تحمل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى قبرص أبعاداً هممة متعددة، فمن حيث التوقيت تأتى فى مرحلة بالغة الدقة بالنظر إلى ما تمر به منطقة الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط من تطورات مهمة تؤثر على أمن ومصالح جميع دول المنطقة التى تشهد على ما يبدو- عملية إعادة تشكيل أنماط وتوازن القوى فيها. وأشار تقرير أعدته الهيئة العامة للاستعلامات إلى أن العلاقات المصرية القبرصية تتسم بأبعاد متعددة، استراتيجية وأمنية واقتصادية، تستمدها من الخصائص الجيوسياسية لموقع كل من مصر وقبرص الجغرافى والاستراتيجي، ثم من طبيعة العلاقات المصرية القبرصية ومسيراتها التاريخية بكل أنماط التعاون والتفاهم لصالح البلدين ولصالح الاستقرار فى المتوسط والشرق الأوسط. من جانب آخر فإن الجانب القبرصى قد أعلن أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى نيقوسيا سوف تتضمن عقد القمة المصرية- اليونانية- القبرصية الخامسة، وهى القمة التى أصبحت بمثابة مؤسسة مستقرة للتواصل والتفاهم السياسى والاستراتيجى والاقتصادى بين الدول الثلاث التى تمثل ثلاثة أضلاع مهمة جغرافياً واستراتيجياً للأمن والسياسة والاقتصاد فى شرق البحر المتوسط. وتميزت العلاقات السياسية بين مصر وقبرص، بتنسيق المواقف بينهما حيال القضايا المختلفة، والتعاون فى المحافل الدولية والإقليمية، وخاصة فى الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي، وتبادل البلدان التأييد فى الترشيحات لعضوية اللجان الدولية المختلفة. وفى نطاق مواز لذلك وقع البلدان بروتوكولا للتشاور السياسى بين وزارتى الخارجيه عام 2002، عقدت بموجبه ثلاث جولات من المشاورات آخرها فى القاهرة فى يونيو 2011. وشهدت مصر وقبرص لقاءات قمة لدعم وتوطيد العلاقات بين البلدين خاصة فى السنوات الأخيرة، ففى 23 من سبتمبر 2014 استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى بنيويورك نيكوس أنستاسيادس رئيس جمهورية قبرص، على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفى نوفمبر 2014 تم الاتفاق بين مصر وقبرص واليونان على تكثيف الاتصال والتنسيق فى كل المحافل الإقليمية والدولية لحماية المصالح المشتركة وتعزيز الاستفادة من العضوية المشتركة مع تلك الدول فى كل التجمعات. وتكثيف الجهود لمكافحة الجماعات الإرهابية والقوى الداعمة لها وسبل تعزيز هذه الجهود، فضلا عن الوضع فى ليبيا وكيفية تدعيم المؤسسات المنتخبة. وانعقدت فى ديسمبر 2015 أعمال القمة الثلاثية بأثينا بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس قبرص نيكوس أنستاسيادس ورئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس. وجاء انعقاد القمة فى إطار حرص الدول الثلاث على دورية انعقادها من أجل الارتقاء بمستوى العلاقات الإستراتيجية والتاريخية التى تجمع بينها ، وفى أكتوبر 2016 أكدت الحكومة اليونانية أهمية خاصة للقمة الثلاثية التى عقدت بالقاهرة بين مصر واليونان وقبرص وهى الرابعة من نوعها بين زعماء الدول الثلاث فى إطار آلية التعاون الثلاثي، مما يدل على استمراريتها ومدى الإمكانات الكبيرة التى تتمتع بها على المستوى الإقليمي. وارتفع حجم التبادل التجارى بين مصر وقبرص خلال الفترة من يناير حتى يوليو 2017، ليبلغ 41.3 مليون يورو، مقابل 29 مليون يورو خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، بنمو قدره 42.4%. وزادت صادرات مصر السلعية والبترولية خلال السبعة أشهر الأولى من العام الحالى إلى قبرص لتبلغ قيمتها 22.5 مليون يورو، مقابل 20.5 مليون يورو فى الفترة ذاتها من عام 2016 بزيادة نسبتها 10%. وحققت الصادرات السلعية طفرة كبيرة لتبلغ قيمتها 22.5 مليون يورو، مقابل 12 مليون يورو فقط فى الفترة ذاتها من عام 2016 بزيادة 88%. و يوجد بين مصر وقبرص عدد من الاتفاقيات الثنائية فى مجال التنقيب والبحث عن الغاز فى شرق البحر المتوسط، حيث وقع البلدان فى عام 2003 اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، بالإضافة إلى الاتفاقية الإطارية التى تم توقيعها فى عام 2006 لتنمية مصادر الهيدروكربون عبر خط المنتصف بين البلدين.وفى أكتوبر 2012، تم توقيع اتفاقية تعاون بين الحكومتين المصرية والقبرصية، فى مجال البحث عن البترول والغاز خاصة فى المياه العميقة والملاصقة للحدود المصرية القبرصية، وذلك بعدما أظهرت عمليات المسح المبدئى لهذه المناطق مؤشرات قوية على وجود كميات كبيرة من الغاز. كما أن هناك تعاوناً مشتركاً لتدريب المهندسين المصريين على تكنولوجيات استخراج النفط والغاز الطبيعي. كما يمثل الجانب الثقافى عنصراً مهماً فى العلاقات بين مصر وقبرص استناداً إلى إرث عريق من التفاعل الحضارى عبر العصور.. وفى الوقت الحالى تشارك وزارة الثقافة فى مهرجانات الفنون الشعبية التى تُقام بقبرص من خلال فرق الفنون الشعبية، كما تم الاتفاق على التعاون بين الازهر الشريف والحكومة القبرصية فى المجالات الدينية والفقهية، وايفاد بعض أساتذة الأديان من جامعة قبرص للمشاركة فى ندوات وإلقاء محاضرات فى جامعه الازهر وتلقى دورات تدريبية على الوعظ والارشاد والافتاء.