جهاز مستقبل مصر: نستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بنهاية 2027    مالك "أم چي هير الأمريكية": هتشوفوا إبداعات في صناعة الاستشوار ومكاوي الشعر    الضرائب: أي موظف يستطيع معرفة مفردات المرتب بالرقم القومي عبر المنظومة الإلكترونية    اليوم.. منتدى القاهرة ل«التغير المناخى» يحتفل بمرور 100 عام على فعالياته بين مصر وألمانيا    الولايات المتحدة ترفع رسميا العقوبات عن سوريا    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف خيمة تؤوي نازحين في منطقة الصفطاوي بمدينة غزة    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة "كريت" اليونانية    اليونيسف: دخول 107 شاحنات لغزة أمر لا يكفي مطلقا إزاء الوضع الكارثي بالقطاع    ردا على من يشكك في دور مصر.. خبير عسكري ل"أهل مصر": امتلاك الاقتصاد والمال لا يعني النفوذ والتأثير بالمنطقة    «ياعم اعتمد على نفسك».. رسالة نارية من سيد عبدالحفيظ على تضامن الزمالك مع بيراميدز    نجم الزمالك السابق: الرمادي مدرب قدير ولابد من دعمه    بن شريفة: بنتايج من أفضل لاعب في مركزه.. ومصدق مستقبل الدفاع المغربي    حلمي طولان: تراجعنا عن تعيين البدري مدربًا للمنتخب لهذا السبب    حريق هائل في شارع سوق السلاح بالدرب الأحمر.. وشهود عيان: يوجد ضحايا    استشارية أسرية: الحب مجرد تفاعل هرموني لا يصمد أمام ضغوط الحياة    مسابقة ال30 ألف معلم.. أسماء المقبولين في وظيفة مدرس مساعد بالمنوفية    قبول 648 مدرسًا جديدًا ببني سويف ضمن مسابقة 30 ألف معلم    ننشر أسماء المقبولين في وظيفة «معلم مساعد» بالمنوفية| صور    صور عودة 71 مصريا من ليبيا تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي    وول ستريت تهبط بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبى    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. جوتيريش يرفض أى خطة لا تحترم القانون الدولى بشأن قطاع غزة.. ترامب يتوعد "أبل" ب25% رسوم جمركية.. وإصابة 12 فى هجوم بسكين بمحطة قطارات هامبورج بألمانيا    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 24 مايو 2025    وزير الزراعة: صادرات مصر الزراعية إلى السعودية تتجاوز 12% من إجمالي صادراتها للعالم    جهاز مستقبل مصر: نستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بنهاية 2027    محافظ كفر الشيخ: إعادة تشغيل 50 معدة نظافة متهالكة بدسوق    يوريشتش يستقر على تشكيل بيراميدز أمام صن داونز.. يجهز القوة الضاربة    إسقاط كومو لا يكفي.. إنتر ميلان يخسر لقب الدوري الإيطالي بفارق نقطة    نابولي يهزم كالياري بهدفين ويحصد لقب الدوري الإيطالي    تعرف على نتائج المصريين فى اليوم الثانى لبطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تعلن قائمة المقبولين بمسابقة ال30 ألف معلم    الأرصاد الجوية: طقس الغد شديد الحرارة نهارا والعظمى بالقاهرة 37 درجة    مصر تعيد 71 مواطنا مصريًا من ليبيا    وفاة 3 شباب إثر حادث سير أليم بكفر الشيخ    أسماء المقبولين بمسابقة 30 ألف معلم المرحلة الثالثة بمحافظة الجيزة    النظام الملاحي الجديد يعزّز قدرات غواصات البحرية التشيلية بتقنيات متطورة من OSI    اليوم| محاكمة 35 متهمًا ب شبكة تمويل الإرهاب    مبلغ بغرقه في العياط.. انتشال جثة شاب طافية في نهر النيل بالمعادي    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    تامر حسني يقدم "كوكتيل تسعيناتي" مع حميد الشاعري في حفله بالقاهرة الجديدة (فيديو)    "الثقافة" تصدر "قراءات في النقد الأدبي" للدكتور جابر عصفور    «خليك فضولي».. 4 عادات صغيرة تجعل الناس يعجبون بك    أثارت جدلا بسبب «بطانة فستان» و«برنامج» وضعها في أزمة.. 16 معلومة عن البلوجر أروى قاسم    إلهام شاهين تشيد بخالد منتصر: "أحترم فكرك ووعيك.. ومبروك دماء على البالطو الأبيض"    سجين يرسم الحرية| سنوات السجن.. وولادة الكاتب من رماد القيد الذي أنضج الرواية    أسماء المقبولين في مسابقة 30 ألف معلم الدفعة الثالثة بالشرقية (مستند)    نصائح لتجنب الارتجاع المريئي، و7 أطعمة تساعد على تخفيف أعراضه    ارتفاع حالات الحصبة في الولايات المتحدة وسط مخاوف من انتشار واسع    أخبار × 24 ساعة.. حصاد 3.1 مليون فدان قمح وتوريد أكثر من 3.2 مليون طن    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    انطلاق امتحانات العام الجامعي 2024–2025 بجامعة قناة السويس    حزب الإصلاح والنهضة: نؤيد استقرار النظام النيابي وندعو لتعزيز العدالة في الانتخابات المقبلة    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    إيفاد قافلتين طبيتين لمرضى الغسيل الكلوي في جيبوتي    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    بحضور انتصار السيسي، "القومي لذوي الهمم" ينظم احتفالية "معًا نقدر"    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنوات المخاض قبل النصر
حرب الاستنزاف مثلت مرحلة البحث عن الذات.. أكتوبر شكلت مرحلة الإثبات
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 10 - 2017

لم يسبق أن تعرض جيش مصر في تاريخه الطويل لمثل هذه المرارة التي تحملها بسبب نكسة 67، وزاد من وطأة هذه المرارة شعور عميق بالظلم، فلم يكن الجيش هو سبب هذه النكسة بقدر ما كان ضحيتها الاولى،
غير ان هذه المشاعر لم تفقد تأثيرها الايجابي، حيث ساعدت كثيرا على شحن الهمم من اجل الثأر، وافراز طاقة معنوية هائلة ورغبة جارفة في ازالة اثار النكسة ورد الكرامة والاراضي العربية وتحقيق النصر.
تحمل جيش مصر هذا العبء الثقيل على مدى أكثر من 6سنوات قضى نصفها في القتال النشط وفي حرب الاستنزاف ونصفها الاخر في الاستعداد الصامت الذي اكسب هذه الفترة اهمية كبرى بما فرضه من تاثير حاسم على حرب اكتوبر 73، ورغم ذلك فقد اساء البعض تقويم مرحلة الاعداد فيما بين عامي 67 و73 كما لم يوليها البعض الاخر ما تستحقه من اهمية.
هذه المرحلة الطويلة كانت ضرورية على درب الاستعداد للمعركة الكبرى او ان نقفز فوقها من اجل سرعة الوصول الى احداث حرب اكتوبر 73 كما ان محاولة للاقلال من اهميتها او من اثرها على نصر اكتوبر يهدم الاساس العسكرى والمعنوى الذى بني عليه هذا النصر، لانه لايمكن ان يكون قد اتى من فراغ.
ويذكر المرحوم اللواء أ.ح/ طه المجدوب رئيس فرع التخطيط بهيئة العمليات إبان حرب أكتوبر، فى إحدى مناقشاته بالندوة الاستراتيجية لحرب أكتوبر تطورات الاحداث في هذه المرحلة للتعرف علي كيفية قضاء القوات المسلحة الفترة بين الهزيمة والنصر، وكيف تخلصت من اسباب الهزيمة وارست قواعد النصر.
إن السنوات الطويلة من العمل القتالي والاعداد التخطيطي والمعنوي شكلت من وجهة النظر العسكرية المصرية بوتقة للتجارب العسكرية والساحة التي انطلقت منها قواعد الفكر العسكري المصري وارست مباديء استراتيجية الحرب والسلام، تلك القواعد والمباديء التي خرجت الى حيز الوجود في حرب اكتوبر 73، حيث حفلت الفترة من يونيو 67 الى اكتوبر 73 بالجهود التي استهدفت بقواتنا المسلحة العبور من يأس الهزيمة الى آمال النصر، حيث شهدت هذه السنوات احداثا وتطورات في بناء واعداد وتدريب القوات المسلحة وصبها في قالب جديد، فجمعت بين القتال الحقيقي في سنوات الاستنزاف والتدريب الشاق المتنوع في سنوات ما بعد الاستنزاف، كما شهدت من الجهد والعرق والدم ما يجعلنا نطلق عليها «سنوات المخاض» التي سبقت ميلاد النصر.
حرب الاستنزاف
بعد حرب يونيو 67 وصدور قرار مجلس الامن رقم 242 في نوفمبر 67 وما مضى عليه من رفض الاستيلاء على الارض بالقوة والمطالبة بالانسحاب من الاراضي التي احتلت في عام 67 انكشفت حقيقة الاطماع الاسرائيلية والطموحات الصهيونية وابعاد المخططات التوسعية في الاراضي العربية رغم محاولة سترها بنظريات خادعة تحت مسمى «نظرية الامن الاسرائيلي» وكان لزاما على مصر أن تواجه قدرها وان تتخذ قرارها بالبدء الفوري بالاستعداد من اجل شن حرب التحرير وما يتطلبه ذلك من تطور شامل يتطلب اعادة تشكيل اوضاعها وسياستها واستراتيجيتها الشاملة مع إعادة تنظيم الجبهة الداخلية وبناء المقاتل المصري والقوات المسلحة لتبدأ المسيرة الشاقة نحو تحرير الارض واستراد الكرامة. شكلت حرب الاستنزاف المنطلق العلمي نحو الوصول الى الاهداف وتعتبر بما تحتويه من تجارب مرحلة اساسية من مراحل اعداد القوات المسلحة للحرب وكانت بمثابة رسالة موجهة لشعوب العالم وخطوة ضرورية استوجبتها معطيات الموقف العسكري والوضع السياسي.
وارست مصر من خلال حرب الاستنزاف عدة مبادئ وقواعد حيوية سياسية ابرزها رفض الاستسلام للامر الواقع والاحتفاظ بالجبهة العسكرية مشتعلة لكي تبقى القضية حية وحتى لا يتجمد الموقف السياسي عند هذا الحد ويتحول الوضع العسكري إلى امر واقع، ابطال اي اعتقاد لاسرائيل بانها قد اتت الى الضفة الشرقية للقناة لكي تبقى وتستقر، اقناع اسرائيل ان ثمن استمرار احتلال الارض المصرية ثمن باهظ يصعب عليها احتماله او مواجهة التحديات الناجمة عنه على المدى الطويل، العمل بكل الوسائل العسكرية والسياسية والدبلوماسية على تحريك الاوضاع السياسية الراكدة واحياء الجهود الرامية الى تحقيق تسوية عادلة او على الاقل فتح طريق نحو التسوية.
الجانب العسكري
فقد رأت مصر تحقيق عدة اهداف حيوية منها فرض الازعاج الشديد على القوات الاسرائيلية الموجودة شرق قناة السويس ومنعها من اقامة دفاعات محصنة على الضفة الشرقية، انزال اكبر قدر من الخسائر باسرائيل في الاسلحة والمعدات والافراد بما يؤكد فداحة الثمن الذي يمكن ان تدفعه في مقابل اصرارها على البقاء في الاراضي المصرية، اعطاء الفرصة العملية للمقاتل المصري ان يخوض تجربة حية ضد عدو يمحو من خلالها الاثار النفسية التي خلفتها النكسة ويسترد معنوياته وثقته بنفسه وبقدراته وبقياداته وبسلاحه.
ورغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها القوات المسلحة في مرحلة استكمال الدفاع، الا ان الموقف لم يخل في هذه المرحلة من تنفيذ بعض العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية والتي شكلت علامات مهمة على طريق التحدي الصعب ومن هذه الاعمال معركة «رأس العش» التي جرت جنوب بورفؤاد على الضفة الشرقية للقناة، بعد محاولة قوة اسرائيلية مدرعة التقدم شمالا للوصول الى بورفؤاد ولكنها فشلت في تحقيق هدفها وكانت هذه المعركة المحدودة اول شمعة تضيئها القوات المسلحة لتبدد بعض من ظلام الهزيمة وتفتح باب الامل من جديد وتعطي جرعة من الثقة كانت القوات في امس الحاجة اليها.. اما في البحر فكانت الواقعة المشهورة الخاصة بضرب واغراق المدمرة الاسرائيلية «ايلات» امام سواحل بورسعيد في 21 اكتوبر 67 حيث كان لهذا العمل البطولي اصداء واسعة لدى كل اطراف الصراع بل وعلى المستوى العالمي.
الجانب المعنوي
بمجرد توقف القتال في يونيو 67 قررت القيادة المصرية اعادة تنظيم وتسليح واعداد القوات المسلحة للحرب الجديدة، بحيث يسير الاعداد المادي جنبا الى جنب مع الاعداد المعنوي للمقاتل المصري بصقل قدراته ودعم معنوياته وازالة معاناته النفسية ورفع مستواه التدريبي والوصول مستواه التدريبي المعنوي الى اقتحام اقوى العقبات، مما كان له اثر اساسي في الاعداد المعنوي والمادي لحرب اكتوبر.
إن حرب الاستنزاف كانت المحك الذي كشف عن قوة وصمود المقاتل المصرية وقدرتع العالية على التحمل واصراره على دحر عدوه، واتاحت حرب الاستنزاف للمقاتل المصري لاول مرة فرصة الالتقاء بعدوه وجها لوجه وان يتعرف على حقيقة واسلوب قتاله ويتاكد بنفسه من زيف الاساطير التي نسجت حوله واطلقتها ابواق الدعاية الاسرائيلية.
لقد افرزت حرب الاستنزاف حقيقة مؤكده هي ان سر النجاح الحقيق يكمن في قدرة الانسان على العطاء وشكلت هذه الحقيقة حجر الزاوية في بناء استراتيجية اكتوبر ودفعت القيادة العامة في بداية فترة الاعداد للحرب التي بدأت بعد حرب الاستنزاف الى التركيز الكامل على استكمال بناء المقاتل المصري وازالة الصدأ الذي علق بمعنوياته بعد فترة الركود التي جاءت عقب حرب الاستنزاف.
إن النجاح في تحقيق هذا الهدف هو العامل الاساسي في أوجد الفارق الجوهري الكبير بين حقيقة القدرات الكامنة في القوات المصرية والقدرات التي حددتها الحواسب الالكترونية الاسرائيلية والغربية، فكان هذا الفارق هو الحد الفاصل بين هزيمة مضت ونصر في الطريق، ومن هنا يبرز مدى التكامل بين حرب الاستنزاف وحرب اكتوبر من حيث البناء المعنوي للمقاتل المصري، وهناك مقولة حول هذا التكامل تقول «إنه اذا كانت حرب اكتوبر قد شكلت مرحلة اثبات وتاكيد الذات المصرية فان حرب الاستنزاف التي سبقتها مثلت مرحلة البحث عن الذات».
الجانب الاستراتيجي
يتضمن ثلاثة قضايا مهمة الاولى اهمية توفير المعلومات والتي تعتبر من ابرز الدروس ذات التاثير الاستراتيجي الكبير سواء على اعداد القوات المسلحة للحرب او التخطيط لها وهو ما افرزته حرب 67 واكدته حرب الاستنزاف، اما القضية الثانية تعلق بالقضايا الدفاعية التي اثرت بالايجاب على مسار الحرب، حيث افرزت حرب الاستنزاف خبرات واسعة في مجالات التنظيم والتسليح ومتطلبات الدفاع الصلب خاصة في مجال الدفاع الجوي الذي يسر للقيادة المصرية سبل جوانب مهمة في قضايا التسليح والتنظيم، من اعظم ما حققته مصر من انجازات عسكرية كنتيجة مباشرة لحرب الاستنزاف هو نجاحها في اقامة نظام متكامل للدفاع الجوي يحمي سماء مصر من خلال شبكة ضخمة من الصواريخ المضادة للطائرات التي عرفت بحائط الصواريخ، حيث نجح هذا الحائط بالتعاون الوثيق مع مقاتلات القوات الجوية خلال حرب اكتوبر في شل قدرة القوات الجوية الاسرائيلية وبتر الاذرع الطويلة التي طالما فاخرت بقدرتها على الوصول لاي هدف في البلاد العربية المحيطة بها والقريبة منها.
اما القضية الثالثة التي تضمنها الجانب الاستراتيجي لحرب الاستنزاف فمتعلقة بما افرزته من فعاليات استراتيجية حيث ساعدت على ان يصبح اتخاذ قرار شن الحرب امرا ممكنا بعد ان أوجدت المناخ الفكري المناسب والقاعدة المعنوية الوطيدة التي استند عليها هذا القرار التاريخي.
الجانب السياسي
كان لهذه الحرب التي استمرت لسنوات بعدها السياسي الخارجي والداخلي، اذ كانت تشكل رسالة يومية حية ومستمرة موجهة لكل شعوب العالم فحواها ان هناك شعبا لا يمكن ان ينسى ارضه المحتلة وانه لن يتخلى عن اصراره وعزمه على تحرير هذه الارض مهما كانت التضحيات والى ان يتمكن من فرض ارادته واسترداد الارض في النهاية، وكان لهذه الرسالة تاثيرها الكبير لدى الرأي العام العالمي، وأدت دورا مهما في التمهيد لحرب التحرير بعد ان نبهت العالم بان هناك صراعا مشتعلا في منطقة حيوية هي منطقة الشرق الاوسط وان استمرار هذا الصراع سيهدد امن وسلام هذه المنطقة الحيوية وما بها من مصالح عالمية وان هناك شعوبا تناضل من اجل حقوقها المشروعة.
اما على صعيد الجبهة الداخلية فقد كان الشعب على مستوى المسئولية حيث التحم مع قواته المسلحة في صراع من اجل بناء حائط الصواريخ مؤكدا قدراته على تحمل التضحيات مهما كان حجمها وكان هذا التلاحم الحيوي احد ايجابيات حرب الاستنزاف وشكل في الوقت نفسه أحد اركان المهمة لخطة اعداد الشعب للحرب القادمة لمواجهة التحدي الاكبر الخاص بتحرير الارض، وإن موقف الجبهة الداخلية كان احد العناصر الرئيسية والاساسية التي شجعت الرئيس السادات على اتخاذ قرار الحرب.
عملية إعداد المقاتل وإعادة بناء القوات المسلحة
حددت القيادة العامة للقوات المسلحة هدفها الاول في هذه المرحلة وهو الاهتمام بروح المقاتل والعمل على دعم معنويات الرجال واعادة الثقة اليهم وتهيئة المناخ النفسي الصحى الملائم لظروف الحرب القادمة والذي يساعدهم على مواجهة مسئولياتهم التاريخية بروح عالية واصرار لا يلين وتاهيلهم لتحمل عبء المهام الجسيمة التي تنتظرهم ومواجهة التحديات واجتياز المصاعب والعقبات وصولا الى النصر في معركة المصير.
مرتكزات استراتيجية للإعداد للحرب
هذه المرتكزات تشمل بناء القدرة القتالية التي تتضمن القائد والمقاتل والسلاح، ومنطلقات الفكر وعناصر التوجيه التي تشمل التحرير من النمطية وعدم التمسك بالنظريات الكلاسيكية وحدها، الاعتماد في اساليب التخطيط والاعداد على المفاهيم العلمية الحديثة او المستحدثة في ارساء قواعد الحرب القادمة، الاستفادة من الخبرات الاجنبية السابق اكتسابها خلال سنوات طويلة من الاحتكاك المباشر وبالقدر الذي يخدم اهدافنا الوطنية والقومية ويتفق مع قدراتنا المادية والمعنوية، الاستفادة من الخبرات العسكرية الذاتية والدروس المستفادة من الخبرات التي اكتسبتها قيادتنا وقواتنا من الحروب السابقة خاصة حربي 67 والاستنزاف، التنمية الشاملة للبحث العلمي كاساس مهم للتطوير وتطبيق اساليب التكنولوجيا الحديثة في حل المشكلة المثارة والتغلب على ما يعترض القوات من عوائق.
ومن مرتكزات الاستراتيجية للاعداد للحرب أيضا ضمانات النجاح المتمثلة في عنصرين هما قدرة المقاتل ومستوى تدريبه وروحه المعنوية العالية، قوة نيران تنتجها كل انواع الأسلحة بكثافة كبيرة ودقة عالية في اصابة الهدف وتدميره، ومن المرتكزات ايضا دعم الثقة الكاملة لدى المقاتل سواء في نفسه او قائده او سلاحه مما يمثل اساسا جوهريا لتنمية القدرة القالية العالية وتوفير الضمانات الكافية.
خطة الأعداد والمهام والإهداف
إن خطة المهام التي وضعتها القيادة العام للاعداد للحرب كان يحكمها جميعا اطار واحد هو خدمة العملية القادمة وتوفير ضمانات النصر لها الذي لم يكن هناك بديل عنه رغم كل الظروف المعقدة التي كانت تواجهها القوات المسلحة المصرية، وفي 29 اكتوبر 73 اصدر القائد العام الفريق اول احمد اسماعيل توجيها للقوات المسلحة تحدث فيه عن المعركة المصيرية المقبلة وان النصر لا بديل عنه ثم حدد بعض النقاط المهمة الضرورية لمرحلة الاعداد وكان ابرزها اهمية الثقة بين القادة والقيادات على كافة المستويات والارتفاع بمستوى التدريب القتالي مع بذل اقصى الجهد فيه، الارتفاع بالكفاءة القتالية الى اقصى الدراجات خاصة كفاءة الاسلحة والمعدات وصيانتها، والتركيز على دراسة العدو دراسة جيدة شاملة دون مبالغة في قدراته او الاقلال من شأنه.
وحددت القيادة العامة اهدافا واضحة لاستراتيجية اعداد المقاتل والقوات منها ازالة الرواسب المعنوية التي ترتبت على الركود العسكري بعد حرب الاستنزاف، تهيئة المناخ النفسي الذي يساعد القوات على مواجهة مسؤلياتها التاريخية ويؤهلها لتحمل عبء المهام الجسيمة المنتظر تكليفها بها في المعركة القادمة، ابعاد اي مؤثرات سياسية والتركيز على التفرغ الكامل للقوات والاستعداد لتنفيذ مهامها العسكرية وواجبها القومي، رفع مستوى الكفاءة القتالية للقوات والاسلحة بتعزيز الروح القتالية واستمرار التدري الشاق للتواصل الى الاتقان الكامل من الاداء القتالي وفي استخدام السلاح معا، وتحسين الكفاءة الفنية للاسلحة والمعدات وبذل العناية الفائقة بها باعتبارها الوسيلة المتاحة التي سنتدخل بها الحرب.
ولعل أبرز مشاركات القيادة السياسية في هذه المرحلة تضمنت اظهار التصميم الراسخ على خوض المعركة وتحرير الارض مهما كان الثمن، والحرص على التقارب الدائم بين القوات وقيادتها وعقد اجتماعات متكررة لهذه القيادات خاصة على مستوى المجلس الاعلى للقوات المسلحة وطرح الافكار ودراسة الخطط المنطقية القابلة للتنفيذ وبحث الاستراتيجية الواجب اتباعها في مواجهة الظروف الدولية، القيام بزيارات ميدانية متعدد لجبهة القتال والاجتماع مع الضباط والجنود والاطلاع على احوالهم المعيشية، الحرص على معرفة اي عقبات تعترض اعمال الاعداد او التخطيط للحرب والعمل بكل الجهد على تذليلها وبحث الحلول والمشكلات القائمة خاصة في المجالات المعنوية والاقتصادية فضلا عن المجال العسكري ذاته.
محاور العمل الأساسية لإعداد القوات
تم خلالها تحديد استراتيجية عمل للمحاور الرئيسية لاعداد القوات المسلحة ونفذت من خلال هذه المحاور جميع الاعمال الاساسية لعملية الاعداد وتضمنت هذه المحاور اعادة تنظيم القوات المسلحة، والاعداد المعنوي للمقاتل، تدريب القوات، رفع كفاءة استخدام الاسلحة والمعدات، حل المشكلات الفنية لعملية العبور واختراق خط بارليف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.