أوراق عبدالناصر الخاصة جدا تقول إنه كاد يقطع علاقته بالأسرة كلها بسبب إهانة عمه له، عندما كان عبدالناصر ضابطا صغيرا بالجيش المصري الملكي! يقول عبدالناصر بالحرف الواحد في رسالته الي صديق عمره المستشار «حسن النشار»: عزيزي حسن: أكتب إليك الآن وأنا ثائر في نفسي ثورة داخلية عائلية.. وصلني جواب من العم شديد اللهجة، يقول: إنه كتب لي جوابين فلم يصله الرد.. ويتهمني بأنني كنت أكتب له فقط مدة وجود أشقائي عنده.. وهذا الخطاب كاف لأن أرد ردا يقطع علاقتي به، وبالعائلة أجمع، إذا احتاج الأمر.. فقد كانت أفكاري تدور حول ما جنته هذه العائلة عليّ.. وما قاسيته علي يديها.. ولكني تداركت نفسي.. ورددت عليه بخطاب يؤلمه ولن يؤنب بعده إلا نفسه علي إرساله هذا الخطاب.. لقد أخبرته أنه يعتقد أن جمال عبدالناصر، متمتع، ويعيش كما يتصورون عن الضباط، ليس له مشاغل في الحياة.. خالي البال.. وطبعا شخص هذه صفاته، لابد وأن يكون قد أجرم في التقصير برد خطاب عمه. وأخيرا أثبت له أن جمال عبدالناصر ليس خالي البال.. ولديه الكثير من الهموم والآلام الخاصة والعامة.. وقد كان ولا يزال معاهدا نفسه ألا يشرك أحدا معه في هذه الهموم.. وأن جوابه هذا كان سيولد حوادث سيئة العواقب.. ولكني تداركت نفسي.. علي العموم يا حسن أنا مش عارف آلاقيها منين ولا منين.. هنا في عملي كل عيبي إني دوغري.. لا أعرف الملق ولا الكلمات الحلوة.. ولا التمسح بالأذيال.. وشخص هذه صفاته يحترم من الجميع.. ولكن الرؤساء يا حسن.. يسوءهم ذلك الذي لا يسبح بحمدهم.. يسوؤهم ذلك الذي لا يتملق إليهم.. فهذه كبرياء، وهم شبوا علي المذلة في كنف الاستعمار.. يقولون كما كنا يجب أن يكونوا.. كما رأينا يجب آن يروا والويل كل الويل لذلك المتكبر - كما يقولون - الذي تأبي نفسه السير علي منوالهم.. يعاديه الجميع. ويحزنني يا حسن أن أقول بأن هذه السياسة نجحت نجاحا باهرا، فهم يصهرون نفوس الشبان.. وكلهم شبان لم تصقلهم الأيام.. ويحزنني يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم فأصبح منافقا متملقا.. ويحزنني يا حسن أن أقول أننا نسير الي الهاوية.. الرياء.. النفاق.. الملق تفشي في الأصاغر نتيجة لمعاملة الكبار.. أما أنا فقد صمدت ومازلت.. لذلك تجدني في عداء مستحكم ومستمر مع هؤلاء الكبار. أخوك: جمال عبدالناصر جبل الأولياء - السودان وبالمناسبة ماذا تقول بطاقة جمال عبدالناصر التي استخرجها بعد وحدة مصر وسوريا.. ومازالت ضمن ملف أوراقه الخاصة؟! - الاسم: جمال عبدالناصر حسين. * تاريخ ومحل الميلاد: 16 يناير سنة 1918- الاسكندرية. * الحالة الاجتماعية: متزوج * الوظيفة أو المهنة: رئيس الجمهورية العربية المتحدة. * محل العمل: القصر الجمهوري بالقاهرة * فصيلة الدم. توقيع آخذ البصمة: عبدالمنعم اسماعيل دموع زعيم!! واقعة مثيرة اخري في أوراق عبدالناصر الخاصة؟! كلمة ألقاها السفير السوري في مصر في حفل تقديم أوراق اعتماده بعد انفصال سوريا عن مصر، في بداية الستينيات.. وكانت أول مرة في تاريخ المراسيم والبروتوكولات التي يبكي فيها رئيس الدولة وهو يستمع الي كلمة السفير أثناء تقديم أوراق اعتماده.. بكي عبدالناصر وسمع الحاضرون صوت بكائه فبكوا جميعا.. وبكي معهم السفير! وبعد انتهاء المراسيم طلب عبدالناصر صورة من كلمة السفير السوري د. سامي الدروبي.. وظل يحتفظ بها حتي أنفاسه الأخيرة! لقد كان عبدالناصر يعتبر سوريا عشقه الأول والأخير.. وكان حلم الوحدة المصرية السورية أحلي أحلامه. وبلغ قمة سعادته حينما أهداه القدر حلم الوحدة في صينية الواقع.. إلا أن الوحدة سرعان ما تبددت.. وانفصلت الدولتان.. وجاء السفير السوري في ابريل 1967 بعد جفاء سياسي دام ست سنوات بين البلدين.. جاء ليقدم أوراق اعتماده سفيرا للجمهورية السورية بعد الانفصال.. وقال في كلمته التي أبكت عبدالناصر من أعماقه: سيادة الرئيس: - إذا كان يسعدني ويشرفني أن أقف أمامكم مستشرفا الرجولة والبطولة فإنه ليحز في نفسي أن تكون وقفتي هذه كوقفة أجنبي.. كأنني ما كنت في يوم مجيد من أيام الشموخ مواطنا في جمهورية أنت رئيسها.. الي أن استطاع الاستعمار متحالفا مع الرجعية أن يفصم عري الوحدة الرائدة، في صباح كالح من أصباح خريف حزين يقال له 28 سبتمبر.. صباح هو في تاريخ أمتنا لطخة عار ستمحي ولكن عزائي عن هذه الوقفة التي تطعن في قلبي يا سيادة الرئيس، والتي كان يمكن أن تشعرني بالخزي حتي الموت.. أنك أنت تطل علي التاريخ فتري سيرته.. وتصنعه صنع أبطال، قد ارتضيت لي هذه الوقفة. تسلم الرئيس أوراق اعتماد السفير وقد عجز لسانه عن النطق.. وانشغلت عيناه بالبكاء.. ثم سلمها الي صلاح الشاهد كبير الأمناء.. ونظر الي باقي الواقفين: علي صبري والفريق سعد الدين متولي كبير الياواران، فوجدهما قد انخرطا أيضا في البكاء. وبين الأوراق الخاصة لعبدالناصر صورة تجمع بينه وبين مأذون حي الدقي في حفل زفاف ابنه «صلاح الشاهد» كبير الأمناء برئاسة الجمهورية.. يقول «جمال عبدالناصر» عن هذه الصورة: - كلما وقعت عيناي علي هذه الصورة تذكرت موقف هذا المأذون ليلة زفاف ابنة «صلاح الشاهد».. وأجد نفسي أضحك من أعماقي وكأني طفل بلا هموم.. بل كنت أحيانا.. وأثناء المواقف الحالكة تخطر هذه الواقعة التي صورتها الكاميرا علي خاطري، فإذا بي أضحك بصوت مسموع دون أن يدرك من حولي علي أي شيء أضحك!» ما سر هذه الصور؟! - أثناء استعداد مأذون حي الدقي لعقد قران العروس علي عريسها في الحفل العائلي الكبير الذي شرفه بالحضور الرئيس عبدالناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة جميعا.. جلس المأذون الي المائدة وسأل عن الشهود.. فجاء من همس في أذنه بأن الشاهد الأول سيكون الرئيس عبدالناصر نفسه.. أسقط في يد المأذون.. لكنه سارع بطلب بطاقة الرئيس كالمعتاد في الإجراءات.. همهم الحاضرون.. وصوبت النظرات الجارحة لإرهاب المأذون.. إلا أنه أصر علي موقفه مطالبا الرئيس بإبراز بطاقته الشخصية، لكتابة بياناتها في الخانات المخصصة لذلك بقسائم الزواج.. وضحك عبدالناصر مقهقها.. لكن المأذون زاد في عناده مما دفع الرئيس الي الاستغراق في الضحك كلما شاهد الحماس والعصبية فوق ملامح الشيخ «كامل» مأذون الدقي.. وأراد والد العروس إنقاذ الموقف مؤقتا وتهدئة حدته، قال للمأذون: - ابدأ بالشاهد الثاني.. السيد أنور السادات! وهنا عادت للمأذون ملامحه الجادة.. وصاح متسائلا أين بطاقته؟! ضج المكان بالضحك.. ويقول صلاح الشاهد كبير أمناء الرئاسة ووالد العروس.. «رأيت عيون عبدالناصر تدمع من فرط ضحكه!» قالوا للمأذون إن السادات هو رئيس مجلس الشعب.. ورد الرجل.. لا أعرف ذلك إلا من بطاقته فأين هي؟! اندفع صلاح سالم وكان وقتها وزيرا للعدل.. انطلقت من عينيه ألسنة النار تكاد تمزق الرجل الذي يعمل تحت رئاسته.. فالمأذون ما هو إلا موظف صغير في وزارة العدل.. تقدم الوزير وقال للمأذون بنبرات حادة: - أنا وزير العدل.. وآمرك بكتابة القسائم دون إبراز البطاقات! وضع الشيخ كامل يده علي أذنه ووجهه يتصبب عرقا ثم سأل صلاح سالم قائلا: قلت لي من أنت يا محترم؟! قلت إنني وزير العدل! ومرة ثالثة يسأله الشيخ كامل: - أين بطاقتك لأعرف أنك وزير العدل؟! لم ينقذ الشيخ كامل من ثورة صلاح سالم غير الضحكات المسموعة التي كان يطلقها عبدالناصر في عفوية شديدة.. حقا إنه الرئيس لكنه لم يتعرض قط لمثل هذا الموقف.. ولم يطالبه أحد بإبراز بطاقته منذ تخرجه بالكلية الحربية.. وحتي أصبح رئيسا للجمهورية غير عم كامل الذي وقف يرتجف الي أن دعاه الرئيس للجلوس الي جواره.. عندئذ صارح الشيخ كامل الرئيس بسر تمسكه بإبراز البطاقات قائلا: - لقد خشيت يا ريس أن تظنوا بي الظنون.. وتعتقدوا أنني مقصر في أداء عملي دائما ولا أتحقق من شخصيات الناس.. فقلت لنفسي أن الأضمن هو اتباع الاجراءات القانونية بحذافيرها، طالما أنني في حضرة كبار رجال الدولة! ربت الرئيس علي كتف الشيخ كامل.. وظل الموقف محفورا بذاكرته.. ولم يحتفظ من صور الحفل إلا بالصورة التي التقطها المصور للمأذون وهو يدعو الرئيس لإبراز بطاقته.. والرئيس غارق في الضحك