نظم «أتيليه القاهرة» ندوة لمناقشة رواية «لعنة ميت رهينة» للروائية سهير المصادفة، وهى الرواية الخامسة للكاتبة التى لفتت الأنظار بشدة عقب صدور روايتها الأولى «لهو الأبالسة» عام 2003، ثم توالت أعمالها الروائية فأصدرت «ميس إيجيبت» 2008، «رحلة الضباع» 2013، «بياض ساخن» 2015، وأخيرا، «لعنة ميت رهينة» 2017. شارك فى الندوة د. شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق والناقدة فريدة النقاش، والناقد رضا عطية وأدارتها الكاتبة الصحفية سامية بكرى، التى قالت أن «لعنة ميت رهينة» هى رواية المكان بامتياز وشخصياتها من لحم ودم مستوحاة من الواقع. أما د.شاكر عبد الحميد فيرى أن الرواية يمكن تصنيفها باعتبارها «رواية أجيال» تمتد من الجد إلى الابن وصولا إلى الحفيد، كما يمكن تصنيفها كمزيج من رواية الأجيال والرواية البوليسية، فالتصنيف يرجع إلى ذوق القارئ، وأول ما يطالعنا مفهوم التراكب كمفهوم سينمائى يركب صورة على صورة فالصورة العليا تكشف عما تحتها. والتراكب داخل الرواية يأتى على مستويات الزمان والمكان والبشر، فعلى مستوى الزمان هناك أكثر من زمن فى الرواية، زمن ماضى وزمن حاضر. ويستحضر عبد الحميد مقولة «هنرى بريستد» صاحب كتاب «فجر الضمير» الذى تساءل: كيف يمكن لهؤلاء المصريين أن يكونوا أحفادا لهؤلاء الفراعنة العظام؟». الرواية ترصد نظرة من الخارج وهى نظرة الغريب متمثلة فى نظرة السعودى «أدهم الشواف»، الذى يتزوج الفتاة المصرية هاجر الجميلة التى تنجب ابنتها ليلى، وليلى تنجب نور، فهنا فكرة الزمان الفرعونى والزمان الحديث الذى نعيشه، فالرواية فيها نوع من البحث عن الهوية المصرية والمؤثرات التى خضعت لها سواء من الشرق أو الغرب. ويواصل عبد الحميد، الرواية فيها شىء من المراثى لما حدث لمصر والمصريين فيها وصف للشوارع والقرية وبيوتها وصفا يجعلها أقرب إلى المتاهة. فقرية ميت رهينة هى أول عاصمة فى تاريخ مصر، فالبعض يسميها ميت كوم الزبالة حيث تعج بالفوضى والعشوائية، وتجمع بين بيوت الفقراء والقصور الشاهقة، هناك الكمبيوتر، والدجل، وتروج فيها تجارة الآثار وتجارة المخدرات وتجارة الشنطة، وشخصية عبد الجبار الشخصية الرئيسية فى الرواية الذى انتقل من الفقر المدقع إلى الثراء الشديد. فهناك نوع من الابتعاث لحضارة الفراعنة فهناك التوابيت الجرانيتية، وعجل أبيس، ورصد للسراديب، كما يقال إن سيدنا يوسف قد سجن فى سجن ميت رهينة، كما أن شخصية عبد الجبار أسطورية ومخيفة وغامضة. كما تحتشد القرية بالدجالين والمشعوذين والأفكار الظلامية والحلم المشترك بالثروة، وتتوالى الأحداث حتى نصل إلى ثورة 25 يناير. وترى الناقدة فريدة النقاش أن «لعنة ميت رهينة» هى رواية التناقضات الكبرى، كما أن القمامة إحدى بطلات هذه الرواية، فالنسوة يرمين القمامة فى ساحة المعبد رغم وجود قصر كبير بناه شخص سعودي، فالقرية غارقة فى دوامات نفايات تطير فى أجوائها، فهذه القرية كانت عاصمة مصر قديما، وهى مؤشر على تناقض المجد القديم وبؤس الحاضر، مما يضيف ألما جديدًا إلى الداخلين إلى الجب «المتاهة»، وهو سؤال كبير من أسئلة الرواية، طبقا لمقولة الناقدة «جوليا كريستيفا»: «الأدب يأخذنا إلى حافة الوجود»، فهذه الحافة التى يقف عليها أهالى ميت رهينة بما تتجاذبهم فى هجمة الخليج بأمواله ممثلة فى «أدهم الشواف» الذى تزوج من «هاجر المصرية» دون أن يترك زوجته الأولى فى وطنه وتأتى إلى مصر لتمارس سلطتها وجبروتها ضد «هاجر» التى صارت ضحية لأموال الخليج، كما تحولت ابنتها «ليلى» إلى ضحية للعولمة، أما الحفيدة «نور» فعشقت موسيقى أمريكى من أصل مصرى، فكانت خارقة الذكاء وتشوهت شخصيتها فيما بعد وقتلت «عبد الجبار». فالرواية تمرد على الواقع، ويمكن إدراجها فى سياق الخرافة، فنحن أمام راوٍ عليم بكل شىء، ومع ذلك تعددت الحيل الإبداعية، وهذا مسعى مقصود لردم الفجوة الإبداعية بين الثقافة النخبوية وثقافة الجمهور العام الذى يعشق الحواديت الكبيرة حتى لا يجهد نفسه، كما يوجد أساس قوى للبناء البوليسى للرواية، حيث قتلت «نور» كل من أساء للحضارة المصرية القديمة ودفنتهم فى قصر جدها «أدهم الشواف» الذى مات إثر مرض غامض أصابه عقب مقتله للمهندس الذى بنى قصره، حتى لا يعرف أحد أسرار البناء، وهذا الموقف مستوحى من قصة «سنمار» التراثية. كما أن لغة الرواية تجمع بين الإبداع والانضباط. أما الناقد «رضا عطية» فأشاد بخصوبة عوالم الرواية وتشجر الحكايات ضمن متاهة سردية كبرى، كما أن الغرابة الحاضرة فى الرواية مألوفة، وهناك حس شعرى عال تجسد فى انسيابية اللغة، وهذه الشعرية لم تثقل كاهل النص. جدير بالذكر أنه قد سبق الندوة حفل توقيع بمكتبة آفاق المقابلة للأتيلية.