لو دقق الواحد بأمانة و صدق مع نفسه لاكتشف إنه يدعى «الرضا» معظم الوقت، هناك ثغرة تتسلل منها الأحلام المستحيلة التى تقول إن الحياة كانت ستصبح أفضل لو «حصل كذا»، و تتسلل منها أحيانا نغزة مقارنة الواحد لحاله بحال من يعتقد أن نصيبهم من السعادة أوفر، حتى عندما يستغفر يحدث هذا لا من منطلق «الرضا»، ولكن خوفا من زوال المتاح عقابا على عدم الرضا، من النادر أن ترى شخصا مبتسما وهو يقول «كل اللى يجيبه ربنا كويس»، يقولها معظم الوقت عن «قلة حيلة» لا عن قناعة تامة، ستكتشف هذا بسهولة عندما تلاحظ أن ملامح وجهه لا تعبر عما يقوله أبدا، معظم الوقت تخرج الجملة تحت مظلة تقطيبة الجبين و النظر بعيدا وحركة بطيئة للرأس من أسفل إلى أعلى وتخرج الجملة مسبوقة بكلمة «يالا» دليلا على أنه «يحزق» لكى تخرج الجملة. هناك مثل شعبى يقول: « إرضى بقردك ليجيلك اللى أقرد منه»، هذة الجملة «القرودى» من المفترض أنها تعلمك الرضا، لكنها تعلمك أن ترضى «بالوحش» حتى لا تُعاقب ب «الأوحش منه»، قد تكون الجملة صحيحة نظريا، لكن وحسب اعتقادى الفقير هذا أبعد ما يكون عن الرضا، أؤمن أن الرضا ليس «الخوف من الأوحش» لكنه الاستمتاع بما هو متاح، يعرف الواحد أنه فى حالة رضا عندما يضبط نفسه يعد بمتعة صافية كل ما فى حوزته، و ينظر إلى النقص بثقة مثل شعبى آخر يقول: «اللى خلق الطاحونة يرزقها بالطحين». يقول سيدنا علي: «نعم القرين الرضا»، يقول أيضا « الزهد ثروة»، لكن خلينا فى الرضا لأن الزهد مقام أصعب من مقام الرضا، فالواحد يطمع فى «نعم القرين» طمعا فى السعادة، ولا علاقة للزهد بكمية الأطماع الموجودة فى الجملة السابقة. قد تسألنى عزيزى القارء عما أريد أن اقوله بالضبط، و للأمانة أنا اتحدث إلى نفسى علنى أتعلم شيئا، أحاول أن أنشط غدة الرضا، و قلت ربما تود أن تشاركنى هذا التمرين الصباحى، فالواحد لا يخاف من عقاب «الأقرد منه»، لكنه يخاف أن يضيع العمر و ينقطع النفس و هو يسعى خلف « الأَمَلة»، و «الأملة» التى يعتقد الواحد أنه سيجد سعادته و رضاه عندها هى فى الحقيقة غدارة، ما أن تصل إليها حتى تكتشف أنها «لا مش هى دى»، ثم تعود لحرق البنزين من جديد و تجرى بينما يقع من جيبك تفاصيل هى «الأملة» فى حد ذاتها لكن الواحد لا يفهم ذلك، يطلب مننا الحكيم الخواجة فى قوله المأثور أن نستمتع بالأشياء الصغيرة لأننا فى الغد سنعرف أنها كانت كبيرة، يدرب الواحد نفسه على اكتشاف العظمة فى الأشياء التى يعتقد أنها صغيرة، ليستمتع بها، و على سبيل التمرين أحاول أن أتأمل كم المعجزات فى اللحظة التى أشب فيها لالتقاط بلوفر شتوى من على رف الدولاب العلوى، عمودى الفقرى سليم بما يسمح لى أن أنثنى و أنفرد بمرونة كبيرة، أعصاب قدمى سليمة بما يسمح لى أن أقف متزنا فى هذة اللحظة، ثم يا للمعجزة لدى دولاب بل هناك ما هو أخطر فداخل هذا الدولاب هناك بلوفر شتوى أحبه. قد ترى سذاجة فى هذا التمرين، كلما هاجمنى هذا الشعور أذكر نفسى بمقولة حكيم مجهول: « لم يكن عندى حذاء و كنت دائم الشكوى من ذلك حتى قابلت رجلا بلا قدمين». قالوا قديما لا تشبع عين من نظر و لا أذن من خبر و لا أرض من مطر، و أضيف أن الإنسان بطبعه لا يشبع من طلب الخير، وهو طمع مشروع، لكننى أحاول أن أدرب نفسى على فكرة أن الطموح وطلب المزيد لا يمنع باى حال الاستمتاع بما هو متاح فى هذه اللحظة، و مفتاح المتعة هو الرضا ومفتاح الرضا هو الطريقة التى ينظر بها الواحد لما بين يديه، أو كما قال الحكيم الخواجة: «ليس مهما ما الذى تنظر إليه .. المهم ماذا ترى؟!»