أثارت التغطية الإعلامية للأحداث الإرهابية الأخيرة وآثارها المختلفة العديد من التساؤلات حول ماهية التغطية الإعلامية السليمة لأحداث تتعلق بالأمن القومى للبلاد؟ وماهى الحدود الفاصلة بين السبق الصحفى من جهة والحفاظ على الأمن القومى من جهة أخرى؟ تأتى أهمية هذه التساؤلات وغيرها من الإيمان العميق بأهمية الدور المحورى والأساسى الذى يلعبه الإعلام والصحافة فى المجتمع ككل، فحرية الإعلام والصحافة هى إحدى الدعامات الأساسية للديمقراطية والشفافية ومحاربة الفساد، وهو ما يتطلب العمل على توفير كل الضمانات والإمكانات التى تساعد على أداء الممارسة الإعلامية والصحفية بحرية تامة دون أى ضغوط أو قيود تشريعية أو سياسية أو اقتصادية ومالية، يمكن أن تؤثر على حرية الكلمة والإعلام. وهو ما يساعدها على لعب دورها الأساسى المنوطة به خاصة فيما يتعلق بإنارة الراى العام والمجتمع وتوعيتهما بجميع الحقائق وتعقب الانحرافات، لكى تصبح وبحق نبضا صادقا للمجتمع. وذلك مع التزامها التام بقيم الممارسات الديمقراطية السليمة مما يساعدها على تأدية رسالتها. كل هذه الأمور وغيرها تؤكد أهمية وضرورة وضع الضمانات التى تؤهل المؤسسات الصحفية والإعلامية القيام بدورها على أكمل وجه. مع ضمان حماية حرية الصحافة والإعلام فى إطار من المُنافسة الحرة، وهو ما يهدف إليه الدستور المصرى فى المواد (211 و212 و213) وكذلك القانون رقم 92 لسنة 2016 الخاص بالتنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام والذى وضع العديد من المواد المؤكدة على ضرورة حماية حق المواطن فى التمتع بإعلام وصحافة نزيهين وعلى قدر رفيع من المهنية، وفق معايير الجودة الدولية، وبما يتوافق مع الهوية الثقافية المصرية. مع ضمان استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية، وحيادها، وتعددها، وتنوعها. جنبا الى جنب مع ضمان التزامها بمعايير وأصول المهنة وأخلاقياتها. واحترام حقوق الملكية الفكرية والأدبية. والعمل على وصول الخدمات الصحفية والإعلامية إلى جميع مناطق الجمهورية بشكل عادل. ولا شك أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب بالضرورة توفير القدر الكافى من المعلومات الصحيحة وفى التوقيت المناسب وهو شرط ضرورى وأساسى لتحقيق الأهداف السابقة خاصة ان خطورة نشر وتداول أى بيانات أو معلومات غير صحيحة يؤدى إلى آثار سلبية عديدة يأتى على رأسها فقدان الثقة فى أساسيات التعامل مع المؤسسات الرسمية والحكومية، واللجوء الى مصادر أخرى للحصول على المعلومة. مع الأخذ فى الحسبان أن العبرة ليست فقط بالنشر من عدمه، وهو مسالة ولكن الأهم هو توقيت النشر خاصة فى مجتمع تلعب فيه العوامل النفسية والشائعات دورا كبيرا فى ظل سطوة وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها من أدوات المعرفة الحديثة. فنشر أخبار كاذبة وغير صحيحة عن موضوع ما، قد يؤدى إلى مالا يحمد عقباه على جميع الأصعدة (أمنيا واقتصاديا واجتماعيا - -إلخ)، وبعبارة أخرى فالمسالة لا تتوقف على الآثار الأمنية فقط بل تتعداها لغير ذلك فأحيانا يؤدى نشر أخبار كاذبة عن شركة ما إلى هبوط أسهمها بصورة كبيرة فى البورصة، دون أسباب جوهرية أو أحداث حقيقية، وهو الخطر الحقيقى الذى يؤدى إلى إفلاس الشركات، نظرا لما يخلقه من انطباعات غير صحيحة عن الأحوال العامة للشركة، مما قد يدفع الافراد الى التخلص من أسهم الشركة التى فى حوزتهم. ولذلك فقد حرصت كل القوانين، فى معظم البلدان، على تجريم نشر بيانات او معلومات غير صحيحة. وذلك انطلاقا من كون النشر غير الصحيح للبيانات والمعلومات يؤدى الى أضرار سلبية شديدة وسيادة انطباعات خاطئة عن الأحوال العامة أو غيرها من المجالات. لكل ما سبق فإن توفير المعلومات والبيانات ذات الجودة العالية لم يعد ضرورة فقط، وإنما أضحى أمراً تلقائياً فى ظل ما تفرضه المستجدات على الساحتين الإقليمية والعالمية، وما يشهده العالم من ثورة فى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وعصر السماوات المفتوحة والشبكات الإلكترونية المتعددة، فقد أصبح من الطبيعى أن تقل سيطرة الدولة، بأجهزتها الرسمية، على مدى إنتاج وتدفق هذه المعلومات فى ظل انعدام الحدود بين الدول وتغير المفهوم التقليدى لسيادتها، بما يقتصر دور الدولة على تعظيم وتنظيم الاستفادة من تلك المعلومات والحيلولة دون إساءة استخدامها بما يتعارض مع الصالح العام أو الخصوصية وهو ما حرص عليه الدستور المصرى فجاءت المادة 68 معبرة عن ذلك تماما. وقد ألقى البعض باللوم على المؤسسات القائمة على إدارة الإعلام المصرى ونقصد بها تحديدا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والوطنية للإعلام، وهنا نود أن نوضح بعض الحقائق المهمة فى هذا الصدد أولا أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تشكل بالقرار الجمهورى رقم 158 لسنة 2017 الصادر فى 11 ابريل، كما أن الهيكل الإدارى والتنظيمى للمجلس لم ينشأ إلا بقرار رئيس الوزراء فى 19 سبتمبر 2017 وبالتالى لم يعمل المجلس بشكل كامل إلا منذ أسابيع قليلة، ناهيك أيضا عن عدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون حتى الآن، رغم مراجعتها من جانب خبراء وزارة العدل ومجلس الدولة، والأاهم من هذا وذاك أن القانون الأساسى المنظم لآليات العمل وهو قانون الصحافة والإعلام مازال حبيس الأدراج فى مجلس النواب رغم الانتهاء من مناقشته مجتمعيا ومع كل الأطراف المعنية بالموضوع، وبعبارة أخرى فان المجلس يسير على قدم واحدة دون أدوات تشريعية وتنظيمية تساعده على تحقيق الأدوار المنوط القيام بها وفقا للقانون. يضاف إلى ما سبق أن الإطار المؤسسى الناظم لإدارة الاعلام المصرى ككل يضم بالإضافة الى المجلس الأعلى أربعة كيانات أخرى هى الهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة وكذلك نقابتى الصحفيين والإعلاميين ولكل منهما دور محدد وفقا للقانون المنشئ له، وبالتالى من الخطورة بمكان الارتكان الى كيان واحد للقيام بكل هذه الأدوار. لكل ما سبق أصبح من الضرورى العمل على سرعة إصدار قانون الصحافة والإعلام وكذلك اللائحة التنفيذية لقانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، جنبا الى جنب مع قانون حرية تداول المعلومات، خاصة أن المجلس الأعلى قد انتهى بالفعل من مشروع متكامل لهذه المسالة يتيح الفرصة كاملة للأفراد وغيرهم للحصول على البيانات والمعلومات الصحيحة مع مراعاة التوازن الدقيق بين حرية تداول المعلومات والأمور المرتبطة بالأمن القومى للدولة أو لصون صحة الأفراد وحقوقهم مع ضمان توافر المعلومات الدقيقة فى مواقيتها، وإفساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الضرورية والموثقة، وضمان علنية النشر ودوريته من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة. فهذه الأمور أضحت جوهرية وأساسية لإعادة تنظيم المشهد الإعلامى من جديد. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى