القرار «434» هو القرار الجمهورى الذى أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الثامن والعشرين من أغسطس 2017، معلنا تأسيس الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب. وهو قرار من القرارات التى يصح وصفها بالمفصلية، على اعتبار أن الأمور بعده ستختلف جذريا عما كانت عليه قبل صدوره. الجديد فى القرار 434 أنه لم يكن إيذانا بنية الدولة أو الرئيس فى تأسيس الأكاديمية، بل إنه إعلان انتهاء تأسيسها وافتتاحها بعد شهر من الآن لتمارس عملها، بدءا من الأول من أكتوبر المقبل. وكما نعرف جميعا فإن المعمول به عن تأسيس مثل تلك المؤسسات أن يتم إعلانها أولا بقرار إنشاء، ثم يتم وضع حجر الأساس، ويبدأ التنفيذ الذى ربما يستغرق سنوات. أما فى حالة أكاديمية الشباب فإن الرئيس السيسى اتبع نهجا مختلفا يتوافق مع تقديره للشباب ودورهم وإصراره على تحويل ذلك التقدير إلى واقع على الأرض. إذ بدأ موضوع الأكاديمية بفكرة خرجت فى أثناء المؤتمر الأول للشباب فى شرم الشيخ نهاية العام الماضي، وخلال أقل من عام تحولت إلى واقع على الأرض، بينما كان البعض يشكك فى رغبة وقدرة الدولة على تنفيذ توصيات مؤتمرات الشباب. وفى الواقع، فإن اهتمام الرئيس بالشباب ليس وليد اليوم، ولا حتى منذ بدأت مؤتمرات الشباب، بل إنه تعبير عن اقتناع لدى الرئيس حمله برنامجه الانتخابي. إذ أكد الرئيس فى البرنامج أن التحديث الحقيقى لمصر لن يتم إلا باعتبار العنصر البشرى هو القاطرة الحقيقية للتقدم، وأنه لابد من تشجيع الكفاءات، والعمل على تنمية مهارات الشباب والمرأة، وزيادة خبراتهم حتى يستطيع المجتمع تمكينهم، وإعطاءهم الفرص المتساوية على ضوء معايير الكفاءة والعمل والعطاء التى يتم على أساسها صعود الشباب وغيرهم فى السلم الاجتماعى والمهنى والإدارى للبلاد. والخطوات العملية العديدة التى اتخذت لتحويل ذلك الالتزام أخذت أشكالا متعددة خلال السنوات الثلاث الماضية. ومنها على سبيل المثال إطلاق البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، وفكرة مؤتمرات الشباب، ورعاية شباب المبدعين من خلال صندوق تم إعلانه فى عيد العلم، وإطلاق بنك المعرفة المصرى فى يناير 2016، وتبنى عام 2016 عاما للشباب، ولابد هنا من تذكر كلمات الرئيس إذ قال «قررت أن يكون عام 2016، عاما للشباب المصرى، تقديرا لشبابنا المثقف والرائع، فالحديث عن الأمل واقترانه بالشباب ليس كلمات بلاغية، وإنما محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها، ولدفع الأمة إلى التقدم والرقى». إضافة إلى العمل على خفض نسبة البطالة بين الشباب من خلال إطلاق مشروع المليون ونصف المليون فدان لمصلحة الشباب، وإطلاق مبادرة بقيمة 200 مليار جنيه لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى يستفيد منها بالأساس الشباب. وقد كان واضحا من نص القرار 434 حرص الرئيس على ضمان استمرار تلك الهيئة فى القيام بالمهام المحددة المنوطة بها طبقا للقرار. إذ نص القرار على أن تتبع الأكاديمية رئيس الجمهورية، وعلى أن تكون هيئة عامة اقتصادية لها ميزانية مستقلة تعد على نمط موازنة الهيئات العامة الاقتصادية. بل إن القرار حدد المصادر الأساسية لموارد الأكاديمية، وسمح بالتفكير فى أى مصادر أخرى طبقا لما يحدده مجلس أمناء الأكاديمية. وأخضع القرار أموال الأكاديمية لرقابة الأجهزة الرقابية فى الدولة، باعتبار أن تلك الأموال أموال عامة. أما عن المهام الإحدى عشرة التى حددها القرار للأكاديمية فأهم ما يلفت النظر فيها أنها تعنى أن الأكاديمية لن تكون معنية فقط بالقيام بتدريب وتأهيل الشباب، ولكنها ستكون بالأساس معنية بمراجعة ومراقبة كل برامج التدريب فى مراكز التدريب المختلفة، بل إنها ستكون الجهة المخولة بتحديد الشروط الواجب توافرها فى مدربى تلك المراكز واعتمادهم كمدربين. باختصار فإن الأكاديمية ستكون جهة الاعتماد والمشرفة على كل مراكز التدريب فى الجمهورية. وفى تقديرى، فإن تلك الأكاديمية تعد بمنزلة إطلاق العنان للتمكين الفعلى للشباب من خلال تأهيلهم علميا وعمليا لتحمل أعباء مسئولية العمل العام وشغل مواقع قيادية فى الدولة. فرغم كل المحاولات والفرص التى أتيحت للشباب منذ عام 2011 للاحتكاك بالعمل العام فإنها تظل فرصا فردية ومتناثرة بل وخضعت فى كثير من الأحيان لاعتبارات سياسية، وليس لاعتبارات الكفاءة. ففكرة إعداد القيادات المؤهلة لتولى المسئولية غابت عن مصر، سواء على مستوى الإطار الرسمى المتمثل فى الدولة، أو على مستوى الأحزاب ومؤسسات العمل الأهلي، فشاخت القيادات فى مواقعها، بما كان من شأنه حرمان مصر من وجود صف ثان من القيادات والكوادر. وبكل تأكيد فإن الأكاديمية الوطنية للشباب جاءت لتسد الفجوة القائمة بين تطلعات الشباب والآمال المعقودة عليهم، وبين المؤهلات الفعلية التى يتمتعون بها، أو حتى الإمكانات المتاحة للارتقاء بتلك المؤهلات. باختصار، فإن الأكاديمية الوطنية للشباب هى مصنع قادة المستقبل والجسر الذى سيمر عبره الشباب إلى مواقع قيادة مصر نحو المستقبل. لمزيد من مقالات علاء ثابت;