كشفت مباراة الأهلى والوداد المغربى فى نهائى دورى أبطال إفريقيا، واحدة من سوءات الرياضة المصرية، وأكدت أن مايجرى فى نهر التشجيع الرياضى هو تعصب مقيت بأتم معنى الكلمة، وأن السكوت عليه جريمة بحق الوطن أولا والرياضة ثانيا، خصوصا أن ماحدث على الساحة فى السنوات الأخيرة لا تزال ظلاله السوداء تخيم على المشهد وتنذر بعواقب وخيمة، رغم أن القلب لا يزال ينزف دما على من راحوا ضحايا لإرهاب التعصب، وقبل أن أقص ما حدث عقب خسارة الأهلى المباراة، يجب أن أتوقف لأدق ناقوس الخطر محذرا من عواقب الصمت على هذه الحالة، ومؤكدا أن المسئولية تقع أول ما تقع على البيت والمدرسة والأندية والإعلام، ومع هؤلاء نجوم الرياضة أنفسهم، ونرجع إلى الواقعة المزرية التى شهدها أحد مقاهى الإسماعيلية، عندما تجرأ صاحب المقهى وعلق لافتة كبيرة مكتوبا عليها ممنوع دخول جمهور الإهلى فى اثناء مباراته مع الوداد، ووضع شعارى الاسماعيلى والوداد وكتب: جماهير الإسماعيلى تتمنى الفوز للوداد المغربى على النادى الأهلي، ووعد رواد مقهاه بحفل بعد فوز الوداد توزع فيه المشروبات والحلويات مجانا، وتلقف إعلامى لا يخلو يوم من اهتمامه بإذكاء نار التعصب عبر برنامجه، وحسنا فعل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذى يبدو أنه أدرك أخيرا حجم المأساة التى تعيشها مصر بسبب عشوائية الإعلام الرياضى فقرر تشكيل لجنة لضبط الأداء الإعلامى الرياضى برئاسة الرائد الإعلامى فهمى عمر ومعه نخبة من الإعلاميين، لعلهم يصلحون ما أفسدته الفوضي، إذ قام الإعلامى بعرض كامل تفاصيل الحفل الذى يوغر الصدور ويؤجج المشاعر ويبث فتنة التعصب، فهاهم مجموعة من الشباب المنتمى للإسماعيلى يجاهر بعداوته لفريق الأهلى ويتمنى خسارته أمام منافسه، ولأن الجيل الحالى لم يجد من يعلمه ويأخذ بيده وتركوه لوسائل التواصل الاجتماعى تقلب عقله حيث الهوى واللامسئولية، لم يجد صاحب الدعوة غضاضة فى أن يجاهر عبر تصريح للقناة ذاتها، يؤكد فيه أنه أقدم على فعلته عن قناعة، وأنه لا يرى فى ذلك خيانة للوطن، لأن تشجيع الأهلى ليس فرضا واجبا، هكذا يخلط الأوراق بمنتهى السهولة ولا يراجعه أحد، نعم يا سيدى من حقك ألا تتمنى فوزه، ونعم أيضا أن تشجيعه فى البطولة الإفريقية ليس واجبا وطنيا، لكنه أيضا ليس واجبا أن تجاهر بالعداء له، وليس أخلاقيا أن تترك أخاك مهما يكن خلافك معه وتؤيد ابن عمك، أما سمعت عن المثل الشعبى القائل : (أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمى على الغريب)، نعم فى الرياضة لا يوجد عدو ولا خصم، يوجد منافس حتى لو كان هذا المنافس من غير جلدتنا فوجب علينا احترامه، فما بالك والمنافس عربى شقيق من أبناء المغرب التى تكن لنا ونكن لها كل التوقير والاحترام وبيننا وبينهم وشائج ونسب، فمن حقك أن تتمنى فوز من تشاء، لكن أن تجاهر بهذا الأمر وأنت تعرف عواقبه وأهمهما إذكاء نار التعصب الذى اكتوينا منه ومازلنا ندفع الثمن حتى الآن بسببه، فهذا أمر مرفوض، وكنت أتمنى أن يبادر نجوم الإسماعيلى إلى إعلان رفضهم هذه الظاهرة التى ستضرب كل جهود رأب الصدع وإعلاء قيم الرياضة من محبة وتسامح وتنافس شريف، وللإنصاف فإننى هنا لا ألوم هذه الجماعة من مشجعى الإسماعيلى فلم يكونوا وحدهم من سعد بخسارة الأهلى إذ كان معهم كثيرون من جماهير الزمالك الذين أرجعوا فرحتهم إلى الثأر مما فعله جمهور الأهلى بهم العام الماضى عند خسارتهم البطولة ذاتها أمام فريق صن داونز الجنوب إفريقي، وهو أمر كان غير محمود، مما يعنى أن الأمر تغلغل إلى وجدان هؤلاء المشجعين، فلم يترك لهم فرصة للمراجعة أو تصويب المسار، وإنما يسيرون حسبما قادهم التعصب الأعمى معتبرين الانتماء لأنديتهم يسبق انتماءهم لوطنهم. إن الأمر جد خطير ويستحق التوقف عنده بالبحث والدرس، وأن يقوم الجميع، كل فى موقعه، بتحمل المسئولية الملقاة على عاتقه، وفى المقدمة منهم علماء الاجتماع وعلم النفس، فهذه الظاهرة إن تركت ستستفحل وستكون عواقبها وخيمة وساعتها لن ينفع معها عض أصابع الندم أو شق الجيوب ولطم الخدود، وعلى نجوم الرياضة لعب الدور المطلوب منهم لتقارب الجماهير، ويبقى الدور المهم لدى الإعلام بكل صوره ليشجب هذه الظاهرة ومحاربتها والتنديد بمرتكبيها أيا كان انتماؤهم، فالوطن فوق الأندية، وهنا يجب أن أحيى المستشار مرتضى منصور رئيس نادى الزمالك الذى كان أول من واسى لاعبى الأهلى وحيا جهدهم الذى بذلوه فى الملعب، مؤكدا أنهم لم يقصروا، بل انتقد حكم المباراة معتبرا إياه سببا فى خسارة الأهلي، هذه هى الروح التى يجب أن تسود يا أهل الرياضة، لأن من ينتمى إليها يجب أن يلتزم مبادئها ويعمل بقيمها وإلا فعليه أن يبتعد عنها.. فهل يمكن أن ينصاع هؤلاء إلى صوت العقل ليبدأوا حوارا هادئا وموضوعيا يضع حدا لظاهرة التعصب فى ملاعبنا؟.. هذا مانتمناه! لمزيد من مقالات أشرف محمود