أعود إلى بلدى بعد مهمة عمل قصيرة امتدت ل 10 أشهر فى مصر كسفير لكوريا الجنوبية. ورغم أننى كلفت بمهمة عمل جديدة، لكننى أشعر بألم فراق أصدقائى المصريين الذين تشاركوا معى علاقات الصداقة والمودة. لقد أيقنت بقوة مصر صاحبة التاريخ العريق والحضارة العظيمة خلال فترة منصبى. قالت الروائية الإنجليزية «جورج إليوت» إن «ألم الفراق، يكشف مدى عمق الحب». لم أكن أتوقع هذا الكم الكبير من الحب الذى أكنه لمصر، فقلد منحنى المصريون إينما ذهبت ابتساماتهم الرقيقة وحفاوة الاستقبال وهى هدايا لا تقدر بثمن . لقد التقيت منذ تولى منصبى فى نوفمبر الماضى الكثير من المصريين فى مختلف المجالات من كبار مسئولى الحكومة ودوائر الأعمال ورجال الصحافة والأكاديميين فضلا عن سكان حى المعادى والمحافظات التى زرتها. ولمست خلال لقاءاتى مع المصريين، الرغبة الحقيقية فى تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع كوريا الجنوبية. أفتخر بالإنجازات التى تحققت على صعيد التعاون بين البلدين إبان الأشهر العشرة الماضية وفى مقدمتها التعاون العسكرى بين كوريا ومصر. لقد نجح البلدان فى توسيع التعاون العسكرى الفعلى بشكل منظّم فى هذه السنة من خلال تبادل الزيارات لكبار المسئولين الحكوميين وأهمها زيارة نائبى وزير فى وزارتى الدفاع الوطنى والشئون الخارجية الكورية بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان البحرية لمصر، وفى المقابل قام وزير الدفاع المصرى مؤخراً بزيارة مهمة لكوريا. ومما يرثى له أن منطقتى الشرق الأوسط وشبه جزيرة كوريا لا تزال تحاصرهما النزاعات وتعيشان وسط حالة من عدم الاستقرار منذ الحرب العالمية الثانية. وفى ظل هذا المناخ فإن التعاون الدفاعى بين كوريا الجنوبية ومصر(مخزن الذخائر الحربية فى العالم) سيصبح له أهمية كبيرة فى تعزيز السلام العالمي. وأقول بصراحة إن دور الشركات الكورية يفوق بكثير ما يقوم به الدبلوماسيون فى مصر. فالشركات الكورية توظف حوالى 20000 مصرى وأكبر شركة مصدرة للمنتجات تحمل علامة «صنع فى مصر» هى شركة كورية ويبلغ حجم صادراتها نحو 800 مليون دولار أمريكي. وتسعى الشركات الكورية إلى تطوير القدرات الصناعية لمصر من خلال التوسع - وبلا تردد - فى استثماراتها وهو ما يسهم بالتبعية فى زيادة معدلات التوظيف. وتفخر الشركات الكورية بالمساهمة فى توفير الراحة الفردية من خلال منتجاتها الضرورية مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية وقطارات مترو الأنفاق. آمل أن تظل صورة كوريا لدى المصريين أكثر إشراقاً وإيجابية. وأتمنى أن يعمل السفير الكورى القادم على وضع أساس قوى لتوسيع التعاون الاقتصادى من خلال إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين. لقد كانت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى المهمة إلى كوريا الجنوبية فى مارس العام الماضى بمثابة نقطة تحول للارتقاء بالعلاقات بين البلدين. إذ ترغب كوريا فى أن تشارك مصر بصورة نشيطة خبراتها المتراكمة فى التطوير. فلقد أصبحت «الموارد البشرية» فى كوريا الجنوبية هى المحرك الرئيسى للنمو واستطاعت كوريا بفضل التعليم تطوير قدراتها البشرية. وهذا هو الدافع وراء رغبة كوريا فى توسيع التعاون مع مصر فى مجال التعليم والتدريب المهني. إن الشباب هم حجر الأساس لمستقبل واعد لمصر. وفى هذا الصدد تشمل مجالات التعاون بين البلدين مشروع الجامعة التكنولوجية الكورية المصرية ومراكز للتدريب المهنى على صيانة السيارات والمنح التدريبية لموظفى الخدمة المدنية فى شتى المجالات. لقد استمتعت على نحو كبير بزيارة مختلف محافظات مصر طوال الأشهر العشرة الماضية، ومن بينها الاسكندرية وأسيوط وأسوان وشرم الشيخ والغردقة، وفى كل مرة كنت ألمس مدى اعجاب المصريين بالثقافة الكورية. وبدا ذلك واضحاً مرة أخرى خلال محادثة مثيرة مع أستاذ من جامعة القاهرة يقوم بترجمة الروايات الكورية إلى اللغة العربية ونشرها فى مصر. وكم أدركت مستقبلاً واعداً للعلاقات الكورية المصرية مرتسماً على وجوه الشباب المصريين المحبين لموسيقى K-Pop والطلاب الكوريين الدارسيين للغة العربية فى مصر. إن تعزيز التفاهم الثقافى بين بلدينا وتبادل الموارد البشرية سوف يكون الأساس الراسخ لتطوير العلاقات بين البلدين. أتمنى أن يستأنف الكوريون والأجانب زياراتهم لمصر التى استمتعت بكل ما فيها. أعود إلى سول نائباً لوزيرة الخارجية الكورية والأوضاع فى شبه الجزيرة الكورية ملتهبة. ومع ذلك، أترك قطعة من قلبى هنا فى مصر من أجل مواصلة العمل لتطوير علاقات التعاون البناءة بين كوريا ومصر. أخبرنى الكثير من أصدقائى المصريين إن من يشرب من نهر النيل، سيعود إلى مصر مرة ثانية. وأنا أثق أننى سأرى فى المستقبل صداقة أكثر عمقًا بين البلدين كما أثق أن مصر ستكون أعظم فى زيارتى القادمة. سفير جمهورية كوريا الجنوبيةبالقاهرة لمزيد من مقالات سونجو يون