الناس في مصر أصبحوا جميعا نقادا.. ينتقدون الحكومة والبشر من حولهم.. وفي الوقت نفسه لايتقبلون النقد من أحد.. قبل أن تنتقد كلامي أقول لك افرض ان واحدا من أصدقائك تنحي بك جانبا وواجهك ببعض الحقائق التي تتضمن عيوبك وصفاتك السيئة.. فماذا أنت فاعل؟.. هل ستقول له: اشكرك ياصديقي العزيز لأنك اطلعتني علي عيوبي.. انني أقدر موقفك هذا.. وتصبح بذلك واحدا من القليلين جدا الذين يستطيعون تقبل النقد كما فعل من عشرات السنين بنجامين فرانكلين الذي يعد أحد أهم الشخصيات في تاريخ أمريكا.. فحين كان فرانكلين في مقتبل العمر كان يغضب إذا وجه له أحد نقدا أو اختلف معه في الرأي.. حتي جاءه ذات يوم واحد من أصدقائه وقال له: بنجامين انت أصبحت غير محتمل.. فانت تصفع بكلماتك كل من ينتقدك أو يخالفك الرأي.. لقد بات أصدقاؤك يتمنون ألا تكون موجودا معهم ليجلسوا بهدوء ولينعموا بوقتهم.. في هذه اللحظة كان من الممكن أن يتحول هذا الصديق إلي عدو.. لكن بنجامين كان يعرف في أعماق ذاته أن صديقه يقول الحقيقة.. وكان لديه من الشجاعة والذكاء ما جعله يعترف بهذا.. للحق لايستطيع أغلب الناس فعل ذلك.. ولن يقول لك أبدا صديقك شكرا لأنك واجهتني بعيوبي.. فأنت تريدني أفضل.. لذا أرجوك ان تنتقدني دائما.. بل سيجاهد في الدفاع عن نفسه كما لو كان في معركة.. أو سيقوم ويوجه لك بدوره نقدا أكثر حدة.. فلا أحد يؤمن بالحكمة المكسيكية القديمة التي تقول لا تخش الأعداء الذين يهاجمونك.. بل اخش الأصدقاء الذين يداهنوك. ولأن د. ريتشارد كارلسون أستاذ علم النفس الأمريكي أدرك ان كثيرا من العلاقات بين الأصدقاء والأزواج قد تحطمت بسبب كلمات النقد لذلك ينصحك إذا بدأت عادة النقد في الزحف علي تفكيرك ان تغلق فمك.. فعندما يقل انتقادك لأصدقائك ولأفراد أسرتك ستلاحظ كيف أصبحت حياتك أكثر هدوءا.. لكن علماء الاجتماع والتربية لهم وجهة نظر أخري.. انهم يعتقدون ان مناهج التعليم لم تتضمن ما يدرب التلاميذ علي كيفية ممارسة النقد وكيفية تقبله.. لذلك حين يمارس البشر العاديون النقد قد يدخلون في دائرة التجريح.. وحين يمارسه النقاد المتخصصون قد يتعرضون لتهمة السب والقذف.. لكن المشكلة انك إذا استطعت أن تغلق فمك تجاه البشر حولك.. فانت لن تستطيع أن تغلقه تجاه الحكومة.. لانك تحملها مسئولية الغلاء وتدني الأجور وفوضي المرور وانتشار الأمراض وهوان الحال.. لذلك ستجلس في المجالس وتنتقدها أو ستظهر في الفضائيات وتهاجمها.. وإذا كانت الحكومة ستتركك تقول ماشئت.. إلا أن اصدقاءك وزملاءك لن يفعلوا ذلك.. ولا تصدق الشخصيات العامة ونجوم السينما ورجال السياسة حين يقولون أن النقد لايزعجهم.. بل هو في الحقيقة يزعجهم جدا.. فالنقد اللاذع جعل الكاتب البريطاني الشهير توماس هاردي يقلع عن الكتابة إلي الأبد, ودفع الشاعر الانجليزي توماس شاترتون إلي الانتحار. قبل ان أنهي هذا المقال لابد ان أرفع القبعة تحية للرجل الذي يواجه الآن حملة نقد شرسة وهو د. أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم واقول له ما قالته اليانور روزفلت زوجة الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت والتي تعرضت للكثير من النقد افعل ما تريد طالما انك تدرك تماما انك علي حق.. فانت ستنتقد في كل الأحوال. وأخيرا وقبل أن أمضي إلي حالي أحذركم جميعا من انتقادي.