البعض مازالوا لا يفهمون طبيعة العلاقة الوثيقة التى تربطنا بسوريا، وتدفعنا منذ بداية أزمتها أن نعلن بوضوح أننا مع وحدة الأراضى السورية، ومع احترام إرادة الشعب السورى فى اختيار قائده، وأريد اليوم أن أوضح هنا حقيقة ما يربطنا بسوريا من خلال حادث تاريخى جدير بالتذكير به، وهو تقديم الدكتور سامى الدروبى أوراق اعتماده للزعيم جمال عبدالناصر سفيرا لسوريا فى الجمهورية العربية المتحدة فى الأول من سبتمبر عام 1966 «أى بعد الانفصال»، وحينها بكى السفير سامى الدروبى وهو يقول: «إذا كان يسعدنى ويشرفنى أن أقف أمامكم مستشرفا معانى الرجولة والبطولة، فإنه ليحز فى نفسى أن تكون وقفتى هذه كأجنبي، كأننى ما كنت فى يوم مجيد من أيام الشموخ مواطنا فى جمهورية أنت رئيسها، إلى أن استطاع الاستعمار متحالفا مع الرجعية أن يفصم عرى الوحدة الرائدة فى صباح كالح من أصباح خريف حزين يقال له 28أيلول، صباح هو فى تاريخ أمتنا لطخة عار ستمحي، ولكن عزائى فى هذه الوقفة التى تطعن قلبى يا سيادة الرئيس والتى كان يمكن أن تشعرنى بالخزى حتى الموت، أنك وأنت تطل على التاريخ ترى سيرته رؤية نبى وتصغه صنع الأبطال». ومضى السفير سامى الدروبى فى كلمته بصوت متهدج يبكي، وفى أثناء كلمته بكى جمال عبدالناصر، ورئيس مجلس الوزراء على صبرى ووزير الخارجية محمود رياض، ونشرت الصحف الأجنبية صور تقديم أوراق الاعتماد فى صدور صفحاتها الأولى مسجلة أول حادث فى التاريخ يبكى رئيس جمهورية فى أثناء تسلمه أوراق اعتماد سفير يبكى هو الآخر. هذه اللقطة وتفاصيلها التى لا تتسع لها مساحة هذا العمود تشرح ببساطة عمق العلاقة الوجدانية والتاريخية والسياسية التى تربط مصر وسوريا، كما توضح عمق المكانة التى احتلتها سوريا فى نفس جمال عبدالناصر. صحيح أن السفير الدروبى ببكائه وبلاغته فجر الموقف، ولكن عبدالناصر كان كذلك فى قمة التأثر، وما كان يحتاج إلى أحد دكاترة الأدب المرموقين فى سوريا «ترجم ترجمات رائعة لدستوفيسكي» لكى يفجر أحاسيسه، فقد كانت مشاعره جاهزة دون احتياج إلى بلاغة من ذلك السفير السورى العروبى الصادق والمؤمن بالقومية العربية. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع;