أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن إحداث الانفراجة المطلوبة فى ليبيا وطى هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ الشعب الليبى الشقيق وبدء مرحلة إعادة البناء مرهون بتحقيق أربعة شروط أو مبادئ أساسية، وهى أولًا: دعم المجتمع الدولى للجهود التى تقودها الأممالمتحدة لإنجاز تسوية سياسية شاملة فى ليبيا، وثانيًا: العمل على التوصل بشكل سريع لتسوية شاملة قبل انتهاء الفترة الانتقالية التى حددها الاتفاق السياسى فى 17 ديسمبر المقبل، وثالثًا: تشجيع قادة المؤسسات الليبية الشرعية على المزيد من التواصل وإبداء المرونة السياسية للتوصل لتسويات تاريخية فى جميع القضايا السابقة، وأخيرا: زيادة جهود مكافحة الإرهاب هناك. جاءت تصريحات الرئيس ، خلال كلمته التى ألقاها فى إطار مشاركته فى الاجتماع رفيع المستوى الذى نظمته الأممالمتحدة حول ليبيا، والذى شارك فيه عدد من رؤساء الدول والحكومات، بالإضافة إلى فايز السراج رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطني. وفيما يلى نص كلمة الرئيس: «معالي السيد أنطونيو جوتيريس سكرتير عام الأممالمتحدة السيدات والسادة، أود فى البداية أن أعرب عن سعادتى بالمشاركة فى هذا المحفل الهام، الذى يهدف إلى الدفع قدماً بجهود التوصل لتسوية سياسية للأزمة المستمرة فى ليبيا الشقيقة منذ أكثر من ستة أعوام، بما يمكّن شعبها من استعادة مقدراته وإعادة بناء دولته ومواجهة خطر الإرهاب. إن أى تقييم للتطورات الأخيرة فى ليبيا من شأنه أن يوضح بجلاء أن عناصر الحل فى ليبيا موجودة ومتوافرة. فلدينا اتفاق سياسى يمثل الأساس الوحيد المقبول لأى تسوية شاملة فى ليبيا، كما شهدت الفترة الأخيرة تراجعاً ملموساً فى نشاط التنظيمات الإرهابية فى ليبيا، وهو ما يرجع بالأساس إلى انخفاض مستوى الدعم الذى تقدمه بعض الأطراف إلى تلك التنظيمات خلال الأشهر الأخيرة، فضلاً عن التقدم الذى حققه الجيش الوطنى الليبى على هذا الصعيد، وهو الأمر الذى يوفر فرصة حقيقية- إن صدقت النوايا وتكاتفت الجهود- لتوجيه ضربة قاصمة للإرهاب واستعادة الاستقرار فى ليبيا. وبالتالي، فإن الوضع مهيأ، سياسياً وميدانياً، لإحداث الانفراجة المطلوبة فى ليبيا، وطى هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ الشعب الليبى الشقيق وبدء مرحلة إعادة البناء. ولكن إنجاز هذه المهمة التاريخية مرهون بتحقيق أربعة شروط أو مبادئ أساسية، هي:أولاً: دعم المجتمع الدولى للجهود التى تقودها الأممالمتحدة لإنجاز تسوية سياسية شاملة فى ليبيا، يتوصل إليها الليبيون أنفسهم ويتوافقون عليها دون محاولة من أى طرف لفرض الوصاية عليهم. فلا مجال ولا جدوى من تعدد مسارات ومرجعيات التسوية فى ليبيا. فهناك أساس وحيد مقبول لإنهاء الأزمة الليبية، يتمثل فى «اتفاق الصخيرات»، والذى يمكن إدخال تعديلات محدودة عليه فى بعض المواضع استجابةً لشواغل الأطراف الليبية المختلفة، وذلك من خلال الآلية المنصوص عليها فى المادة الثانية عشرة من الاتفاق نفسه، وتحت إشراف الأممالمتحدة. ثانياً: العمل على التوصل، بشكل سريع لتسوية شاملة قبل انتهاء الفترة الانتقالية التى حددها الاتفاق السياسى فى 17 ديسمبر المقبل، وبما يجنبنا الاحتمالات الخطيرة للانزلاق إلى فراغ سياسى وأمني. والغرض من هذه التسوية الشاملة هو معالجة كافة القضايا العالقة فى الاتفاق، وإنشاء إطار شرعى ودستورى يتوافق عليه الليبيون لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، تمهيداً لعقد الانتخابات الرئاسية والنيابية فى ليبيا خلال عام 2018، والتى سيتم على أساسها طى المرحلة الانتقالية وإعادة تكوين السلطة السياسية بشكل مستقر يتيح البدء فى مرحلة إعادة الإعمار. وهنا يجب التأكيد أنه لا مجال لتجزئة عناصر الحل فى ليبيا، فالخروج من الأزمة السياسية الحالية لن يكون إلا بحزمة واحدة من التفاهمات تتناول قضايا الحكم، بشقيها المتعلق بالمجلس الرئاسى وبحكومة الوفاق الوطني، وإدارة المرحلة الانتقالية، وتوحيد المؤسسة العسكرية تحت قيادتها الشرعية، والتوافق على قانون وطريقة إدارة الانتخابات النيابية والرئاسية، وتضمين كل ذلك فى تعديل دستورى يصدر عن مجلس النواب. ويقيني، أنه لا مجال للتوافق على أى عنصر من العناصر السابقة، إلا ضمن تسوية شاملة تتضمن كل هذه العناصر مجتمعة. ثالثاً: تشجيع قادة المؤسسات الليبية الشرعية على المزيد من التواصل وإبداء المرونة السياسية والتوصل لتسويات تاريخية فى جميع القضايا السابقة، والامتناع عن اتخاذ أية خطوات أحادية من شأنها أن تؤدى إلى تعقيد الوضع وتعميق أزمة الثقة بين القادة الليبيين. رابعاً: زيادة جهود مكافحة الإرهاب فى ليبيا. فلا توجد فرصة حقيقية للتسوية فى ليبيا بدون مواجهة شاملة وحاسمة مع التنظيمات المتطرفة، وكل طرف إقليمى ودولى يقف وراءها ويدعمها سياسياً أو مالياً أو يمدها بالسلاح والمقاتلين. وإننى إذ أشيد هنا بالنجاحات التى تحققت مؤخراً فى مواجهة الجماعات الإرهابية المتطرفة فى عدة مناطق ليبية، وخاصة فى بنى غازى وسرت، يجب أن أؤكد أيضا على الأهمية القصوى للعمل على دعم قدرات الجيش الوطنى الليبى واستكمال جهود توحيده، بالتوازى مع استمرار الضغط الميدانى على جميع المجموعات الإرهابية وكل من يدعمها. السيدات والسادة، فى إطار العلاقات التاريخية والاجتماعية والسياسية العميقة التى تربط بين الشعبين الشقيقين فى مصر وليبيا، تستمر مصر فى استضافة سلسلة من الاجتماعات مع القيادات الليبية بمجلس النواب والمجلس الرئاسى والمجلس الأعلى للدولة لتقريب وجهات النظر بينهم، وذلك بالتوازى مع الاجتماعات التى تستضيفها القاهرة لإعادة توحيد المؤسسة العسكرية، واللقاءات الرامية للتوصل لمصالحات مجتمعية وقبلية بين أبناء الشعب الليبى الشقيق من مختلف المدن والمناطق. قد أسفرت هذه الاجتماعات عن وجود توافق متزايد بين الأشقاء فى ليبيا على أهمية الحفاظ على مرجعية الاتفاق السياسي، مع الحاجة لإدخال تعديلات محدودة عليه، والتزام الجميع بالعمل تحت مظلة الأممالمتحدة وأن تكون كل الجهود الأخرى داعمة ومكملة للجهد الأممي، ونابعة مما يراه الليبيون أنفسهم، وبدون أى تدخل خارجي. هناك أيضا رغبة أكيدة فى توفير الظروف الملائمة لتمكين المؤسسات التى أفرزها الاتفاق السياسى من تحمل مسئولياتها الوطنية فى أجواء سليمة وآمنة. ويسعدنى فى هذا السياق أن أنوه بشكل خاص إلى نجاح الاجتماع الذى عقد بالقاهرة أول أمس، وجمع عسكريين من كافة أنحاء ليبيا، وما شهده من توافق كامل حول أهمية دعم وحدة المؤسسة العسكرية الليبية والحفاظ على مهنيتها وتعزيز قدراتها لتتمكن من أداء مهامها على أكمل وجه، حمايةً للدولة الليبية ومؤسساتها الشرعية. وقد تم خلال الاجتماع الاتفاق على تشكيل لجنة فنية ستجتمع خلال الفترة القادمة لتفعيل هذه المبادئ. وبطبيعة الحال فإن مصر ستستمر فى تقديم كل الدعم لكل جهد يرمى لدعم قدرات الجيش الوطنى الليبي. إننى واثق من أن تكاتف الجهود، تحت مظلة الأممالمتحدة، كفيل بوضع الإطار السياسى الشامل الذى يحقن الدماء فى ليبيا، ويجنبها شر الصراعات والانقسامات، ويمكّن الشعب الليبى وقياداته من محاربة الإرهاب واستعادة السيطرة على مقدراته وإعادة بناء دولته. إن عناصر الحل، كما قلت، متوافرة فى ليبيا، والموارد المطلوبة لإعادة بناء الدولة الليبية متاحة. كل ما نحتاجه هو إخلاص النوايا وتوحيد الجهود للتوصل للتسوية الشاملة المنشودة فى ليبيا. وأؤكد لكم أن مصر على رأس الدول الداعمة لجهود الأممالمتحدة فى هذا الاتجاه. وشكرًا.