فى هذه الرواية ذات الطابعين الاجتماعى والتاريخى تستثمر سهير المصادفة قدراتها الروائية الفذة ، وامتلاكها وحسن سيطرتها على أدواتها الفنية والدرامية فتقدم لنا في «لعنة ميت رهينة» عملًا روائيًا يكشف عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والحضارية ومساراتها من خلال معالجة فنية ورسالة فكرية ورصد التطور في بيئة المجتمع وتفسير الحاضر كي نتمكن من استشراف المستقبل. وهي رواية يصنع أحداثها عدد كبير من الشخصيات المنتمية إلى ثلاثة أجيال من أسرتين هما: أسرة الثري السعودي أدهم الشواف وأسرة عبد الجبار الفلاح المصري الفقير ويجرى الصراع بين الأسر الثلاث ، والذي يقودنا إلى النتيجة الحتمية وهي اللعنة التي ستحل بميت رهينة، بعد أن يصبح الثراء هو الشغل الشاغل لعبد الجبار الفلاح المصري الفقير ، الثراء بأي طريقة ومن أي جهة كي يثأر لحبه الذي انتزعه منه الثرى السعودي أدهم الشواف الغريب بماله. ولقد نجحت سهير بالدلالات اللغوية أوغير اللغوية في تشخيص المرض الذي أصاب نسيج المجتمع المصري منذ بداية عصر الانفتاح العشوائي الذي أخل بدعائم المجتمع وأخلاقياته بحيث لم يعد المصري يجد غضاضة في بيع تراث مصر ومؤسساتها ومصانعها ومتاجرها.... وعلى هذا النحو كان إجماع النقاد على أن رواية لعنة ميت رهينة تشكل من الجودة والإتقان فى عرض الأحداث معلمًا هامًا في تطور الرواية المصرية وتحتل نفس أهمية ثلاثية نجيب محفوظ من حيث قيمتها الفنية والاجتماعية والسياسية. ولذلك جاء تماسك البناء الروائى عند سهير أكثر قوة ، فليس الفعل البشرى فى الرواية عبثاً وسخرية يتجه إلى المراد منة ولكنه فعل له غاية وله هدف قد ينتهى بالإنسان المهيأ للسعادة كأبناء ليلى - إلى المأساة ولكن هذه المأساة نابعة أصلاً من طبيعة الإنسان الداخلية ، وليس من مجرد اتخاذه آلة فى يد القدر ، ولذلك بدأ التدخل المباشر للقدر فى أحداث الرواية ومضامينها ضئيلاً ومحدداً .ويجمع العديد من نقاد الفن الروائى على أن سهير تقدم فيها عملا يمثل نقلة نوعية في مشروع روائي بدأ في التسعينات من القرن المنصرم بروايتها لهو الأبالسة، ثم ميس إيجيبت، ثم رحلة الضباع، ثم بياض ساخن... وصولا إلى لعنة ميت رهينة... فمنذ الصفحات الأولى للرواية يتكشف للقارئ المتأني أنه أمام عمل تطمح مؤلفته لتقديم بناء روائي ثري بتفاصيله وعناصره، فمن البداية يتقدم العمل وفق مسار شديد الإحكام من خلال فصول ذات بنية ثنائية مع حرص المؤلفة على أن يكون افتتاح كل فصل من خلال نص أقرب إلى الشعر عن مسرح الأحداث وبطلها الأول، كما يلعب الاختيار الذكى واللماح لعنصر المكان وما يعبر عنه من بعد تاريخى وقومى على اعتبار أن ميت رهينة قرية منف القديمة التى كان لها دورها التاريخى كعاصمة اثناء تلك الفترة ، يعقبه حكي ممتع عن الشخوص والأحداث... آمالهم وأحزانهم ومشاعرهم ومعاناتهم. وقد نجحت سهير فى اختيار لغة اتسمت بالثراء في تنوعها بين الشعرية المحكومة واللغة التوصيلية المخاتلة، وصفحات العمل ترعة بتفاصيل إن لم يتمهل معها القارئ يخسر متعة القبض على روح تسري عبر.