أكثر من 35 فلاحا وفلاحة.. شابا وفتاة .. عائل أسرة وعاملا .. من مختلف الأعمار يرتدون الجلباب والعمامة، ويجلسون على الأرض بينما يصل آخرون بشكل جماعى عشوائى ويحاولون التسلل إلى المكان والجلوس بجانب بعضهم البعض فى محاولة منهم ليتعلموا «كيف يمكننا زيادة إنتاجنا الغذائى والتغذوى الأسري»، ويعترف ويفصح كل واحد منهم وكله أمل وسعادة لانه باستطاعته ان يزيد من دخله فى الإنتاج فى غضون أشهر قليلة.هذا هو المشهد الذى مر امام اعيننا فى احدى المدارس المجتمعية الحقلية (المدارس العملية للزراعة والحياة) بقرية منشية عبد الصمد الواقعة فى محافظة بنى سويف على بعد 100 كيلومتر جنوبالقاهره، لكنها ليست المدرسة المجتمعية الحقلية الوحيدة.قامت منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (الفاو) بتنفيذ هذا المشروع فى خمس محافظات فى صعيد مصر: أسيوط، أسوان، بنى سويف، الفيوم وسوهاج وتم اختيار اثنين او ثلاث قرى الاشد فقرا فى كل محافظة. وتبلغ تكلفة مشروع «تحسين الأمن الغذائى والتغذوى الاسرى فى مصر» نحو 500000 3 جنيه مصرى ممولة من الوكالة الايطالية للتعاون الإنمائي. وتسعى الوكالة الايطالية ومنظمة الفاو من خلال هذا البرنامج إلى تقليص الجوع الى صفر» بحلول عام 2030. مشروع «تحسين الأمن الغذائى والتغذوى الأسرى فى مصر» الذى أطلقته منظمه الفاو يعد تجربة جديدة تماما للنساء والشباب فى مصر. وبشكل عام، حقق المشروع كما تقول الدكتورة زهرة صالح مسئولة المشروع بمنظمة الفاو - نتائج ايجابية حيث استفاد منه 2708 أسر فى المحافظات الخمس: « 398 شابا مزارعا تم تدريبهم فى مدارس المزارعين الحقلية ومدارس الحياة. 723 امرأة تدربت على ادارة التمويل للمشاريع المتناهية الصغر ومشاريع تربية المواشى والبط، وقد تدربت 577 امرأة على التثقيف التغذوى والصحي، كما تم تدريب 457 قروية على انشاء الحدائق المجتمعية، بالاضافة لتدريب260 فلاحة فى مدارس معالجة الاغذية فى المنزل، وتدربت 239 امرأة على انشاء الحدائق المجتمعية.هناك، كان المزارعون والفلاحون من مختلف الاعمار يجلسون فى الحقول ويستمعون إلى دروس الزراعة، مرة واحدة فى الأسبوع- 16 جلسة على مدى اربعة اشهر (بدءا من فترة الزراعة إلى الحصاد). كل فلاح منهم اعتاد على زراعة محصوله مستخدما طريقة ابائه واجداده - الطريقة التقليدية فى الزراعة (المسافة بين نبته واحدة وأخرى تتراوح بين 20 و25 سم، وعرض الخط الزراعى هو 60 سم). اما الآن يحاول الحاج على ذكى ان يخوض التجربة مثله مثل بقية المزارعين ان يزرع نصف المحصول بالطريقة التقليدية والنصف الاخر بالطريقة الحديثة (حيث تتراوح المسافة بين نبات واخر نحو 35 سم ويبلغ عرض الخط الزراعى نحو 70 سم) على غرار مشروع منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة «تحسين الأمن الغذائى والتغذوى الأسرى فى مصر». وفى بداية المشروع رفض الحاج على زكى تطبيق الأسلوب الحديث لانه كان يخشى من المخاطر التى سوف يتعرض لها عندما يتخلى عن الطريق التقليدية. لكن مع مرور الوقت اكتشف انه كان مخطئا «اليوم، إذا اردت ان اقوم بعمل مقارنة بين الطريقتين المختلفتين عند زراعة الفلفل الرومى مثلا، اذ بنا نكتشف ان الطريقة الاولى (التقليدية) انتاجيتها اقل حيث تنتج 100 كيلو جرام فى الاسبوع والطن منها يباع ب 000 1 جنيه لانها مصابة ببقع مستطيلة سوداء اللون و«مكرمشة». فى حين ان انتاجية الفلفل الرومى المزروع بالطريقة الحديثة يرتفع الى 20 ضعفا ويباع الطن منه ب 4000 جنيه» يقول الحاج على ذكى ببساطة وهو سعيد وفخور بما تعلمه لكى يقوم بزيادة انتاج محصوله من الفلفل الرومي.وتم تنفيذ مشروع «الامن الغذائى والتغذوي» بعد اجراء دراسة استقصائية فى محافظات مصر. ووفقا لتقرير أعده برنامج الاغذية العالمى بالتعاون مع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء «ان نحو 15 % من السكان قد سقطوا فى براثن الفقر بين 2009 و2011. كما تزايد معدل سوء التغذية أيضا، ولا سيما التأخر فى النمو لدى الأطفال من 6 إلى 59 شهرا. «ولم تحدث هذه الزيادة فى انعدام الأمن الغذائى وسوء التغذية والفقر بين عشية وضحاها، أو حتى فى سنة أو سنتين». ولكن عدم قدرة السكان على الحصول على الغذاء الكافى والمغذى يرتبط بزيادة الفقر وتعاقب الأزمات الغذائية والاقتصادية ثم الاضطرابات السياسية التى حدثت بعد ثورة يناير 2011» صرح بذلك عبد السلام ولد احمد، نائب المدير العام والممثل الإقليمى لدى منظمة الاغذية والزراعة.ولذلك قام البرنامج بدعم 175 مشروعا تقودها النساء من خلال توفير التمويل اللازم للماشية والدواجن والزراعة والمعدات. ضمن هذه المشروعات إنشاء 15 مطبخا للتغذية المجتمعية التى تتعلم النساء من خلاله تقنيات اعداد الاطعمة الصحية والمغذية وتخزينها والحفاظ عليها.وضمن البرنامج،، تقوم حفيظة عبد الستار، وهى سيدة صعيدية من محافظة الفيوم ( 45 عاما) باعداد صلصة الطماطم المعبأة فى برطمانات. فهى تقوم بشراء الطماطم عندما تكون رخيصة الثمن وتقطعها وتزيل البذور وتضعها فى وعاء كبير وتقوم بوضع المياه والملح حتى الغليان وبعد ان تبرد تقوم بوضعها فى برطمانات زجاجية صغيرة ثم تقوم بتوزيعها على اطفالها واصدقائها وبنات عمومتها كما تقوم بتعليم جيرانها الطريقة السليمة لاعداد صلصة الطماطم. مثل جميع النساء الاخريات التى تشارك فى اعداد الاطعمة الصحيه والمغذية تقوم حفيظة باعداد مربى الفراولة والبرتقال .. كما تقوم بعمل بعض المعجنات والفطائر المالحة والكعك بالعجوى المغذية للطفل التى تعطية طاقة. «ان اعداد هذه الاطعمة سريع وسهل والاهم صحى ومفيد ويجلب رزقا وفيرا للسيدة الصعيدية فى ان واحد «يضيف المهندس حسام متولى الذى يعمل بالادارة الزراعية بالمحافظة.كما يقدم المشروع تدريبا فنيا خاصا وتعليما تغذويا لضمان نجاح المشاريع لتعليم المرأة كيفية زراعة المزيد من النباتات المدرة للدخل فوق اسطح المنازل، وزيادة التنوع الغذائى والقيمة التغذوية من اجل رفع مستوى معيشة الاسرة. «ان الزراعة فوق أسطح المنازل قد جلبت بصيصا من الأمل فى حياتنا ليس فقط لانها وسيلة لمساعدتنا على زراعة عدد قليل من الخضراوات لدعم عائلتنا وأطفالنا، بل أيضا، هذه الثقافة تشجعنا على تناول الطعام الصحى»، تقول نورا إبراهيم هذا الكلام وهى تقوم برش الخضراوات على سطح منزلها فى قرية منشية عبد الصمد. « وتضيف وهى فى قمة سعادتها:» اليوم يمكننى تقديم الطعام الصحى لأطفالي، وعائلتي، وأبناء عمومتى وكذلك بيع الباقى من اجل لقمة العيش «، تقول نورا هذا الكلام وهى التى لم يكن لديها من قبل ما يكفيها من المال لكى تستطيع ان تقوم بتعليم أطفالها. تقوم المرأة من خلال هذا المشروع كما يقول الدكتور نبيه عبد الحميد مدير مركز المعلومات الغذائية الصحية التابع للمشروع ببيع فائض ما تنتجه لتضمن دخلا ثابتا. فهى تستغنى عن الاغذية التى تشترى من الاسواق المحلية التى عادة تكون اقل غذاء مثل الوجبات السريعة أو وجبات الطعام السريع. فهذه الوجبات غير المتوازنة على صحة الفرد لها مخاطر صحية جسيمة.. «فالهمبورجر يصل الى 700 سعر حرارى والناجتس يصل الى 1880 سعرا حراريا والأيس كريم يصل سعره الحرارى الى 300 والسعر الحرارى للبطاطس المقلية المفضلة لدى الكثيرين يصل الى 280سعرا. هذه الوجبات السريعة غنية بالسكر والدهون والملح والبروتين المصنع تفتقر الى الالياف والفيتامينات والمعادن المفيدة للجسم كما انها تسبب الكثير من الامراض مثل مرض السكرى والسمنة وزيادة الوزن وامراض القلب والاوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم واضطرابات المثانة والمرارة.