يشكل الاتجار في البشر خاصة بالنساء والأطفال أحد التحديات الكبري التي تواجه القرن الحادي والعشرين فهو شكل من اشكال العبودية المعاصرة. وقد عالج الاسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا وحضارة مشكلة الرق والاستعباد والاتجار بالبشر من خلال منهج متميز يتسم بالاخلاقية والسمو والتدرج, ولكن التجار بالبشر استمر علي مدي تاريخ الانسانية بل وان الأشكال المعاصرة منه وتناميها وظهور انواع جديدة من البيع والاسترقاق لأهداف لم تكن موجودة قديما مثل بيع غيار بشرية, وأسترقاق الأطفال بل والكبار لاستخدام أجسادهم قطع غيار بشرية وللاتجار بأعضائهم, كل هذا يتطلب كما يؤكد الخبراء المسلمون والدوليون تضافر كل الجهود المحلية والاقليمية والدولية لتطبيق المنهج الاسلامي الاخلاقي والانساني في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والمرضية التي يذهب ضحيتها اكثر من ثلاثة ملايين شخص سنويا علي الأقل. والعبودية أو الرق هو نوع من الاشغال الشاقة القسرية والمؤيدة للعبيد حيث يسخرون في أعمال شاقة وفي حروب وفي الدعارة والاستغلال الجنسي, وفي القتل للحصول علي أعضائهم للاتجار فيها, وللبيع في أسواق النخاسة. وقد سادت ظاهرة العبودية والاسترقاق في جميع الحضارات القديمة بلا استثناء ولم يشرع للقضاء عليها وتضييق مصادرها وتوسيع منافذ تحرير الارقاء إلا شريعة الاسلام. حيث جاء الاسلام للقضاء علي كل اشكال الاتجار بالبشر وكل اشكال العبودية, وشرع لتصفية ما تبقي من اشكال الاستعباد التي سادت في الجاهلية. وقد كانت شريعة الاسلام ثورة اجتماعية ضد هذه الأمراض التي توطنت في كل الشعوب والحضارات السابقة علي رسالة محمد عليه الصلاة والسلام, وارست هذه الرسالة المباركة لاول مرة مبدأ وحدة الاله المعبود, ووحدة الاصل البشري, وكرامة الانسان. والاسلام هو تاريخ الميلاد الحقيقي لحقوق وحريات الانسان والقضاء علي كل اشكال الرق والاستعباد والاتجار في البشر وقد ساد الرق قبل الاسلام بعدة طرق اهمها * الخطف, حيث يسود منهج القوة دون رادع, والأسر خلال الحروب عبيدا البيع والشراء, وكذلك الهدايا, فمن حق السادة اهداء عبيدا وامائهم لغيرهم, ثم أبناء الإماء حيث يعدون عبيد او اماء حتي وان كانت الامه متزوجة من رجل حر. ولم يكن للعبيد قبل الاسلام اي حق إزاء السيد علي الاطلاق فمن حق السيد ان يعاملهم كما يشاء بما في ذلك التعذيب والاعتداء عليهم وتسخيرهم لخدمته دون أدني مقابل اللهم إلا الطعام القليل الذي يحفظ لهم حياتهم لخدمة السادة. وكان المنهج الاسلامي في تصفية الرق يتسم بالحكمة والتدرج لتغيير بناء ثقافي متخلف واحلال الثقافة الاسلامية وشريعة الاسلام بأحكامها التي تحقق العدل والمساواة. والحفاظ علي كرامة كل الناس واشاعة المحبة والتكامل والاخوة الراشدة بين كل البشر. وقد اعتمد المنهج الإسلامي في القضاء علي كل أشكال الرق والاتجار في البشر علي عدة خطوات أوجزها فيما يلي: شراء العبيد واعتاقهم, خاصة من يعتنق الاسلام, وقد ضرب ابو بكر الصديق المثل في شراء الرقيق ومنهم بلال بن رياح واعتاقه اغلاق اغلب أبواب الرق, كالبيع والشراء والهبة.... الخ تحريم استرقاق الحر. فعن الرسول عليه الصلاة والسلام أن رب العزة قال( ثلاثة انا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر, ورجل باع حرا فأكل ثمنه, ورجل إستأجرا جيرا فاستوفي منه ولم يعط أجره) وعن ابي داود من حديث عبدالله بن عمر مرفوعا ان النبي صلي الله عليه وسلم قال( ثلاثة لا تقبل منهم صلاة وذكر فيهم: ورجل إعتبد محررا) أي جعله عبدا وعن الخطابي ان اعتباد الحر يأتي بأمرين: الاول ان يعتقه ثم يكتم ذلك, والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق الأول. وقال ابن الجوزي إن الحر عبدالله فمن جني عليه أو استعبده فخصمه سيده وهو الله. حرم الاسلام تحويل الدين إلي استرقاق, اي استرقاق غير القادرين علي سداد الدين. قال تعالي( وان كان ذو عسرة فنظرة الي ميسرة) توسيع مجال اعتاق الرقبة وجعل هذا من الكفارات كما في حالات كفارة الايمان, وكفارة القتل الخطاء.. الخ أوجب الاسلام علي ملاك الرقيق من المسلمين ألا يكون بينهم أحد اقاربه من ذوي الارحام وأوجب عليه إعتاقه دون قيد أو شرط فعن ابن عمر رضي الله عنهما ان الرسول عليه الصلاة والسلام قال( من ملك ذا رحم محرم فهو حر) فلا يمكن ان يكون الأخ مملوكا لاخيه او الاب لابنه.. فهذا يتناقض مع منهج التراحم والاحسان والبر داخل مؤسسة الاسرة والقرابة. أعطي الاسلام العبد الفرصة لشراء نفسه وتحريرها وهو ما يطلق عليه المكاتبة, فمن حق العبد ان يتفق مع سيده علي ان يدفع نصف ثمنه, فإذا اتم الثمن اصبح حرا. عتق الأمه اذا تزوجها سيدها وا نجبت له ولدا. هنا يتم اعتاق الامة وابنها, والابن ينسب لابيه ويرثه بعد موته هكذا استطاع المنهج الاسلامي القضاء علي كل اشكال العبودية والاتجار بالبشر.