوقات أمام اتفاق جميع دول الحوض كما حدث في حوض نهر «الميكونج» مما عقد الأمر في دلتا حوض النهر بفيتنام حيث إن الأرض في معظمها زراعية بحاجة دائماً إلي المياه.. ولقد درست الصين الموقف ، ورغم عدم انضمامها لاتفاق الدول الأربع المكونة لحوض نهر الميكونج الأسفل، فإنها حافظت علي علاقات اقتصادية وسياسية قوية بباقي دول الحوض، وتحرم الأطراف الخارجية من التدخل المباشر، من خلال إنشاء آلية مؤسسية فعالة تمكن جميع البلدان المتشاطئة، بما فيها الصين وميانمار، من أن تعمل وفق خطة متكاملة ومستدامة للتنمية بمنطقة حوض نهر الميكونج من أجل تحقيق الإمكانات الكاملة لنظام النهر، وتحسين حياة السكان الذين يعيشون هناك وسبل عيشهم، وتقاسم المنافع العديدة من الحوض النهري المشترك الذي يؤدي إلي مزيد من التعاون بدلاً من تقاسم المياه الذي عادة ما يؤدي إلي الصراع. د. كمال عودة غديف جامعة قناة السويس