كثيرا ما يجرى بين الدارسين والباحثين والكتاب ربط بين التاريخ وبين المسرح وإلى حد ما فإن هذا الربط يبدو منطقيا.. وليس هناك تجاوز أن يقال أحيانا مسرح التاريخ ومسرح السياسة ومسارح القتال، وتعبير المسرح فى التاريخ موجود وشائع فى الكتابات وعلى الألسنة، لأنه فى واقع الأمر هناك صلة بين الإثنين فالتاريخ هو مجرى الحوادث والمسرح محاولة لتجسيدها، والتاريخ فى واقع الأمر حياة مكبرة موجود فيها صراعات الشعوب والأمم فى سبيل محاولتها للتقدم والغلبة. والمسرح فى واقع الأمر حياة مصغرة فيها البشر ونزاعاتهم مع أنفسهم وداخل أنفسهم ومع غيرهم من الناس، وبشكل أو بآخر هناك ربط بالإيحاء بين التاريخ وبين المسرح، وبشكل أو بآخر حتى فى البيوت المسرحية التى نشأت كالمسرح البريطانى بإنجلترا وتتعدد المسارح داخل نفس البناء مثلما تتعدد مواقع التاريخ فى نفس العصر ، على سبيل المثال كنت أقول المسرح الوطنى البريطانى فيه أكثر من مسرح وهناك مسرح رئيسى تقدم عليه الأعمال الكبرى التقليدية والكلاسيكية الكبرى، وهناك مسرح إضافى وكبير أيضا تقدم عليه الأعمال المستجدة، وهناك مسرح ثالث تقدم عليه الأعمال التجريبية، وهناك مسرح تقدم عليه المحاولات العبثية كيفما تكون وحتى وإن كان العبث فيها محاولات فنية قد تبدو جريئة، وأعمال ومؤلفات مثل بكيت الذى عمل مسرحية لا يوجد بها إلا متكلم واحد، وهذه الأشياء كلها عندما تبدأ، تبدأ عادة على المسارح التجريبية وفى التاريخ أيضا، يحدث ذلك فيكون هناك مسرح حديث للحوادث ومسرح رئيسى وثانوى ومسرح تجريبى وفى بعض المرات يكون هناك مسرح عمل. فى الوقت الذى كنت أتكلم فيه عن أن حوادث الشرق الأوسط تتعدد على مسارح مختلفة، كان هناك مشهد مخيف موجود فى عمان، لأن جبل الغضب الفلسطينى كله إنزاح على الضفة الغربية فى الأردن، وفى عمان فوهة البركان ونحن فى تلك اللحظة فى سبتمبر سنة 1970، أمام بركان ينفجر بنار. وكانت هناك مسارح أخرى فى القاهرة وهى سياسية وأناس يبحثون عن أنفسهم وأشياء وأوضاع موجودة، وأظن أنه كان فى ذلك الوضع هناك أطراف عربية وأنا لا أريد أن أظلم أحدا، أظن أن حزب البعث فى سوريا وحزب البعث فى العراق،كلاهما يبحث عن أخذ الأزمة فى يده إلى نزع الزعامة إليه فى العالم العربى، ومرات عندما يطل انسان على ما يحدث فى العالم العربى فأظن أن العالم العربى هزم نفسه أكثر مما هزم أعداءه لأنهم كانوا فى وقت من الأوقات وحتى اليوم مثل حكمة قالها سقراط فى أحاديثه لتلاميذه (إن الآلهة عندما تغضب على أحد لا تنتقم منه لكن تكلفه هو أن ينتقم من نفسه ويسىء لنفسه). ويتهيأ لى أنه كانت هناك آلهة موجودة كلفتنا بأن نهزم أنفسنا، ولكن على أى حال كان هناك مسرح موجود فى بغداد وفى دمشق، وهم موجودون وفى مواجهتهم لأزمة كبيرة ولقوة رئيسية أساسية فى القاهرة وفى مواجهتهم لأحداث طارئة وفى لهجة خطابهم كله بدا أن يأخذوا مواقف فى هذه الأزمة، أجدها تقريبا نوعًا من المسرح العبثى الذى يجرب،لكن مشكلة أن كبار المؤلفين المسرحيين حينما يجربون كانوا يريدون أن يمسكوا بشعور أو بحالة نفسية أو بوهم وتصور أشياء، لكن هنا لم تكن القوى الموجودة على ساحة التاريخ تتصور أشياء يمكن أن تقوم بها. خطر لى أن أسلوب المسرح أفضل طريقة لتشبيه السياسة، وقسمت هذا الحديث لمشاهد، ونبدأ هنا بالمشهد الأول، أو أزمة عمان ونحن فى ملابسات هذا الصراع المسلح بين جيش الملك حسين وفصائل المقاومة الفلسطينية، وفى اللحظات الحرجة التى وضع فيها الملك حكومة عسكرية ولم يكن رئيس هذه الحكومة قد جاء بعد من القاهرة، واستقال وغير معطيات الموقف كلها، وفى ذلك الوقت كان الفريق فوزى قلقا على الجبهة الشرقية وكان يتصور أن هناك جبهة فى مصر وهناك جبهة شرقية، وأنا هنا أتكلم فى ميادين القتال وهذه الاتجاهات وهذه المسافات، فالفريق فوزى وضمن العمليات الموحدة والعمل العربى المشترك أو فى المحادثات المستمرة فى مؤتمرات دول القمة، يرسل لرؤساء أركان حرب فى سوريا وفى العراق يقول: إننا ندخل لمرحلة جديدة من الخطة، وكما تحدثنا من قبل فى خطة طرابلس تحدثوا مع السياسيين فى جبهة واحدة، الآن نحن نريد أن ننسق ولا بد أن تكون للعمليات قيادة واحدة بمعنى أن القيادة الشرقية وهى قيادة مستقلة تعمل تحت إمرة قيادة عامة للمعركة كلها»، وهذا ما حدث سنة 1973 إذ كان هناك قائد عام وهو أحمد إسماعيل موجود فى القاهرة وهو قائد الجبهتين. وحين أرسل الفريق فوزى لسوريا فى سبتمبر أثناء تفجر الأزمة فى الأردن، فإذا بالردود تأتى بطريقة غريبة، أولها من الفريق حماد، رئيس الأركان السورى، ومعى هنا الورقة التى أرسلها الفريق فوزى وكنت وزيرا للإعلام وقتها وأرسل لى الفريق فوزى رسالة الفريق حماد التى يقول فيها: إننا نريد أن ننسق خط الاتصال بين القيادة العامة الموحدة للمعركة وبين الجبهات المختلفة»، وكان ذلك القائد موجودا قديما لجيوش وحلفاء تتحرك، لكن ضمن قيادة واحدة لأنه لا يمكن أن تكون جبهة شرقية وحدها وجبهة غربية وحدها، ولا بد أن يكون الاثنان تحت قيادة واحدة وهذه القيادة يجب أن تكون فى القاهرة لسبب بسيط أن القاهرة بها أكبر الجيوش العربية المقاتلة فى خطة العمل المقررة والمنتظرة. وقال الفريق حماد للفريق فوزى: كيف تقول جبهة شرقية وقيادة موحدة»، وشرح له الفريق فوزى، وأجد شيئا غريبا أن رئيس أركان حرب يدخل فى الموضوع ويشتمنى ويقول: إن قولكم فى عدم إمكانكم ذكر العوامل بعين الاعتبار تحاشيا للتطرق إليها، فإذا سمحت لنفسك أو لم تسمح فغالبا صحيفة الأهرام الرسمية الممثلة بهيكلها تكشف الكثير منها رغم الكثير من شكوانا منها ومنه بكتبه الرسمية ومن خلال محاضر الجلسات التى حضرناها معكم. وهنا لم يرسل الفريق فوزى ليقول له إنه آن الوقت لتحديد سنة الاتصال، ومكتوب ورقة يشرح فيها الدواعى العسكرية وهو يرد عليه بقوله: لا يوجد ما يسمى بقيادة موحدة فهناك قيادة شرقية لوحدها وقيادة غربية لوحدها ولا أحد قال إن هناك قيادة واحدة»، بينما ذلك كان قد قيل فى كل مكان، وتصور أن الكلام اليوم عن القيادة الواحدة هو عمل سياسى ولكنه ليس عملا سياسيا، وترد على هذا العمل بالمنطق الحزبى وتقول إننا قرأنا ذلك فى الصحف واشتكينا لكم من جريدة معينة ومن كاتب معين». واندهش الفريق فوزى من هذا الرد لأنه يحدثه فى مسألة عسكرية بحتة خاصة بالتنسيق العسكرى وخطوط الاتصال، فإذا به يرد أنه كتب فى الجرائد وهيكل قال، فكتب الفريق فوزى يقول له: «توقعت أن يكون لك رد عسكرى ، لكن تلقيت منك ردا سياسيا تتحدث فيه عن صحفيين وموضوع لا يخصنا»، ورد عليه مرة أخرى وأجد الرسائل غريبة وأجد وثيقة وفيها مشروع رد الفريق فوزى وأجد الفريق فوزى كتب خطابا وأرسله لى مرفق، وأجد خطى موجودا يقترح تصحيح شىء على الفريق فوزى وأجد خط جمال عبدالناصر موجودا على نفس الوثيقة لأنه أيضا يصحح شيئا أو يطلب حجب شىء بمشروع خطاب الفريق فوزى، لأن التخاطب كان عسكريا، وجعلها الفريق حماد سياسة، ووجد الفريق فوزى نفسه يجهز ردا سياسيا على رد سياسى حزبى آخر، وأجد أن لقاء جمال عبدالناصر مع الملك حسين الذى أشرت إليه قبل ذلك يبدى خلاله دهشته من أن هناك مناقشة جارية بين الفريق فوزى والفريق حماد ونحن نستغرب منها، فهم يتحدثون عسكريا وهو يحدثهم سياسيا ودخلوا فى موضوع آخر، وأشار لى أثناء المحادثات وقال إنهم يشتمون هيكل كثيرا وبعد ذلك قال إن أكثر واحد مبسوط أنه يتشتم، ويظهر أنه تقليد فى السياسة العربية، وهذا هو المشهد الأول. المشهد الثانى هو أن الفدائيين موجودون فى مشكلة فى معركة فى عمان وكل الناس تحاول أن تجد مساعدة للفلسطينيين فإذا بالقيادة السورية تدفع بقوات اقتحمت منطقة الزرقا شرق الأردن بدعوة مساعدة الفلسطينيين، وكان العراقيون يقومون بأمر مشابه، إذ أعطوا أوامر لقواتهم فى مرحلة من مراحل الأزمة، وقالوا إنهم سيعطون أمرا ل17 ألف جندى موجودين فى الأردن منذ أيام حرب 67 وهددوا أن هذه القوات ستأتى من وراء الزرقا لمساعدة الفدائيين، وأمامى محضر اجتماع السفير السوفييتى فى بغداد وبين سفيرنا فى ذلك الوقت يقول إن العراقيين يهددون بأشياء هم انفسهم يعلمون أنهم لن يقوموا بها وعلى أى حال يشعر الفلسطينيون بخيبة أمل مما حدث، وقام السوريون بالتقدم بضعة كيلومترات داخل الحدود الأردنية إلى منطقة الزرقا ووجدوا أن الموقف أخطر مما توقعوا فتوقفوا. وهنا طرف قام بخطوة بالسلاح وتقدم بهذا السلاح لعدة كيلومترات فى بلد عربى أيضا، ولكن الموضوع كان مختلفا والظرف مختلفا ودون إخطار وفيه عملية اقتحام، ونحن مرات نتصرف ونندفع كتفكير عربى ثم نتوقف ونفكر، فالتفكير يجب أن يكون سابقا للحركة قبل اى فعل إنسانى. وبعد دخول السوريين توقفوا بعد أن تبينوا أن الطريق لعمان طويل وأن هناك الجيش الأردنى القادر على التصدى لهم، وبالفعل حدثت معارك ونشأ وضع خطير للغاية لأنه قد تحقق أمام الملك حسين ما سأل الإسرائيليين فيه. فمن أول زيارة عبدالناصر للاتحاد السوفييتى وحدث التغيير الاستراتيجى الذى تحول للمواجهة من المحلى إلى الدولى بدخول الاتحاد السوفييتى وحماية العمق المصرى، حدث تطور خطير شعر به الملك حسين فى ذلك الوقت وأنا اشرت إليه. طرح الملك حسين على الإسرائيليين ثلاثة أسئلة أولها: هل يستطيع أن يعتمد عليهم إذا ما قرر مواجهة الفدائيين ويتعهدوا ألا يستغلوا الفراغ أو التخفيف الناشئ على الجبهة لأنه يستدعى قواته للداخل؟، ثانيها فى هذه الفرصة لا يقومون بأعمال انتقامية لكى لا يشوشوا على ما يجرى فى الداخل، وثالثها هل يستطيعون أن يساعدوه إذا ما حدث أن الدول المجاورة هددته أو اعتدت عليه؟، وكانت إجابات إسرائيل عن هذه الأسئلة أنه يستطيع أن يخفف قواته كما يريد على الجبهة وأنهم مع دول الجوار لا يستطيعون أن يقرروا ويفضلوا أن يناقشوه، وأن العمليات الاسرائيلية سيقومون بها لأنها متعلقة بأمن إسرائيل. والآن نشأ الوضع الذى تحسب منه الملك حسين وسأل فيه الإسرائيليين، وأنا هنا لا أتحدث من خلال قومية أو وطنية أو شىء من هذا القبيل، أنا أتحدث عن سياسة الواقع بكل الخشونة الموجودة، ونشأ الموقف الذى يتحسب له الملك حسين، وسأل الإسرائيليين فيه أن السوريين دخلوا أرضه، وسألهم عن مساعدته على الأقل بالطائرات وأن القوات الأردنية جاهزة للدفاع عن البلد لكنها ستحارب وقتها من جبهتين فى عمان وفى الشمال اذا تقدم الإسرائيليون. وفى المشهد الثالث على مسرح التاريخ ومسرح السياسة ومسرح الحرب، كانت واشنطن قد طلب منها الملك حسين كما طلب من الإسرائيليين عن طريق الأمريكان وسأل فى البداية الإسرائيليين عن طريق نائب السفير الأمريكى فى عمان، وعاد يطلب من الأمريكان أن يسألوا الإسرائيليين وأكثر من ذلك أنه طلب من الأمريكان تزكية طلبه لدى الإسرائيليين، وفى واشنطن فى هذه اللحظة اجتماع مجلس الأمن القومى وأمامى محضرها وهذا مشهد آخر لأن مشهد واشنطن غريب جدا كما يبدو فى محاضر المجلس. فى ذلك الوقت كان واضحا أن الأمريكان يتابعون كل شىء لكن أمامى محضرا قبل أزمة الأردن التى تصاعدت من الإقليمى إلى الدولى، وكان الملك يريد أن يذهب الإسرائيليون للأمريكان ليس فقط للموافقة، ولكن يبدو أن مجلس الأمن القومى عقد اجتماعا مبكرا أمامى محضره وأجد فيه مناقشات من أغرب ما يمكن. أجد فيه الرئيس نيكسون وقد دار حوار بينه وبين مستشار الأمن القومى ووزير خارجيته يسألهما لو طلب منهم الملك حسين التدخل ومواجهة هذا الموقف وكان الإسرائيليون غير مستعدين، ماذا نستطيع أن نفعل، وقال مستشار الأمن القومى: هذه اللحظة لا نستطيع أن نساعد الملك حسين. وكان عندهم خطط طوارئ لكن السوفييت زودوا أسطولهم فى البحر الأبيض وهناك موقف خطير، قد تترتب عليه مواجهة. وأضاف المستشار: الموضوع الآخر نحن مشتبكون فى حرب فى كمبوديا وفى فيتنام والقوات البرية وقيادتها الأمريكية مشغولة بحروب أخرى كثيرة ووعدك الأساسى أيها الرئيس أن تنهى حرب فيتنام وأنت سوف تنهيها بضغط أكبر يؤدى إلى شروط يقبلها الفيتناميون فى ظرف أقصى مما هو الآن، ونحن نزود قواتنا الآن وليس لدينا قوات لنعطيها للملك حسين، وهنا لا مفر من استطلاع قوة الإسرائيليين وما الذى سيقومون به. والرئيس نيكسون يسأل كيسنجر أجدها أمامى فى محاضر المجلس فى مشهد آخر غريب فى مسرح الشرق الأوسط فى هذه اللحظة وأجد أن الرئيس يسأل مدير المخابرات المركزية ويقول له: هل يستطيع الملك حسين أن يقف ويقاوم فيقول له يستطيع لكن الدخول السورى سيربكه لأنه سيضطر لاستخدام جزء من قواته لمواجهتهم، لكن لو ترك كما يشاء سيستطيع أن يصفى هذا الموضوع» ، والرئيس نيكسون قال: الإسرائيليون لو قلنا لهم سيطلبون أى ثمن، وهذا كان كلامًا سابقًا لأزمة الفدائيين ولكن لما جاءت أزمة الفدائيين وتحقق طلب الملك حسين، وكان موجودا، من الأمريكان أن يقولوا لهم ويرجوهم، وكان يبدو أن الملك شعر بأنهم ليس لديهم قوات للمساعدة، وأجد محادثة غريبة بين كيسنجر ورابين الذى كان سفيرا لإسرائيل فى الولاياتالمتحدة وقتها والغريب أنه فى هذه الفترة كانت جولدا مائير شخصيا فى زيارة للولايات المتحدةالأمريكية فرابين ذهب ليقابل كيسنجر ليخبره بأن الملك حسين يطلب منهم التدخل وقال له: وأنت وغيرك من البيت الأبيض اتصلتم بى وطلبتم أن نساعد الأردنيين، وقال رابين: أول مرة أجد الولاياتالمتحدة تقوم بدور ساعى البريد. لا توجد غير الدول العربية التى تستجيب لطلب سخى دون أن تسأل عن مقابل، وهنا يسأل رابين كيسنجر «هل تريدون أن ننفذ هذا وفى هذه الحالة سندخل فى مغامرة لحسابكم ونحن لدينا طلبات، أولها مدى الحماية فى حالة تدخل الاتحاد السوفييتى، والسيدة جولدا مائير أعطت إشارة للقوات بأن تكون فى حالة تأهب ونحن جاهزون لكن نريد معرفة الغطاء الذى ستقدمونه فى حالة دخول السوفييت وبعد أن ننفذ هذه المهمة ما هو المقابل السياسى والمادى لهذه العملية»، على الرغم من العلاقات الحميمة بينهما لكن مصالح الدول لا تعرف ذلك. والمشهد الذى بعد ذلك فى المسرحية العبثية التى تجرى فى الشرق الأوسط، أجد أن الأمريكان لديهم اجتماع فى مجلس الأمن القومى والاجتماع يقرر أنه لا وسيلة لدخول الولاياتالمتحدة لأنها مشغولة فى جهات أخرى، لكنها تستطيع أن تغطى أمام الاتحاد السوفييتى وتستطيع أن تقنع الأطراف بالحذر، ووافقت أمريكا على أن تقوم إسرائيل بالمهمة وأن أمريكا ستتحمل معها تكاليفها، وقرار بتحريك 3 حاملات طائرات موجودة فى البحر الأبيض، وتتحرك حاملات الطائرات شرق البحر الأبيض وتدخل البحر الأبيض وتكون إشارة واضحة أمام الاتحاد السوفييتى. وهنا حينما أجد الرئيس نيكسون يقوم بالتحركات فى البحر الأبيض لحماية إسرائيل أجده لم يكتف بذلك فرأى أن يدعم نظريته فى اعتماد الوكيل المحلى ويدعمها بأن يسافر بنفسه للمنطقة ويكون موجودا على قطع الأسطول الأمريكى السادس، وهنا وجدوا خطوط سياسة يمكن أن تعتمد وتؤثر فى هذه اللحظة، وهو يرى التأسيس لها، والرئيس الأمريكى مستعد ان يمارس دوره على المسرح ذاته فيذهب لحاملات طائراته فى البحر الأبيض، وهذه الأزمة كلها محتدمة بين سوريا والعراق والأردن وفوهة البركان تعمل فى الأردن بهذه الطريقة وتقذف حمما ونارا. وذهب الرئيس الأمريكى لأسطوله فى البحر الأبيض وأجد شيئا مهما جدا قام به نيكسون قبل أن يترك الولاياتالمتحدة أنه استدعى السفير الإسرائيلى رابين لكى يقول له إن استعداد إسرائيل للدفاع عن المصالح الأمريكية وعن أصدقائها أمر لن تنساه الولاياتالمتحدة، وقد أظهر قيمة كبرى فى وقت أزمة، ورابين فى مذكراته يوم 25 سبتمبر يقول إن الرئيس نيكسون طلب منى نقل رسالة إلى جولدا مائير أنه لن ينسى دور إسرائيل فى منع تدهور الحوادث فى الأردن والتى كانت بصدد قلب نظام الحكم هناك وقال إن من حظ الولاياتالمتحدةالأمريكية أن يكون لها حليف مثل إسرائيل فى الشرق الأوسط، وتلك الحوادث ستؤخذ فى الاعتبار فى كل التطورات المستقبلية، وعلق رابين فى مذكراته أن ذلك كان أهم تصريح لرئيس أمريكى بشأن التحالف المتبادل بين البلدين. وأظن أن ما كتبه ويليام كونت وهو أحد ابرز المستشارين فى الأمن القومى الأمريكى، وهو سكرتير مجلس الأمن الأمريكى واستشهدت بما كتب فى هذا الموضوع كثيرا، وفى هذا الوقت الذى كتبه فى أزمة الشرق الأوسط، وفى هذه الأزمة بالتحديد قال إن عبدالناصر حاول تهدئة الموقف ووقف الأزمة وطمأنة السوريين والعراقيين ومنظمة التحرير، إلى آخره، لكن أهم ما حدث فى ذلك الوقت وفاة جمال عبدالناصر وانتهاء حركة القومية العربية، وهى عقبة من عقبات السياسة العربية، وأن من المصادفة أن ذلك يتوافق مع بدء علاقة استراتيجية أمريكية إسرائيلية جديدة هى فى الواقع بمقتضاها أصبحت إسرائيل وكيلا معتمدا للولايات المتحدة فى الإقليم. وكانت القوات الإسرائيلية تقوم بالاستكشاف ليلا وتصور المواقع السورية وكانت القاهرة، لديها حالة قلق بسبب الحرب الأهلية فى عمان وحركة قام بها العراقيون بالتشويح والتلويح، والسوريون فى هذه اللحظة دخلوا، وكان التربص بهم واضحا وجمال عبدالناصر كان قلقا للغاية على القوات السورية، وكانت هناك إشارات التقطت بواسطة شبكات الالتقاط المصرية على شركة أرامكو وهى شركة البترول الأمريكية، وعندها تحذير بأن الإسرائيليين سيتدخلون فى الأردن، فيجب أن تحموا مواقعكم فى السعودية والا يكون أحد فى إجازات فى ذلك الوقت لأنه قد تنشأ مخاطر عمل إسرائيلى فمن الأفضل أن ينتظروا وألا يكون هناك سبب لأى استفزاز يحدث فى أى موقع سعودى، ولما التقطت هذه الإشارة بالقاهرة حدث على الفور أن استدعى أحد الضباط وأظن أنه كان اللواء محرز مدير المخابرات العسكرية العامة وطلب إليه أن يذهب فورا بطائرة خاصة لسوريا وأن يقابل وزير الدفاع حافظ الأسد، وأنا لست متأكدا بنسبة 100% أن اللواء محرز هو من ذهب لكن الاشارات التى أمامى تقول انه هو، وفى كل الأحوال ذهب ممثل شخصى عسكرى سريع جدا إلى حافظ الأسد وزير الدفاع وقتها وأعطاه الصورة كلها وقال له أنتم معرضون لخطر ونحن لا نستطيع أن نتقبل مخاطر جديدة والموقف فى عمان فى منتهى الخطورة ودخولكم أيضا هناك وسيكون هناك ضرب إسرائيلى خلال ساعات، وقال حافظ الأسد إن هناك بالفعل عمليات استطلاع، وبعد أن وصلت القوات السورية لأراضى الأردن عادت مرة أخرى لكن قبل ذلك نجد رسالة، وأنا أعرف سفيرنا فى دمشق فى ذلك الوقت ممدوح جبة أرسل له التعليمات وكان هناك مبعوث عسكرى ذهب لهم وهو اللواء محرز، وطالبهم بالعودة واستجابوا، والقيادة المدنية فى ذلك الوقت تحركت وذهب السفير المصرى ليقابل الرئيس السورى، وابلغه رسالة تقول إن هناك موقفا خطيرا جدا وأنه يدعوه لمؤتمر القمة، وقال له رئيس الدولة السورى: موقف سوريا معروف ولم يتغير خاصة بعد أحداث الأردن ولن تجمعنا صلة بالخائن الكبير الملك حسين الذى يتهمنا بالجاسوسية وهذا موقفنا ويرجى إبلاغه للسيد الرئيس»، وقال إن هناك 150 دبابة دخلت الأردن، «ونحن ننوى أن نقدم للفلسطينيين كل ما يحتاجونه، والبرقيات تنهال علينا من كل الأرض، تطالبنا بالتدخل الفورى لمنع المقاومة حتى لا يقضى عليها الملك حسين»، وأطلعه على برقية من سفارة طرابلس تقول إن ليبيا قررت التدخل عسكريا. والقوات التى ذهبت للرمثا شمال مدينة عمان مكشوفة ومعرضة للضرب فى أى وقت لكن هنا مسرح السياسة العربية ما يجرى عليه لا يكاد يعقله أحد، ومشهد آخر لهذه المسرحية الغريبة، أجد اجتماعا لمجلس الأمن القومى والرئيس نيكسون يقول متى ستتدخل إسرائيل وتضرب ولكننا لا نريد أن تتدخل إسرائيل، نريد أن يتدخل أحد مع إسرائيل، ويسأل الرئيس نيكسون بأن يتصل بشاه إيران، وشاه إيران فى هذه اللحظة مهم، لأن الأمريكان والإسرائيليين تحسبوا فى مشاورتهم، أنه إذا ضربوا السوريين من الممكن للعراقيين أن يدخلوا المعركة. والرئيس نيكسون فى ذلك الوقت يطلب من مستشاره للأمن القومى أن يتحدث لشاه إيران ويطلب إليه أن يحشد قوات أمام العراق لكى يشعر العراق أنه مهدد من الخلف ولا يستطيع أن يتقدم لا من الأردن ولا إلى سوريا وبالفعل فى هذا الوقت، تتحرك المسارح «السياسة» و«التاريخ» و«الحرب» الكل يمشى مع بعضه. وحينما تحدث مستشار الأمن القومى مع شاه إيران كانت الكتابات والوثائق كلها مسجلة وأجد أن السفير الأمريكى فى طهران يقابل الشاه، والشاه مستعد، وفورا المواقع الموجودة فى إيران سوف تبدأ بإطلاق النار، وتحرك شمالى كردى فى كردستان لكى تشعر الحكومة العراقية أنها مهددة فى عقر دارها ووقتها لا تستطيع أن تساعد لا فلسطينيين ولا أردنيين، ويجرى هذا وينشأ موقف ليس خطيرا، لأنه فى ذلك الوقت إذا كان هناك تحذير سواء من الاتحاد السوفييتى مباشرة أو من القاهرة، أو من كل الأطراف، وجد السوريين أنهم هموا بشىء ثم لا يستطيعون تكملته فقرروا أن يعودوا مع غروب الشمس، قبل اللحظة المقررة للضرب عادت القوات لسوريا ونزل الليل، ولم يكن هناك داعٍ لتدخل إسرائيل وعمل سياسى وكل مشهد من مشاهد التاريخ، وأخطر شىء فى العمليات وفى الحروب وفى السياسة وفى كل شىء، وليس مجرد حوادث تجرى بنحو أو بآخر ولكن ما هى الدروس التى يتعلمها الناس والعظات؟، لأنه يقال باستمرار هى أن الثقافة أثر التجربة، وأن تفاصيل التجارب قد تنسى وتضيع من الذاكرة لكن يبقى فى الوعى باستمرار أثر ووعى هذه التجارب، متمثلا فى الثقافة التى أنشأتها هذه التجارب، وهذا فى واقع الأمر ثروة البشرية، وهذا هو الكنز الموجود لدى البشرية والثقافة التى هى حصيلة كل ما فعلناه وجهزته أجيال سابقة صواب أو خطأ يتركز فى أشياء تبقى وأشياء تؤثر فينا إلى مدى طويل. وأعتقد أن أخطر ما أسفرت عنه هذه المسرحية كلها وبعضها كان عبثيا لكنها أسفرت عن أشياء لا نزال نعيش فيها، هى ظهور مجموعة أوراق هى مبدأ نيكسون وكان ولايزال يطبق حتى هذه اللحظة، وكان قائما على أشياء غريبة وأنها لا تستطيع ولا تقدر ولا تلزم أن تواجه كل أزمة موجودة تنشأ فى هذا العالم لكن عليها أن تعتمد على مجموعة من النظم المعتمدة كوكلاء رسميين، وكيل رسمى لها فى كل منطقة ويعطى له أهمية سياسية، وقوة عسكرية ومساعدات اقتصادية وإمكانات إعلامية ليؤثر على الإقليم المحيط، وإمكانية تدخل تؤدى إلى مهمة الشرطة، وفى كل دولة القوى المركزية الموجود فيها كل وسائل السلاح لكن وكيل الأمن وللنظام فى كل حى من أحياء أى بلد فى الدنيا هى قسم الشرطة، والولاياتالمتحدة تريد أن تنشئ إدارة أمن محلية تتولى الأمن فى منطقة معينة بتوكيل محدد يعطى الوسائل ثم ينفذ المهام، ويتلقى ما يساويه ، وفى ذلك الوقت وأنا أجد وسائل واضحة لاعتماد وإعطاء وكلاء محليين سلطة وفرصة وإمكانات لضبط الأمن لأن الولاياتالمتحدة لا يمكنها أن تضبط الأمن فى كل مكان وعليها أن تضع سياسة جديدة، وفى منطقة الشرق الأوسط اعتمد فى المنطقة وكيلين يتوليان ضبط الأمن فيها وكيل أول إسرائيل تضبط فى المشرق، وشاه إيران يضبط فى الخليج وأقصى الشرق، وأصبح هناك وكيلان شاه إيران وإسرائيل، والغريب أن هذا النظام المعتمد لضبط الأمن وهو الموجود فى مبدأ نيكسون وهو العبر والدروس، والغريب اعتماد شاه إيران، وأنه وقت ما اعتمد هذا الوكيل الأمريكى لم نفتح فمنا جميعا بأى كلمة أمامه، لكن عندما سقط هذا الوكيل فى طهران، كلنا أصبحنا نجد عداء فى النظام الجمهورى فى إيران، ولأننا ببساطة لا نحدد الصديق والعدو وتهمنا مشاهد هذه المسرحية لأنها من التجارب لكن ثقافة التجربة ضاعت منا وعدنا تقريبا مع الكلام الذى قاله سقراط أو ما نقلوه آله سقراط عنه أن الآلهة لا تنتقم من أحد لكنها لما تغضب على طرف تكلفه نفسه بأن يدمر نفسه حوارات هيكل (الجزء الأول) حوارات هيكل (الجزء الثاني) حوارات هيكل (الجزء الثالث) حوارات هيكل (الجزء الرابع) حوارات هيكل (الجزء الخامس) حوارات هيكل (الجزء السادس) حوارات هيكل (الجزء السابع) حوارات هيكل (الجزء الثامن) حوارات هيكل (الجزء التاسع) حوارات هيكل (الجزء العاشر) حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر) حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر) حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر) حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر) حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر) حوارات هيكل (الجزء السادس عشر) حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر) حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر) حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر) حوارات هيكل (الجزء العشرون) حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون) حوارات هيكل الجزء(22) حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون حوارات هيكل الجزء السادس والعشرون حوارات هيكل الجزء السابع والعشرون حوارات هيكل الجزء الثامن والعشرون حوارات هيكل الجزء التاسع والعشرون حوارات هيكل الجزء الثلاثون حوارات هيكل الجزء الواحد والثلاثون حوارات هيكل الجزء الثانى والتلاثون حوارات هيكل الجزء الثالث والثلاثون حوارات هيكل الجزء الرابع و الثلاثون حوارات هيكل الجزء الخامس و الثلاثون حوارات هيكل الجزء السادس و الثلاثون حوارات هيكل الجزء السابع و الثلاثون .