بعد مرور عام على قرار تحرير سعر الصرف بدأ الاقتصاد يستعيد استقراره وتحسنت بعض المؤشرات المالية والنقدية وفى مقدمتها ارتفاع الاحتياطى النقدى وتحسن الميزان التجارى ولكن لايزال المواطن يعانى آثار القرار وانعكاسه على ارتفاع اسعار مختلف السلع والخدمات والتى شكلت عبئا ثقيلا على ميزانية الأسرة ، الى جانب معاناة المواطن من النقص فى عدد من المنتجات الحيوية، وعلى رأسها الدواء الذى يمثل سلعة ضرورية لايمكن الاستغناء عنها وخاصة لأصحاب الأمراض المزمنة والحرجة. وبرغم ما يتم اتخاذه من إجراءات للحماية الاجتماعية وكبح جماح التضخم والسيطرة على الأسواق فإن الأمر يحتاج الى المزيد من الإجراءات على مستوى المالى والنقدى والأسواق وخلق فرص العمل وحل مشاكل المستثمرين لإعادة التوازن والاستقرار . وترصد الصفحة الاقتصادية العديد من المؤشرات والتطورات ما بين الإيجابيات والسلبيات التى شهدها الاقتصاد والأسواق خلال عام منذ قرار تعويم سعر الصرف وطرح أفكار جديدة لمعالجة السلبيات والتخفيف عن كاهل المواطن البسيط. دخلت مؤشرات مصر الاقتصادية فى مرحلة جديدة من التغيير، بعد تحرير سعر صرف العملة، حيث أدى الانخفاض الكبير فى قيمة العملة إلى تراجع قيمة الناتج المحلى الإجمالي، مقوماً بالدولار الأمريكي، مما ينذر بتشوه شكل تلك المؤشرات أمام كافة المؤسسات الدولية أو حتى المحلية التى تقوم بتقييم أداء الاقتصاد، خاصة أن حجم الناتج رقم مرجعى رئيسى فى كافة المؤشرات الأساسية لاقتصاد البلاد. وسجل الناتج المحلى الإجمالى لمصر خلال عام 2016 مستوى 336 مليار دولار وفق بيانات البنك الدولي، حسب سعر الصرف فى تلك المرحلة والتى كانت تدور حول 8.88 جنيه للدولار. وبعد تحرير سعر العملة تراجعت قيمة الناتج المقوم بالدولار لتدور حول 233 مليار دولار إذا تم حساب قيمته على أساس سعر صرف الجنيه أمام الدولار عند مستوى 17.6 جنيه لكل دولار، وهوالمستوى الذى استقر حوله سعر الصرف منذ أربعة أشهر تقريبا. وإذا تم حساب الناتج أيضا مقوما بسعر الدولار الجمركى عند مستوى 16 جنيها فإن قيمته سوف تسجل مستوى 256 مليار دولار تقريبا، أى أنه فقد فى الحالة الأولى المستقر عندها سعر الدولار بالسوق نحو 103 مليارات دولار، وفى الحالة الثانية بسعر الدولار الجمركى 80 مليار دولار بنسبة تراجع 31% للحالة الأولى و24% للحالة الثانية. وبرغم ثبات نفس طريق الحساب فى تحويل أرقام هذا الاقتصاد من الجنيه إلى الدولار، فإن المتابع لحجم الدين الخارجى يجد أنه وصل لنحو 79 مليار دولار وفق بيانات البنك المركزى المصرى فى يونيو الماضي، أى أن تحديث هذا الرقم خلال الوقت الحالى سيشهد أيضاً زيادة عن تلك المستويات. وبالتالى فإن قيمة هذا الدين مقوما بالأسعار الحالية بالجنيه المصرى تصل لمستويات 1.4 تريليون جنيه، مقوما بنحو 17.6 جنيه للدولار، و 1.26 تريليون جنيه مقوما بسعر الدولار الجمركى، فى حين أن تلك المستويات كانت تدور حول 700 مليار جنيه بأسعار ما قبل تحرير سعر الصرف. وخلال نفس الفترة بلغ الدين العام المحلى للبلاد لمستويات 3.1 مليار جنيه، بما يعنى أن إجمالى الدين العام المحلى والخارجى وصل لنحو 4.4 تريليون جنيه، فيما قدر مشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2017-2018 بنحو 4.1 مليار جنيه أى أن نسبة الدين العام إلى الناتج نتيجة نفخ قيمة الدين الخارجى مقوما بسعر الصرف عند 17.6 جنيه للدولار ستصل إلى 107.3%. وعلى الرغم من أن شهادات الثقة انهالت على الاقتصاد المصرى بعد قرارات الإصلاح الاقتصادي، من كافة المؤسسات الدولية، فإنها عند تقييمها لهذا الاقتصاد تضع لغة الارقام نصب عينها، بعيداً عن أية شعارات. وحل تلك الإشكالية يتطلب زيادة قيمة الناتج المحلى من خلال ضم الاقتصاد غير الرسمى إلى الاقتصاد الرسمي، وهذا الاتجاه يراه الدكتور عمرو حسنين رئيس مؤسسة ميريس للتصنيف الائتمانى، فضلا عن زيادة معدلات الانتاج وتشغيل الاقتصاد، ويتميز هذا الحل بأنه من الممكن أن يتم تطبيقه على الفور، من خلال تفعيل وتطبيق القانون، وليس تقديم الحوافز والتى أثبتت فشلها خلال السنوات الماضية لحل هذه المشكلة. وتشير تقديرات وزارة التخطيط إلى أن حجم هذا القطاع غير الرسمى يصل لنحو 40% وفق تصريحات الوزيرة الدكتورة هالة السعيد، فيما تشير تقديرات متعددة منها اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب إلى أن حجم هذا الاقتصاد السرى يصل لأكثر من 60%، وإذا سلمنا بأن متوسط حجمه 50% فإننا نتحدث عن ضم قوة مالية بنحو 2.5 تريليون جنيه إلى الناتج المحلى ليصبح حجمه 6.6 تريليون جنيه، تعادل 375 مليار دولار، أى أكثر من حجم الناتج المحلى المقوم بالدولار قبل تحرير سعر الصرف بقيمة 39 مليار دولار.