إذا كان رفع الحد الأدني للأجور مطلبا يكاد يكون عليه إجماع فإن تدبير الموارد اللازمة لتمويل هذه الزيادة مع تجنب ارتفاعات جديدة في الأسعار يمثل معضلة خاصة مع عجز الموازنة. الخبراء والقانونيون يقدمون هنا تصوراتهم لقضية تحديد الحد الأدني للأجور, في التحقيق التالي. المستشار زكريا شلش, رئيس محكمة استئناف القاهرة, يقول: إن المشرع الدستوري ألزم بالمادة23 من الدستور بتنظيم الاقتصاد القومي وفقا لخطة تنمية شاملة تكفل ضمان حد أدني للأجور, ووضع حد أعلي يكفل تقريب الفروق بين الدخول, وبالتالي فإنه لا يكفي الاقتصار علي وضع حد أدني للأجور بل يجب أن يصدر المشرع حدا أدني وأقصي للأجور في الحكومة وقطاع الأعمال إعمالا للمادتين23 و40 اللتين تنصان علي المساواة بين المواطنين, وحتي وقتنا هذا لم يصدر تشريع يعرف ماهو الأجر, وبالتالي يجب أن يشمل الأجر المرتب الأساسي وكل البدلات وأي مقابل نقدي يحصل عليه العامل من جهة عمله وفقا للدستور الدائم الصادر في عام71 فمثلا تجد هناك بعض الأشخاص أو القيادات التي يصل الأجر الشهري لها ما يقارب المليون جنيه ناهيك عن آلاف يصل مرتب الواحد منهم ما يجاوز المائة ألف جنيه شهريا وهو ما يخالف نص المادتين المذكورتين في الدستور, وكذلك هناك ظاهرة إسناد وظائف عمومية رئيس مجلس مدينة أو شركة أعمال أو سكرتير عام محافظة وغيرها إليهم بعد خروجهم أو تقاعدهم من وظائفهم الأصلية وهذه الظاهرة موجودة بغض النظر عن مدي إلمامهم بالخبرة الفنية في الأماكن التي يسند إليهم إدارتها فماذا يصرف متقاعد من جهة ما عن شركة تعمل في مجال لم يعمل به من قبل ولا خبرة له فيه وكذلك تجد بعض المستشارين الذين ينتدبون لأكثر من وزارة أو جهة ويقومون بالحصول علي مقابل ندب يوازي راتبه في جهة عمله ويتم سداد هذه الأموال من الخزانة العامة علي حساب الموظف الصغير الذي يصل راتبه لمائة جنيه شهريا وهناك بعض القيادات أو الجهات التي تحصل علي نسبة من مبالغ محصلة كالمبالغ التي تحصل كرسوم, والغريب أن البعض يحصل علي جزء من رسوم الامتحانات بحجة اعتماد النتيجة وهي تقتطع من المدرس الذي يعاني من نقص أجره, بالإضافة إلي تجديد التعاقد لبعض الموظفين بعد بلوغهم سن المعاش وهذا لا يتم إلا لأصحاب الحظ والنفوذ, والأدهي من ذلك ما تنص عليه المادة37 من قانون قطاع الأعمال العام203 لسنة91 بتخصيص نسبة من الربح لا تزيد علي5% من أرباح الشركة قابضة أو تابعة لمكافأة أعضاء مجلس الإدارة, وهنا نتساءل عمن يحدد ربح الشركة هم من لهم مصلحة في الحصول علي نسبة ال5% أو التابعين لهم فنجد أن هذه النسبة تجعل البعض يصل رواتبهم إلي مئات الآلاف من الجنيهات شهريا فلو منعنا مكافآت الندب ووضعنا حدا أقصي للأجور لا يتجاوز15 ألف جنيه ومنعنا مكافآت الندب والتجديد لوفرنا مليارات الجنيهات التي توجه لمصلحة الأفراد المطحونين والبحث العلمي الي لا يصل مرتب العالم فيه إلي حد قرينه في وظائف عدة. العبرة بمتوسط الانفاق د.سمير طوبار أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق وعضو المجالس القومية المتخصصة يقول: من يستطيع تحمل هذا المبلغ الذي يتحدثون عنه كحد أدني للأجور الذي يقاس كنفقة معيشة وهذا لا يمكن تحقيقه والعبرة متوسط انفاق الأسرة. ويضيف أن الحد الأقصي للراتب يتوقف علي جهد الإنسان فنفقة المعيشة تحدد الحد الأدني للأجر وهي في مصر تكون800 جنيه كحد أدني, ولا يعقل مثلا أن أعلي مرتب في الجامعة للأستاذ هو3000 جنيه فقط شهريا ونجد البعض يصل راتبه إلي50 أو100 ألف جنيه شهريا. ويشير إلي أن التفاوت الكبير في توزيع الدخول يمثل اضرارا كبيرة للمجتمع فالعدالة في توزيع الدخل أمر مهم وضروري, ويجب إزالة الفوارق بين الناس, وأن تكون هذه هي القضية الرئيسية, فيجب أن يتم النظر للجميع وهذا يحقق العدالة والسلم الاجتماعي. قانون العمل د.سمير رضوان, أستاذ الاقتصاد, يري أن حكم القضاء الإداري يستند إلي قانون العمل ولتحديد الحد الأدني للأجور الذي حدد في عام1984 وتضمن35 جنيها والحد الأدني يختلف عن سلم الأجور, وأنه منذ عام84 كان الحد الأدني يزيد بالعلاوات ووصل الآن إلي400 جنيه. ويضيف أننا نحتاج إلي تعديل وهذا له مشكلات فتعديل الحد الأدني يقتضي تعديل الشرائح الأخري وعندنا6 ملايين بالجهاز الإداري وهذا يتطلب ميزانية كبيرة فالعبء علي الميزانية سيكون كبيرا خصوصا مع العجز فيها, وكذلك الخدمة العامة عددها كبير ونحن نحتاج لتقليصها, والحل هو تفعيل المجلس الأعلي للأجور وأن تتم مناقشة الممكن. تفاوتات التقدير د.حمدي عبدالعظيم, عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية السابق, يري أن الحد الأدني للأجور يجب أن يتناسب مع احتياجات العامل الأساسية, ولكن هناك تفاوتات في التقدير, فالمجلس القومي للأجور اقترح450 جنيها شهريا واتحاد العمال يري أنها في حدود900 جنيه والبعض يرفعها إلي1200 جنيه, والقطاع الخاص يعطي مرتبات عالية وفي الحكومة مشكلة فلو زدنا البداية فلابد من زيادة أجور القدامي ويترتب علي ذلك أعباء كبيرة علي خزانة الدولة التي تعاني عجزا يصل إلي70 مليار جنيه والزيادة ترفع العجز ويؤدي إلي تضخم وغلاء في الأسعار لأنه لا يرتبط بزيادة في الإنتاج بالإضافة إلي البطالة والأعداد الكبيرة من موظفي الحكومة التي تزيد علي3 ملايين موظف لا تحتاجها متطلبات العمل, وبالتالي فإن تغطية الزيادة بالضرائب مثلا ستزيد الأعباء وهناك حالات في جهات حكومية تعطي حوافز وعلاوات والأجر الشامل يمكن أن يكون بداية للاصلاح انطلاقا من الدرجة السادسة ونسب الزيادة تأتي بعد ذلك وليس من بداية التعيين وهو ممكن أن يكون حلا مؤقتا لحين تبني برنامج للتخلص من العمالة الزائدة من خلال مشروعات جديدة. دون رفع الأسعار د.سمير عبدالوهاب, أستاذ الإدارة العامة, يري أن الأجور لا تتناسب مع مستوي الأسعار, ولكن المشكلة أن زيادة الحد الأدني للأجور سيرفع الأسعار, ولن يؤدي لنتيجة إيجابية للعاملين ومن هنا فالنقطة المهمة كيف نزيد الحد الأدني دون رفع الأسعار والأهم هو إعادة توزيع للأجور لتكون وفق أسس أكثر عدالة وموضوعية لأن الواضح أن هناك تباينا كبيرا في الأجور سواء في نفس الجهة الواحدة أو بين الجهات المختلفة, ولا يكون هذا في الغالب مرتبطا بالأداء فهناك الاعتبارات الشخصية, وهناك من يعمل بالمكاتب الفنية أو الموازنة بالوزارات وهذه أصبحت منتشرة إذ نحدد أفرادا أجورهم مرتفعة جدا قد تتعدي الخمسين ألف أو مائة ألف جنيه ومن هنا لابد من إعادة ضبط الأجور لتكون مناسبة للأداء وطبيعة العمل وكذلك يجب دمج المكافآت والحوافز لتكون مجمعة واعتبارها أجرا واحدا عن الوظيفة.