ينبغى أن نُولِى اهتماما بمناقشات الجمعية الوطنية الفرنسية وبالنتائج الأولية فى التصويت على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، والذى حصل على أغلبية معتبرة فى القراءة الأولى أمس الأول (الثلاثاء)، حيث وافق عليه 410 أعضاء، فى حين اعترض عليه 217 فقط، وامتنع 19. وأول ما يَلفت النظر فى المشروع أنه يُدرِج بعض إجراءات قانون الطوارئ ضمن القانون العام، مثل السماح بفرض الرقابة الجبرية على أفراد دون أمر مسبق من القضاء، ومثل توسيع نطاق التدقيق فى الهويات. وقد تناقضت أجنحة المعارضة فى أسباب رفضها للمشروع: اليسار يراه تكريسا لحالة الطوارئ بما يمسّ الحريات الأساسية ومبدأ افتراض البراءة. وعلى الناحية الأخرى، يقول اليمين المتطرف إنه مشروع متساهل، وإنه لا يُوفِّر الإمكانات لمواجهة الإرهاب. وأما وزير الداخلية، فقد دافع بقوة عن المشروع قائلا إنه ردّ دائم على تهديد دائم، وإنه يوازِن بين الحاجة للخروج من حالة الطوارئ، التى تُقيِّد بطبيعتها بعض الحريات، ولكن ليس إلى العودة إلى الوضع السابق، الذى كان قائما قبل الطوارئ المفروضة على البلاد منذ نوفمبر 2015 عندما قتل الإرهاب 130 ضحية فى يوم واحد، وإنما إلى حال يمكن فيه توفير الأمن لكل الفرنسيين. ومن ناحيته، أبدى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون دعمه للمشروع، مع إبداء تفهمه للمعارضين قائلا إن القانون سوف يخضع لإعادة تقويم فى عام 2020، وإنه يمكن عندها إلغاء بعض الإجراءات. وقد أثبتت بعض استطلاعات الرأى أن نحو 57 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون المشروع. وهكذا، صار من المتوقع أن يبتّ مجلس الشيوخ نهائيا فى القانون قبل منتصف أكتوبر الحالى. والسؤال: ما الذى يجعل أغلبية الشعب الفرنسى وممثليهم فى البرلمان وحكومتهم ورئيسهم يوافقون على التنازل عن بعض حرياتهم، وهم أصحاب التاريخ المديد فى الدفاع عن الحريات؟ وكان التفسير فى العمليات الإرهابية التى سبقت وأحاطت بعرض مشروع القانون وبمناقشاته، وكان آخرها حادث طعن امرأتين فى مارسيليا، مما شكل مناخا مشحونا بالقلق والخوف على أمنهم العام والخاص، فأعادوا ترتيب أولوياتهم، بأن يأمنوا أولا، ثم يعيدوا النظر. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب