سؤال يثار كثيرا فى الفترة الأخيرة ، خاصة حين نشهد أحداثا مؤسفة ترتبط ببعض من يطلق على نفسه رجل أعمال أو يطلق عليه الإعلام هذا المسمى. من هو رجل الأعمال. هو سؤال مشروع وله مبرراته، خاصة وهو لقب مجانى، اتسع نطاق استخدامه كثيرا، ولا يوجد موانع من تبنى هذا اللقب الوجيه، بين من يستحقه ومن لا يستحقه من جانب أى شخص لا نعرف ما يعمل أو مصدر أمواله ولا نلمس أى عمل منتج يقوم به. ببساطة هو يشيع انه رجل أعمال، رغم أنه ينتمى لدائرة الأفاقين والنصابين. قد يصدقه البعض، فهو يحيط نفسه بحراس ويمتلك فيلات وسيارات ويروج له بعض الإعلاميين أنه رجل أعمال، ومن ثم يختلط الأمر على الرأى العام، وحين يتحدى القانون ويرتكب أعمالا مؤثمة أقرب إلى النصب والبلطجة، نتعجب جميعا ويتساءل البعض من الجادين: من هو رجل الأعمال؟. هذا السؤال ليس جديدا ، لكنه قديم يرتبط بسنوات الانفتاح الاقتصادى. وأذكر أنى كتبت مقالا فى مجلة الأهرام الاقتصادى، عنوانه: من هو رجل الأعمال؟ ونشره الزميل العزيز الأستاذ عصام رفعت رئيس التحرير على غلاف المجلة التى كان يرأس تحريرها. كان ذلك فى مارس عام 1986. وأثار المقال تعليقات كثيرة تدور حول استخدام تعبير رجال الأعمال، وتمس فوضى استخدام هذا التعبير، ودخلت جمعية رجال الأعمال المصريين طرفا فى النقاش، وكانت فى ذلك الوقت واحدة من ثلاث جمعيات فقط لرجال الأعمال، وكانت الأهم لأنها ضمت أصحاب الثروة والنفوذ والسلطة معا ضمن عضوية الجمعية، وكان عددهم 250 فقط. ولأننى باحثة علوم سياسية درست حالة جمعية رجال الأعمال المصريين لأتعرف على رؤيتهم لمن هم رجال الأعمال. والخلفية الاجتماعية والاقتصادية لهم. ولأن الجمعية المذكورة قد استهدفت التأثير - كجماعة مصالح - فى عملية صنع السياسة الاقتصادية، فقد حددت رجال الأعمال الذين لهم الحق فى العضوية، فى كل من باشر عملا متصلا لمدة لا تقل عن عشر سنوات، بصفته مالكا أو رئيس مجلس إدارة أو عضوا منتدبا، وله الحق فى اتخاذ قرار. كان الأعضاء من رجال الأعمال النشطاء فى الصناعة والتجارة وأصحاب التوكيلات والمقاولات والسياحة، وأصحاب البيوت الاستشارية فى مجالات الهندسة والمحاماة والمحاسبة. كانت شروط العضوية صعبة وبمقابل ضخم وكانت احد أوجه النقد لها هو منح عضوية شرفية لبعض قيادات شركات القطاع العام وبنوك الدولة. كان ذلك ما نبرره من خلق جسور توافق بين قيادات القطاع الخاص والعام ولصالح التأثير فى السياسة الاقتصادية. فى هذه اللحظة كان بريق تعبير رجل الأعمال لامعا وجذابا واحتدم التوتر بين أعضاء الغرفة التجارية - وهم القاعدة العريضة من التجار - وجمعية رجال الأعمال المصريين، وتعددت الصدامات بين الطرفين وبدا لى فى ذلك الوقت الرغبة فى انتزاع صفة رجال الأعمال، وغضب الغرف التجارية من استبعادهم وعدم انطباق الشروط عليهم. وعاما وراء عام أدرك الجميع حقه فى أن يطلق على نفسه رجل أعمال، فقد تغيرت البقالة إلى سوبر ماركت، وأصحاب ورش الحدادة والسيارات غيروا المسميات إلى مصانع ومراكز فنية، ووكالة البلح أفرزت عشرات من رجال الأعمال، وأسواق الفاكهة والخضراوات وفرت لنا رجال أعمال. وهكذا اتسع منح اللقب إلى آلاف فى عملية سهلة للغاية ليس لها شروط أو قيود، حتى الخدمات الصحية الخاصة أهدت لقب رجل الأعمال إلى ملاكها، وهى تستنزف دماء المصريين وتحقق أرباحا ضخمة إلى جانب شركات الدواء وعشرات من شركات الإعلانات وإنتاج الأغانى وغيرها. كانت المهزلة الكبرى، لحظة إدراكنا عمليات غسيل الأموال وغسيل السمعة، من خلال انتحال صفة رجل أعمال. وتكفى يافطة لاسم الشركة الوهمية وصاحبها فلان رجل الأعمال، ثم اتجاه البعض، دون أى تاريخ أو خبرة، لافتتاح المدارس الدولية للغات، بل والجامعات الخاصة والقنوات الفضائية، ليصبح كل من يمتلك المال ولا يهم مصدره، هو رجل أعمال. لا توجد أى معايير منضبطة ولا تقاليد مجتمعية ترشدنا إلى من هو رجل الأعمال؟. أضحت المتطلبات أن تملك المال ولن يسألك أحد عن مصدرها ثم وجود نشاط وهمى أو حقيقى (لا يهم) وشبكة علاقات اجتماعية واسعة يتداخل فيها أصحاب السلطة ومستشار إعلامى يروج لأعمالك الخيرة. وبالطبع لا تنس صديقى السيارات وفيلات التجمع والساحل الشمالي. متطلبات بسيطة يحققها المال، وطبعا مهم إغفال المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال. ولن يسألك احد ماذا قدمت لبلدك وناسك فى المحروسة، الا قلة من الساذجين. فى الثمانينيّات من القرن العشرين أثرت السؤال: من هو رجل الأعمال وحذرنا من فوضى استخدام التعبير الذى لا يوجد معايير له تتعلق بعمل إنتاجى، وقدرات على الإدارة وتشغيل الشباب، وليس له شروط تعليمية ولا مواقع وظيفية، ولا أى قيمة مجتمعية مضافة، وصادف وتوافق هذا التعبير مع تغيرات قيمية سلبية، ومع اتساع الفساد الذى مكن الكثيرين من الاعتداء على أراضى الدولة - ونحن جميعا نملكها - وأصبح هؤلاء رجال أعمال. كلنا يا صديقى يمكن أن نكون رجال أعمال وسيدات أعمال. لمزيد من مقالات د. امانى قنديل;