أثارت بعض الفتاوى الشاذة والغريبة فى الآونة الأخيرة، لغطاً كبيراً فى المجتمع المصرى، مثل فتوى جواز نكاح الزوجة الميتة، «ومعاشرة البهائم» والتمتع بالاسيرات؛ وحرمة تهنئة غير المسلمين بعيدهم؛ مما يعطى الارهابيين غطاء شرعيا بجرائمهم؛ ولوضع حد لنزيف هذه الفتاوى، استلزم الأمر وضع قائمة أعلنها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وقد تضمنت القائمة العلماء الشرعيين المرشحين من الأزهر ووزارة الأوقاف، المصرح لهم دون غيرهم بالفتوى عبر وسائل الإعلام، وترتب عليه غضب بعض العلماء المستبعدين، مما يستلزم تدخلا تشريعيا عاجلا وليس مجرد قرارات بقائمة مؤقتة لضبط فوضى الافتاء ولذلك كان القضاء سباقا الى ذلك ، حيث أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالاسكندرية الدائرة الأولى بحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة حكمين قضائيين بتأييد قرارين لوزير الأوقاف الأول بجلسة 27 أبريل 2014، والثانى بجلسة 26 يناير 2015، فقد ورد بهما أن المشرع الوضعى لم يضع تعريفاً للمجتهد، وأن هناك فراغاً تشريعياً وليس شرعياً بشأن ايجاد تنظيم تشريعى متكامل لعملية الافتاء فى المجتمع المصرى، نظرا لما يعترضها من اَثار خطيرة يكشف عنها الواقع العملى، والتى لم تكن تحت بصر المشرع أثناء إصدار القانون، وتضمن هذا الحكم المهم ثلاث نقاط: أولاً: عن الفراغ التشريعى وليس الشرعى لعملية الافتاء وخلو القانون من تعريف المجتهد قالت المحكمة: « إن المشرع الوضعى لم يضع تعريفاً للمجتهد، كما أن هناك فراغاً تشريعياً – وليس شرعياً - بشأن ايجاد تنظيم تشريعى متكامل لعملية الافتاء فى المجتمع المصرى ، وهو ما يسبب مشكلات جمة - باستثناء ما تقوم به دار الافتاء المصرية - فالافتاء ليس حكراً على أحد، وأن علماء الأمة قديماً وحديثاً تواترت آَراؤهم على وجوب توافر مواصفات محددة فى المجتهد، الذى يجوز له أن يفتى للناس فى أمور دينهم ودنياهم، ونهى غير المتخصصين الذين لا تتوافر فى شأنهم اهلية الاجتهاد أو ممن ينقصهم اتقان التخصص عن التجرؤ على الاجتهاد والافتاء بدون علم، لما يترتب على ذلك من مآس دينية ودنيوية أو الاساءة إلى الإسلام وتشويه صورة المسلمين بين مختلف الشعوب، وتأسياً بمسلك كبار الفقهاء الأوائل الذين أسسوا مدارس فقهية لها مناهجها العلمية ، فكانوا يتحرجون من الفتوى على عكس الأمر الحاصل الآن من تجرؤ غير المتخصصين على الافتاء». ثانياً: عن تفضيل الاجتهاد الجماعى على الاجتهاد الفردى قالت المحكمة « انه عندما تقدمت العلوم وتنوعت التخصصات فان المسألة التى تتعدد فيها وجهات النظر وتختلف فيها الرؤى، تكون بحاجة إلى نظر جماعى، اى الاجتهاد الجماعى لا الاجتهاد الفردى، تأسيساً على ان المسألة الواحدة التى تنازعتها فتويان فإن الأمر يقتضى ترجيح واختيار الفتوى الأصوب والأرجح، فالمسائل الخلافية التى تتعدد فيها آراء العلماء لا يجوز أن ينفرد بالافتاء فيها فقيه واحد ، فيكون الاجتهاد الجماعى هو السبيل الوحيد للافتاء فيها للعامة للترجيح ، وليس كل ما يعلم بين العلماء المتخصصين يقال للعامة وإلا أحدثوا فتنة واثارة للبلبلة وعدم استقرار المجتمع الدينى». مطلوب فض الاشتباك بين العلماء ثالثاً : عن شروط الافتاء فى الفقه الإسلامى قالت المحكمة «إن شروط الافتاء ليست بالأمر اليسير فى الفقه الاسلامى حتى يمارسه العوام، وانما هو أمر بالغ الصعوبة والدقة يستفرغ فيه المجتهد وسعه لتحصيل حكم شرعى ، يقتدر به على استخراج الأحكام الشرعية من ماَخذها واستنباطها من أدلتها على نحو يشترط فى المجتهد شروطاً للصحة ، أهمها أن يكون عارفا بكتاب الله ومعانى الآيات، والعلم بمفرادتها وفهم قواعد اللغة العربية وكيفية دلالة الالفاظ ، وحكم خواص اللفظ من عموم وخصوص ، وحقيقة ومجاز واطلاق ومعرفة أصول الفقه كالعام والخاص والمطلق والمقيد والنص والظاهر والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم والمحكم والمتشابه وهى مسائل دقيقة للغاية تغم على عموم الناس».لقد بات المشرع مطالباً لفض الاشتباك بين العلماء أنفسهم بالتدخل لضبط تنظيم عملية الافتاء، وتجريم الافتاء من غير أهله المتخصصين بدار الافتاء التى تخاطب كل مسلم فى العالم وليس مصر فحسب، خاصة فى ظل الظروف العاتية التى تواجه العالم لمحاربة الارهاب ودعاة الفكر الشيطانى التكفيرى، وتبذل فيه مصر وحدها بحكم ريادتها للعالم الإسلامى غاية جهدها لمواجهة هذا الإرهاب للحفاظ على كيان المجتمع واستقراه ورعاية المصالح العليا للأمة .