جاء شهر رمضان شهر الخير والبركة، شهر يؤدب النفس ويأخذ بيدها إلى الصلاح والانضباط، فما أحوجنا في شهر الخيرات أن نتعلم أخلاق الإسلام في الاستهلاك، حيث نهانا الله تعالى عن الإسراف والتبذير، فقال سبحانه: {وكلوا واشربوا ولا تسرفو إنه لا يحب المسرفين}. إن الاعتماد على النفس أمر مهم وضروري جدا لكل أمة أرادت أن تبني نفسها وتقيم حضارتها، ولقد أرخ لذلك كثير من الفلاسفة والمفكرين عندما وضعوا نظرية السوبر مان أو الإنسان الكامل، ولإن قام الفيلسوف الغربي نيتشه بوضع نظرية "السوبر مان" فلقد قام عبد القادر الجيلاني بوضع نظرية "الإنسان الكامل"، ولقد سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم العالم بدعوته إلى الاعتماد على النفس ونهيه عن التسول ومد اليد إلى الغير، وما تعانيه الدول المسلمة اليوم هو تعلقها بغيرها واعتمادها عليه كثيرا؛ نظرا لما تصارعه من تحديات استهلاكية تكبلها بالقيود، فلا بد إذن من تنمية القدرات الذاتية للتحرر من ذلك الغير كي تحرر الكلمة ويحرر الرأي والقرار ويزاح سيف الديون المسلط على رقابنا. المجتمعات المسلمة والاستهلاك لا شك أن غالبية مجتمعاتنا المسلمة صارت مجتمعات استهلاكية تصارع تحديات الاستهلاك بل تضطرها تلك التحديات إلى التخلي عن الكثير من تطلعاتها ورغباتها دوليا وإستراتيجيا وأخلاقيا أيضا، بل والتخلي عن كرامتها أحيانا كثيرة!! ولا شك أن الفقراء لديهم الميل الحدي للاستهلاك مرتفع، وبالعكس فهو منخفض لدى الأغنياء، فما إن يحصل الشخص الفقير على جزء من المال حتى يبادر ويسارع إلى إشباع كل حاجة كانت تلح عليه، فلا يبقى لديه من المال شيء، ففي الغالب تكون احتياجاته أكثر بكثير من موارده، والمسألة نسبية، فالغني أيضا تكون احتياجاته أكثر من موارده، ولكن بشكل أقل من احتياجات الفقير لذلك ترى ما هي التحديات التي تواجهها تلك المجتمعات المسلمة؟ الثورة التكنولوجية الهائلة لقد أتاحت الثورة التكنولوجية لجميع بني البشر ما لم يكن يطمح إليه أحد من قبل؛ وهو ما دفع الفقراء إلى الاستمتاع بما كان يستمتع به الغني، وبالتالي تفاقمت مشكلة التقليد والمحاكاة، ومحاولة حصول الفقير على التكنولوجيا الحديثة ليشبع بها النقص في حياته، فقد ترى أن فقيرا يمتلك وسائل التكنولوجيا الحديثة ويحصل عليها وهي ليست من الضروريات بل من الكماليات أو الحاجيات، قبل أن يحصل على الغذاء والكساء والمسكن التي هي من ضروريات الحياة، نرى حارس العقار (البواب) مثلا معه هاتف محمول، وكذلك الساعي، بل ربما يلجأ بعضهم إلى امتلاك أحدث الموديلات كي يشعر بالتفوق على الآخرين، متناسيا ظروفه المادية وحاجياته الضرورية. فلا بد لنا أن نجعل شهر الصيام هو شهر النظام والاعتدال في أمورنا كلها ولا نسرف فيه ولا نبذر، بل لا بد أن ندرب أنفسنا على الاعتدال والوسطية. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر