عشرة أيام من سبتمبر سنة 1970 غيرت تاريخ المنطقة كلها وغيرت أشياء كثيرة فى مصر نفسها وفى العالم كله؛ لأن ما جرى فى الشرق الأوسط فى هذه اللحظة وفى هذه الأيام العشرة أثر كثيرا حتى على مجرى الحرب الباردة وكان له أثر كبير على نهاية هذه الحرب، وأظن أن هذه الأيام أثرها موجود فى موازين القوى السائدة حتى هذه اللحظة. وقد بدأت هذه الأيام العشرة من 18 إلى 28 سبتمبر، وفى هذه الفترة كمية التغييرات التى حدثت كانت غير معقولة وغير متصورة. وكانت البداية أن هناك ما بدا لكل الأطراف والمراقبين على أنه لحظة حسم وهناك أزمة عنيفة جدا بين المقاومة الفلسطينية والملك حسين وتصور كل واحد من الفريقين أنه يستطيع تصفية وجود الآخر وأن وجوده أصبح خطرا عليه. وباستمرار، بمقدار أن أوقات الأزمات عصيبة وبمقدار ما هى مرهقة، فأيضا بها فرصة لأن الأمور تصبح فى حالة سيولة ويمكن توجيهها والتعامل معها، وخطوة واحدة من جانب طرف يمكن أن تؤدى لتغيير رئيسى من جانب طرف آخر، وفى هذه الأيام العشرة أظن أن بؤرة الحوادث وبؤرة تجمهر الحوادث كان مؤتمر قمة عربية دعى إلى عقده بطريقة من أغرب ما يمكن. ودعى إليه فى القاهرة وعقد فى فندق هيلتون بالقاهرة وكان من أغرب المؤتمرات، لأن مؤتمرات القمة عادة تبحث قضايا وتبحث مشاكل، لكن هذا المؤتمر أول مرة نجد مؤتمر قمة فى العالم العربى دعى إليه لمواجهة حادثة وقعت وهى مهددة نتيجة لأن القتال يجرى وهناك قوى كثيرة جدا متحفزة، سواء بين السلطة المصرية أو بين المقاومة، ثم إن دول جوار المشرق العربى بالتحديد سوريا والعراق تتصور أن هناك فرصة تستطيع فيها مساعدة المقاومة أو بدعوى مساعدتها تستطيع أن تعطى نفسها أوراقا كثيرة فى أزمة بدا لجميع الناس أنها قادمة على المنطقة. وأهم هؤلاء الأطراف أن إسرائيل كانت جاهزة مستعدة ومتأهبة وكان الملك حسين قد سألهم إذا كانوا على استعداد للمساعدة وهم فى ذلك الوقت كانوا بمساعدة أمريكية وبتأييد أمريكى، وكانوا يستعدون لضربة جوية على القوات السورية التى دخلت الأردن بطريقة غريبة جدا لأنهم زحفوا إلى مكان العراقيين مهددين بالدخول لغرب الزرقا مكان القوات المتمركزة ويزحفون بعدها إلى عمان. ولا يقتصر الموقف هنا على ضرب المقاومة وتصفيتها ولكن أيضا على ظرف سوريا وإحراجها وأيضا لضرب قوات عراقية وعلى تصفية وضع فلسطينى متمركز فى الأردن، والأحوال فى منتهى الصعوبة. وكان مؤتمر القمة الذى دعى إليه فى القاهرة كنت مستعدا وقتها أن اسميه مؤتمر إسعاف أو حتى مؤتمر حوادث، فكانت هناك حادثة جرت وهناك عملية مساعدة ضرورية بدت أنها مهمة جدا، ولم يكن هذا المؤتمر ببطاقة دعوى ولم يكن هناك جدول أعمال ولم يجر بالطريقة التقليدية أو أن يتم عقده فى الجامعة العربية، وتم تنظيمه بالتليفونات، وحتى لما حضرت أوراق هذه الأزمة قسمتها لعشرة أيام بعشرة ملفات؛ كل ملف به صورة لجريدة الأهرام، والصورة الأولى منها تظهر كيف كانت تسير هذه الحوادث. والشىء الآخر هو تسجيل التليفونات التى كانت تأتى لى كمسئول رسمى وكوزير إرشاد مسئول عن الرقابة الخارجية، وكانت الرقابة الخارجية موجودة فى اختصاصى وكل المكالمات الدائرة بين الملوك والرؤساء فى شأن الدعوة والتنادى إلى هذا الاجتماع ولم يكن اجتماعا طارئا ولا استثنائيا، فهو اجتماع دعى إليه بالتليفون كما تدعى قوات النجدة. والشىء الآخر الموجود فى هذا الملف هو ما الذى رأيته فى هذه الفترة، والشىء المهم هنا هى وثائق مجلس الأمن القومى الأمريكى الذى يظهر الناحية الأخرى من الأزمة، وأنا هنا أعرف كيف كانت الأزمة وكيف كانت تتحرك بالتليفونات للتجهيز لمؤتمر الطوارئ وماذا جرى لكى يمكن أن أشاهده من موقعى، لكن لم تكن وثائق الإسرائيليين كاملة وهى وثائق يتلاعب فيها أحيانا وبعضها يخفى، وبالتالى من الصعب الاعتماد عليها كمرجعية. وهذه الرؤية ضرورية جدا لكى تكتمل أركان الأزمة الأربعة، وبالتالى أنا أعتقد أن الأمريكان فى هذه الأزمة كانوا أهم بكثير من الإسرائيليين لأنهم كانوا يديرون ولديهم تصور للمنطقة وعلم أكثر وأوضح لما يريدون أن يفعلوا. وأول شىء يطالعنى فى هذه الملفات السيد الباهى الأدغم رئيس وزراء تونس وهو أول رجل خطرت له فكرة عقد مؤتمر قمة عربية لحل الأزمة القائمة. واتصل باهى الأدغم بالتليفون بالرئيس جمال عبدالناصر، وقال له الأمر يقتضى قمة فقال له عبدالناصر ماذا ستفعل هذه القمة ويسأله عبدالناصر عن مدى فاعلية هذه القمة وفى أى ظروف وتمضى المكالمة، ولكن لرغبة عبدالناصر فى حدوث شىء والناس كلها تبحث عن وسيلة للخروج من نهر الجنون الذى يسير فى عمان، وافق عبدالناصر. وهنا نص مكالمة بين القذافى وعبدالناصر من مكتب الرقيب العام ويقول لعبدالناصر ماذا عن صحتك وقال له القذافى إن الباهى الأدغم اتصل بنا بالأمس واليوم بخصوص الاجتماع فى القاهرة وقال له وافقنا، وقال القذافى إن الملك فيصل لابد أنت أن تتصل به فقال عبدالناصر إنه أرسل له بالأمس لكنه لم يتلق ردا وقال له الكويت وافقوا، وقال عبدالناصر إنه لن يرسل لبكر رئيس جمهورية العراق فى ذلك الوقت وطلب من القذافى أن يطلبه هو. وبعد ذلك قال عبدالناصر إنه لن ينظم الاجتماع إلا فى وجود الملك حسين بشكل أو بآخر ولم يطلب الملك حسين عقد اجتماع، وقال عبدالناصر إنه أرسل برقيتين للملك حسين ولياسر عرفات، وكان ياسر عرفات فى ذلك الوقت قد تم تأمينه فى مكتب المخابرات العسكرى لأننا كنا قلقين، ويقول القذافى إنه قرر أن يحارب، فسأله عبدالناصر كيف سيرسل قوات، وأن أى قوات سترسلها سيتدخل الأمريكان، ولا نستطيع فى ذلك الوقت أن نرسل قوات وإلا سنزيد من حدة الأزمة وتفاقمها، وقال القذافى إنه سيرسل قوات صاعقة وأنه لا يمكن الانتظار، فقال له عبدالناصر أن ينتظر وأنه إذا تحقق هذا الاجتماع وتحقق وجود القادة العرب وأخذوا موقفا، يمكن أن نصل لوقف إطلاق النار، وقال له معمر إنه كان يفكر فى أن يتم توجيه إنذار مشترك إلى الملك حسين فى ساعة معينة يتم فيها وقف إطلاق النار وإذا لم يستجب له ندخل بقوات، فسأله عبدالناصر كيف تدخل بقوات فى هذه اللحظة، وبعد ذلك فى وسط الكلام قال له إذا كنت لا تستطيع الانتظار أرسل متطوعين ليتسللوا لكن ليس هذا هو الوقت لإدخال قوات. وفى ذلك اليوم لم يجتمع مجلس الأمن القومى الأمريكى، وفى اليوم الثانى يوم 20 سبتمبر بدأ هذا اليوم بأن قرر عبدالناصر أن يرسل الفريق صادق إلى عمان ووصل إلى هناك والتعليمات لديه أن يحاول وقف إطلاق النار بكل وسيلة وأن يتأكد من تأمين ياسر عرفات وقادة المقاومة الموجودين فى عمان. وكان أول هاتف فى هذا اليوم من باهى الأدغم يقول لعبدالناصر ما هى الصورة لديكم ويقول له إن هناك ردودا متأخرة وأنه جاهز للسفر للقاهرة وقال له عبدالناصر تعال، لكنى اكتشفت أن الدعوات بالهاتف لا تصلح لأن الدعوة للملك فيصل لم تأت بشىء وأرسلت له اليوم حسين الشافعى، وسأل الباهى الأدغم عن طريقة لكى يأتى الملك حسين فقال عبدالناصر نحن نحاول أن نقول له أن ينضم إلينا لأن الأمور لا تحتمل هذا الذى يجرى، ولا يبدو لى أن الملك حتى هذه اللحظة مستعد للحضور لكن الأخبار جاءت لى من الفريق صادق بأن الملك سيبعث برئيس الحكومة العسكرية وهو الزعيم محمد داود. وتسير المسائل، وأجد الباهى يكلم عبدالناصر مرة أخرى وسأله عبدالناصر من رد عليه حتى الآن فقال له أن الردود جاءت كثيرة لكن هناك من تأخر مثل الجزائر لم ترد والعراق لم ترد والمغرب لم ترد وسوريا فقط التى ردت، فقال له عبدالناصر إن معلوماتنا حتى هذه اللحظة أن سوريا لا تريد الحضور فقال له وماذا عن الملك حسين، فقال الباهى إن الملك حسين أبلغهم بموافقته وقال عبدالناصر إن الملك حسين وهو أمام الفريق صادق لم يبد أنه موافق لكن يبدو أنه سيرسل رئيس وزرائه العسكرى، وقال له ياسر عرفات موجود، وأنه بالأمس كان فى السفارة المصرية لكن اليوم عرفنا أنه ذهب لبعض المواقع. وقال الباهى إنهم جاهزون للسفر للقاهرة وطلب من عبدالناصر أن يجمعهم مكان واحد بعيد عن رسميات الجامعة العربية لكى يتشاوروا مع بعضهم بحرية ويتصلوا. وقال له عبدالناصر نحن جهزنا هيلتون النيل فى ذلك الوقت وأصبح مخصصا لمن يأتى. وبعد ذلك اتصل القذافى بعبدالناصر فقال له إنهم سيتحركون الساعة 3 بتوقيت ليبيا، وقال عبدالناصر إنه مازال فى الاسكندرية وقرر عبدالناصر قطع إجازته ليذهب إلى القاهرة. وكان معه القذافى قبلها بأربعة أو خمسة أيام وعاد بعدها لليبيا. وفى ذلك اليوم وضعت فى الأهرام لمدة ثلاثة أيام عناوين عن الحكومة العسكرية فى الأردن وانفجار أزمة بين الحكومة والمقاومة، والفريق صادق يحمل رسالة عبدالناصر والنميرى والقذافى، واتفق النميرى مع معمر القذافى أنه يتحدث باسم البلدان الثلاثة التى سمت نفسها فى ذلك الوقت مجموعة طرابلس، وفى اليوم الثالث فى هذه العناوين الموقف مروع فى عمان، والقاهرة تبذل جهدها لوقف الحرب، وفى هذا اليوم سواء فى المؤتمر المنعقد فى القاهرة أو التليفونات الدائرة والاتصالات هناك اجتماع لمجموعة العمل فى واشنطن، واجتمع مجلس الأمن القومى برئاسة هنرى كيسنجر فى وجود مدير المخابرات وكان الكلام فيه واضحا لأنهم كانوا يتابعون ما يجرى فى القاهرة، وطلب كيسنجر مراجعة الموقف، لأنه لايزال الأردنيون يطلبون ضربة جوية وإذا لزم الأمر ضربة إسرائيلية، وتقدير سفيرنا فى إسرائيل كما يقول كيسنجر إنهم لا يريدون قوات برية فى هذه اللحظة، ويريدون ضرب السوريين بالجو، ونحن طلبنا من السفير أن يأتى بإجابة واضحة من الملك حسين ونقلنا رغبة الملك لإسرائيل وزكيناها بتشجيع إسرائيل على ضرب القوات السورية لكن يبدو أن هناك أشياء تحدث فى ذلك الوقت حول نصائح للسوريين بالابتعاد. وقال كيسنجر: إن المملكة المتحدة معنا، وقال الجنرال مورر لقد أحرز الملك تقدما معقولا فى عمان ولكن هناك مسألة مهمة جدا أن الملك لا يستطيع أن يخلع المقاومة من عمان ولا المقاومة تستطيع أن تخلع الملك، وبالتالى نحن أمام موقف خطير وإذا تدخل السور أو العراقى فنحن أمام مشكلة ومجلس الأمن الأمريكى يناقش عناوين الأهرام وهى اجتماعات قمة فى القاهرة ووصول القذافى والأتاسى والنميرى والباهى الأدغم، ووصل عدد من رؤساء الدول لبحث الموقف الخطير، والملك حسين يوقف إطلاق النار ضد المقاومة بعد رسالة مهمة من عبدالناصر سلمها للفريق صادق. وفى واقع الأمر لم تكن هذه رسالة طبيعية وكان جمال عبدالناصر فى انتظار الملوك والرؤساء وهو يرى تقارير الفريق صادق ويرى أن المقاومة قبلت وقف إطلاق النار، وهنا حدث إشكال غريب، فالمقاومة قبلت وقف إطلاق النار والملك حسين بدأ يبحث هذا الموضوع، وإذا بالمقاومة تعود، ونكتشف أن أبوإياد وهو الرجل الثانى فى المقاومة قبل وقف إطلاق النار، لكن عرفات وجد أن الشروط التى قبلها أبوإياد غير مرضية فرفضها، وبالتالى تجدد إطلاق النار، لكن أصبحت المقاومة على خطأ لأنها قبلت ثم رجعت وبدا أن الضرب أشد ضراوة وهنا فى هذه اللحظة وجه جمال عبدالناصر إنذاره الذى أشرت إليه من قبل، للملك حسين، وأمامى رد الملك حسين عليه. الكلمات الواردة بلسان جمال عبدالناصر للملك حسين، كانت شديدة جدا وأنه يتحمل المسئولية، وأن الظروف الأخيرة دفعته لأشياء، وأن هذه فرصة أخيرة متاحة لنا جميعا لكى يكون تصرفنا على مستوى المسئولية. كانت الرسالة شديدة جدا والملك حسين أمامه شيئان، ألا يرد أو يرد على هذه الرسالة ويقرر هل سيحضر أم لا، فقال حسين وهو يرد الرد الهاشمى التقليدى أنه تلقى الرسالة الأخيرة وأنه بصراحة لم يكن ليقوى على تحمل الألم الذى خلفته فى نفسى لولا أنها جاءت من عبدالناصر وأنه أحب الإخوة لقلبه وسيظل كذلك ولا أتغير ولا أتبدل حتى لو كان يعيش أقصى لحظات عمره وحياته، وأنه بكل ما تتحمله نفسه أضع بين يديك الحقائق التالية وبدا الملك لا يقول الناحية الأخرى من الصورة فدائما فى السياسة العربية كلام يقال فى الظاهر وهو شديد التأثير وكلام يدور فى الباطن وهو شديد الخطر. وقبل ما أقول لماذا كان شديد الخطر، أرسل الملك حسين جوابا يعتذر فيه عن عدم الحضور لأن الموقف فى عمان خطير «وأحب أن أؤكد لك يا أخى أن وجودك كوجودى فى تلك الاجتماعات، فقضيتى قضيتك وقضية مصير أمتنا من قبل ومن بعد وأعتبر الوفد الأردنى جزءا من بلدك الشقيق». وكان وقتها قد أرسل الملك حسين رئيس وزرائه العسكرى لكن ما حدث أنه أرسل رئيس وزرائه واستقال. وأمامى استقالة رئيس وزارته، وقال له فى آخرها ما يدور فى عمان وفى المدن لا يخدم إلا هدف العدو ويحقق آمال المتآمرين، وقرر أن يستقر فى القاهرة. وأصبح الملك حسين فى وضع فى منتهى الصعوبة وفى ذلك الوقت كان هناك ملوك ورؤساء يأتون لكن هناك أناسا يتجمعون فى القاهرة وهم لا يعرفون ماذا يريدون أن يفعلوا، وكنت موجودا فى هذا المؤتمر وعضوا فى الوفد الرسمى المصرى، وكنت أرى أمامى مشاهد لا أكاد أصدقها لأن هذا العالم العربى على مستوى القمة وهناك نوايا حقيقية ونوايا ظاهرة وهناك رغبة فى عمل شىء لكن ما الذى يستطيعون القيام به، خصوصا عندما أنتقل إلى وثائق مجلس الأمن القومى، يرعبنى ما أراه، لأنه يظهر إلى أى مدى خطورة الموقف لأنه فى ذلك الاجتماع فى مجلس الأمن القومى، والاستعدادات العسكرية الأمريكية وأجد أن هناك أوامر بتحركات وأوامر للبحرية وحاملتى طائرات مع السفينة الحربية سبرينج فيلد و14 مدمرة و140 طائرة وقوات برمائية و1200 عسكرى أمريكى من مشاة البحرية. واجتمع الملوك والرؤساء وقرروا إرسال وفد على مستوى عالٍ للملك حسين الذى رفض حضور المؤتمر وكان فى حالة هياج بعد استقالة رئيس وزرائه وكان فى تصميم على المضى فى المعركة. واختاروا فى الوفد الرئيس النميرى والباهى الأدغم والشيخ سعد سالم الصباح وتم إرسالهم إلى الملك حسين، وكانت استقالة رئيس وزرائه جعلته غير قادر على أن يتحدث فى شىء أو مناقشة شىء أو موضوعات بطريقة حاسمة، وكان قلقا وقتها من الجيش ومدرك فى هذه اللحظة أن اعتماده أكثر على ما تستطيع إسرائيل أن تساعده به إذا تدخلت سوريا لكن اعتماده أشد على الأمريكان وهو يرى قواتهم تأتى فى البحر. ولما ذهب وفد القمة وعاد ولم يحقق شيئا، واشتد القتال وظل الوفد فى السفارة المصرية، وحاولوا الاتصال بياسر عرفات لكنه كان بعيدا فى وحدة من الوحدات، وقابلهم الملك وعاد الوفد مرة أخرى للقاهرة، وفى ذلك الوقت اكتمل عدد الملوك والرؤساء واجتمع رؤساء الدول العربية تقريبا فى القاهرة وجاء الملك فيصل ومعمر القذافى وغيرهما وكان العالم العربى موجودا بفندق هيلتون والعالم كله يشاهد ما يتحرك فى البحر والدم يسيل والانفجارات فى عمان مستمرة. وفى ذلك الوقت انسحب السوريون وبدأوا يتحركون تحركات غير مفهومة، وفى القاهرة كانت هناك محاولات لترتيب الموقف. ويقرر عبدالناصر والملك فيصل إعادة وفد القمة مرة أخرى ويتحدث عبدالناصر مع الملك حسين بجدية فى أن هذا الموقف سوف يؤدى إلى كارثة، ولا أحد يعلم عواقبها. وينضم للوفد الذى سيذهب للأردن مرة أخرى حسين الشافعى وقاموا بشىء مهم فى الأردن وتحدثوا مع الملك حسين وكان واضحا أنه أكثر هدوءا بعد تداعيات استقالة رئيس وزرائه. وبدا الملك حسين أنه فى موقف حيرة مع حيرة الأمريكان فى التدخل ومعرفة ظروف المقاومة وكيف يهبطون وينزلون على الشواطئ الإسرائيلية ويدخلون للأردن، من إسرائيل. وأعطى الشيخ الكويتى سعد سالم الصباح العباءة الخاصة به وقبعته للملك حسين وسار مع الوفد ولم يكن الأردنيون فى مزاج لتفتيش الوفد الخارج ولما وصل ياسر عرفات للقاهرة وانضم للموجودين فى الهيلتون، اختلفت الصورة فى عمان، وتحدث الملك حسين مع جمال عبدالناصر وكان الملك حسين هو من اتصل ويقول له كيف الحال، وقال الملك حسين إن الحالة الآن أهدأ فقال عبدالناصر نعم، وقال الملك إن التصريحات تقلقهم، وإنه ملتزم ومستعد أن يأتى ولكن وإذا أردت أن آتى الصبح وتريدنى أن أحضر، فقال له وهذا يكون أفضل، وقال عبدالناصر إننا لا نرغب فى إحراج أحد ونحن نريد الوصول لاتفاق. ويأتى الملك حسين ومجيئه يتسبب فى مجموعة من الأزمات، وأعتقد بأن هذا المشهد وهذا المؤتمر من أغرب المشاهد، لولا أن خلفية المشهد تأخذ المنطقة كلها إلى مجهول لكان مشهدا مسليا جدا، لأن كل الناس فى حيرة. وحدث ذلك المشهد لما بدا موجودا فى الهيلتون الملك حسين وياسر عرفات وكانت هناك مواقف غريبة، حيث قال معمر القذافى إنه لا ينبغى أن يسمح للملك حسين أن يدخل قاعة الملوك والأمراء أبدا ويظل فى الخارج، وقالوا له إنه لا يصح أن يجلس بالخارج فقال القذافى إنه سيخرج فى هذه الحالة، ودخلنا وقتها لنوع آخر من الأزمات، وحاول الناس تهدئة القذافى. وفى أوقات نبالغ لكى نحدث تأثيرا ونسينا أن المبالغة لا تحدث أى تأثير، لكن ياسر عرفات كان يتحدث عن مئات الألوف من القتلى والجرحى، ونحن كنا وقتها نعد للمعركة وكل الأزمات التى تعرضنا فيها والحملات كلها كان الهدف منها إدخال حائط الصواريخ والكلمة التى كان جمال عبدالناصر يقولها دائما، هى ما هو هدفنا؟، ونعرف كيف نستطيع أن نتجمع حول هذا الهدف، وإذا لم نعرف فنحن فى مشكلة مرعبة. وبعد ما جاء الملك حسين ودعى إلى قاعة رئيسية فى الفندق وأعدت على عجل وجهزت لكى تكون قاعة للاجتماع الوحيد النظامى فى هذا المؤتمر، ولما دخلت القاعة فوجئت برفض ياسر عرفات أن يترك مسدسه ودخل به الاجتماع ولما جاء الملك حسين دخل هو الآخر بمسدسه وكذلك العقيد القذافى كان يرتدى زيا عسكريا ومعه مسدسه. ولما دخلت قاعة المؤتمر وجدت الملك حسين يقف مع بعض الضباط الذين جاءوا معه فى الوفد يتحدثون، ولم يرض معمر القذافى أن يجلس مع الملك حسين وأبدى ضيقه وتبرمه، وكانت هناك وفود كثيرة لا تعلم ماذا تفعل، ولما ذهبت للملك فيصل وقلت له إن القاعة بها سلاح وأنت الوحيد الذى يستطيع نزع السلاح فقال لى والله قبل ما أدخل هذه القاعة كنت أعرف أن هناك مجانين كثيرين فى العالم العربى لكن لما دخلت هنا خفت على نفسى أن أكون المجنون الوحيد، وأنا لا أستطيع أن أنزع سلاح هذه القاعة ولا يستطيع أحد سوى الرجل الذى خلفك، فالتفت فوجدت جمال عبدالناصر. وقال الملك فيصل له انزع سلاحك هذه القاعة من فضلك. ثم جلسنا واتفقنا على محادثات خطوط عامة وأن الهدف الرئيسى منها وقف إطلاق النار واتفق على تشكيل لجنة فرعية يترأسها السيد الباهى الأدغم وأنا والفريق صادق، والمهم تم عمل بيان ختامى لكل رئيس فى جناحه ليدرسوه ويأتوا فى اجتماع نهائى للموافقة عليه. وبالنسبة للمناقشات فى البيان الختامى لم نأخذ وقتا طويلا لأنه كان هناك داخل اللجنة المصغرة لجنة أخرى بها وزراء خارجية تقوم بعمل هائل وكانت هناك مسألة مهمة وهى تهدئة هذا الموقف الخارجى المحيط بالأزمة والاتصال بسوريا. وكانت اللجنة التى كنا بها تقوم بعمل بيان نهائى للمؤتمر لكن هناك وزراء خارجية يقومون بما هو أهم، وهو تهدئة هذه الوحوش المجنونة الهائمة على أرض المنطقة والتى يمكن أن تؤدى حركتها غير المحسوبة إلى كوارث كثيرة. وأجد هاتفا من أغرب ما يمكن من القذافى، ولم يكن يريد الجلوس مع الملك حسين، ولم يكن يريد أن يسلم عليه لكن ما حدث أنه جلس معه فى القاعة وتحدث فى الهاتف مع أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة مع مختار القروى، وقال له يا مختار انشروا فى إذاعة طرابلس أننى لم أجلس مع حسين راضيا ولا سلمت عليه لكنه ضغط الأمراء والرؤساء بسبب المراسم، ولا بد لصحف ليبيا وإذاعتها أن تظهر ذلك. أى شخص يلقى نظرة ينتابه قلق وسيارة الاسعاف التى أتت على مؤتمر قمة تقوم بعمل شىء لكن النظرة واضحة أن هناك عاصفة على المنطقة يحاول بعض الناس صدها لكن هبوب العاصفة شديد للغاية.