يبدو أن الأسئلة المحورية حول تاريخ ومستقبل المؤسسات الصحفية القومية لا تجد من تشاغله أو يهتم بها سواء علي الصعيدين السياسي أو المهني, ولا أسئلة الكتابة الحقيقية, ولا العلاقة بين الفكر والإدارة الصحفية, ولا قضايا الملكية, في طور جديد مختلف! لا أحد يبدو معنيا بدرس تاريخ من الخسائر في العقول والمواهب لصالح كتل بشرية تم تعيينها دونما معايير ووفق تقاليد المحسوبية والموالاة والواسطة طيلة عديد العقود من تطور التسلطية الصحفية بوضعها الوجه الآخر للتسلطية السياسية التي سادت وبرز خلالها مجموعة من البطاركة الصحفيين المستبدين الذين جاءوا إلي مواقعهم تعبيرا عن قيم الموالاة والتبعية' للدولة العميقة' في بعدها الأمني, ورضاء حاكم فرد مستبد عند قمة النظام لا يأبه بالمواهب أو الكفاءات أو حتي نوعية المنتج الصحفي كأحد عناصر القوة الناعمة المصرية تاريخيا. أحد أكبر المشكلات الآن ليس اختيار رؤساء التحرير وما هي المواصفات والشروط المطلوبة, للاختيار علي نحو ما جاء بقائمة الشوري مع المجلس الأعلي للصحافة ونقابة الصحفيين! غالب رؤساء التحرير لا غبار عليهم, ولكنهم يديرون الصحف الكبري في ظل بيئة تضاغط سياسي, ومحاولة بعض الصحفيين الموالين للأغلبية الجديدة أن يجلسوا علي مقاعد القادة الحاليين, لاستكمال عملية إعادة توجيه الأجهزة الإعلامية إلي سياسة جديدة داعمة للتيار الإسلامي السياسي! الذي واجه انتقادات عديدة حول خطابه وبعض ممارساته من الإعلام الرسمي, لاسيما الصحف! إذن نحن لسنا إزاء محاولة لتطوير الصحف والمؤسسات القومية وإنما محاولة للاستيلاء السياسي عليها من مؤسسة مجروحة في شرعيتها الدستورية والسياسية هي مجلس الشوري! كنت أتصور أن النقاشات ستدور حول القضايا الهامة وعلي رأسها: ملكية الصحف, وهل تستمر هذه التركة المثقلة بالمشاكل تحت سيطرة الدولة: أم النظام؟ هل تتغير السياسات التحريرية وينتقل الولاء من' الحزب الوطني' والرئيس السابق إلي' الحرية والعدالة' و'النور' ومن والاهم؟ أم الولاء للمهنة والحرية والأمة؟ بتعبير أكثر صلاحية هل تتغير القيادات الصحفية وفق التغير في الحكومات وتركيبة البرلمان؟ هل يستمر مجلس الشوري أساسا؟ وما هو دوره؟ في حال ما إذا كان رئيس الجمهورية, ينتمي إلي حزب سياسي ما أو مستقل هل يساهم في اختيار رؤساء مجالس الإدارات والتحرير أم أن الأمر سيترك للأغلبية داخل الشوري إن استمر في الدستور القادم؟ هل وضعية الملكية ستتحول إلي الخصخصة وأي المؤسسات ستخضع لها؟ ما دور العاملين في عملية تغيير الملكية إذا ما تمت؟ هل سيكون لهم نسب ملكية في الأسهم في ظل أي شكل قانوني جديد؟ كل هذه الأسئلة في إطار تفاقم وتراكم الديون علي عديد المؤسسات, وتحتاج إلي معالجة في العمق, وليس فقط الحديث عن معايير لا مهنية في الاختيارات! هل بحث مجلس الشوري انفجار العمالة الإدارية والفنية والعادية والصحفيين في هذه المؤسسات ومشكلة تدني بعض مستويات الأداء لهؤلاء علي كافة المحاور؟ هل درست مسألة تدهور المستويات المهنية في الأداء مقارنة بالصحافة اللبنانية, وحتي الخليجية؟ هل تمت دراسة أساليب اتخاذ القرار داخل المؤسسات ومدي رشده الاقتصادي والإداري والتحريري! هل طرحت التجارب المقارنة في تطوير المؤسسات الصحفية في مرحلة الانتقال من نظم سلطوية إلي ديمقراطية وتعددية! هل تمت دراسة التجربة التونسية بعد بن علي؟ ملفات متخمة بالتواريخ والأزمات المتراكمة وتحتاج إلي رؤية ونظرة علمية واقتصادية ومهنية, بديلا عن هذه النزعة للهيمنة علي المؤسسات الصحفية القومية, وبروز سادة جدد مشهود لهم بالموالاة للأغلبية الجديدة في مجلس الشوري المهدد بالحل, والرئاسة, ومجلس الشعب الذي تم حله فعلا؟ أخطر ما في معايير الشوري أنها تفتقر إلي المهنية, وتعبر عن رؤية سياسية لا تعالج مشاكل هيكلية, وإنما تحاول إيجاد تبريرات لاختيار قيادات جديدة ذات توجه إيديولوجي وولاء سياسي لذات الاتجاه الإخواني والسلفي المسيطر علي مجلس يعمل تحت التهديد بالحل! عن الحكومات والأغلبيات السياسية المتغيرة, وعن الرأي العام المتقلب. إعلام ديمقراطي يكرس حريات الرأي والتعبير ويتسم بمواكبة تحولات عاصفة, تهدد الصحف الورقية في سويدائها وأساليب عملها وذهنية من يديرونها, بل وفي طبيعة هذه الصحف في عالم تنهمر فيه الصور والأخبار فور وقوعها ويتم تلقيها واستهلاكها فورا. عالم أصبح زمن الصورة والحدث والتلقي واحدا! كفي تبسيط لملفات باتت أكثر تعقيدا وخطورة! كفي استعارة لتجربة نظام مبارك ودولته العميقة المستمرة. المزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح