رغم أن الخبراء والفنيين وليس السياسيون هم مَن يحددون ما إذا كانت لسد النهضة الإثيوبى أضرار على مصر والسودان أم لا،بعثت تصريحات الرئيس السودانى عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبى هايلا ماريام ديسالين فى مؤتمر صحفى مشترك بالخرطوم قبل أيام قدراً من التفاؤل والارتياح لدى المصريين وكثير من السودانيين الذين أقلقتهم السلبيات المحتمل أن تترتب على السد، وتمادى الجانب الإثيوبى فى بنائه بالمواصفات التى أرادها مُصراً على أنه لن يضر بمصالح مصر بالذات حتى قبل أن يقول خبراء المكتبين الاستشاريين الفرنسيين كلمتهم فى الدراستين المكلفين بإعدادهما من جانب الدول الثلاث. فقد أعلن البشير أن حكومة إثيوبيا استجابت لطلب السودان إجراء تعديلات تحفظ سلامة جسم السد وتحول دون انهياره ولا تؤثر على انسياب المياه وتشمل التحكم فى تشغيله بما يحفظ حقوق مصر المائية وفقاً لاتفاقية تقسيم مياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان، مؤكداً التزام حكومته بتلك الاتفاقية وأن حصة مصر من المياه (55.5 مليار متر3 سنوياً) لن تتأثر ببناء السد. وقال: إثيوبيا قدمت ضمانات حول السد وباتت الخرطوم مطمئنة إلى أنها لن تتأثر سلباً..كانت شواغلنا حول سلامته أنه يخزن 74 مليار م3 ولو حدث لجسمه شىء سيتأثر السودان كثيراً..نريد أن يتم ملء البحيرة بما لا يؤثر على منشآتنا للرى،مضيفاً أن إعلان المبادئ (الذى وقعه مع الرئيس السيسى وديسالين فى مارس 2015) وضع الإطار الدستورى والقانونى للعمل بشأن السد. فى الوقت نفسه جدد ديسالين التزام إثيوبيا بإعلان المبادئ ونفى وجود خلافات سياسية بين الدول الثلاث، مشيراً إلى أن مشاورات فنية تجرى وإذا ظل الأمر فى إطار التشاور الفنى فيمكن حله،أما إذا انتقل إلى المجال السياسى فستصبح الحلول صعبة،وهو ما قاله أخيرا تايى أثفاسيلاسى أمدى السفير الإثيوبى الجديد بالقاهرة للزميلة (المصرى اليوم) حينما وصف الأزمة مع مصر بأنها فنية وليست سياسية مضيفاً أن بلاده لن تعمل ضد مصلحة مصر، وستحاول ملء بحيرة سد النهضة بما لا يضر بها أو بالسودان، بل إنه سيطيل عمر السد العالى 100 سنة(فى إشارة إلى وقف تراكم الطمى أمامه). تصريحات البشير الذى اعتقد قبل ذلك كثير من المصريين أنه انحاز لإثيوبيا فى مسألة السد على حساب مصر تكمن فى أنه صرح بها، وهو بجوار ديسالين مما جعل مغزاها كبيراً خاصةً قوله: (نحن ملتزمون التزاماً قاطعاً بأن حصة مصر من مياه النيل لن تتأثر ببناء (سد النهضة)، فهى عبارة إن لم يكن قد قصد بها أن ينتزع التزاماً علنياً من ديسالين بعدم الإضرار بمصالح مصر، فهو على الأقل أكد بها أن السودان لن يساعد إثيوبيا على الإضرار بحقوقها المائية.كما أن حديثه عن حصة مصر بمقتضى اتفاقية 1959 وحقوقها فى مياه النيل وتجديد الالتزام ببنود إعلان المبادئ بهذا القدر من الوضوح والتحديد ربما قصد به إزالة أى مخاوف من تخلى الخرطوم عن الاتفاقية، وقد تكون له انعكاساته الإيجابية على جوانب أخرى من العلاقات بين البلدين. فإعلان المبادئ ينص على عدم البدء فى ملء بحيرة السد إلاَّ بالتوافق بين الدول الثلاث، كما ينظم أسلوب الملء الأول للبحيرة والتخزين والتشغيل بالتشاور وبالتنسيق مع تشغيل السدود الأخرى فى مصر والسودان، وكلما طالت مدة الملء قلَّت كمية المياه التى يتم اقتطاعها وأمكن تحملها خاصةً فى مصر التى تعتمد على مياه النيل بشكل كامل ولا تكفيها حصتها، فتشغيل توربينات السد سيحتاج إلى تخزين نحو 24 مليار متر3 لن يتم تعويضها عند بدئه، لأنه تخزين ميت، بينما الخمسون مليار متر3 الباقية من سعة البحيرة من المفروض أن يتم تمريرها عبر السد إلى مصر والسودان خلال الفترة الأولى ثم بعد الاتفاق على كمية المياه التى سيتم اقتطاعها ومدة اقتطاعها إلى أن تمتلئ البحيرة يتم تمرير كل المياه عبر فتحات السد لأنه مخصص لتوليد الكهرباء وليس للرى كما أعلنت إثيوبيا مراراً. هذا التفاؤل الذى أشاعته تصريحات البشير وديسالين ستختبره نتائج اجتماع اللجنة الفنية الثلاثية المقررة فى الخرطوم لبحث وتسوية نقاط الخلاف المتبقية وكذلك مدى تجاوب إثيوبيا مع خبراء المكتبين الإستشاريين ليخرج تقريرهما فى وقته المحدد بالإضافة إلى مدى التزامها بتنفيذ توصياته. استدراك: نتيجة سقوط العلامة العشرية فى مقال الأحد الماضى بعنوان:(وجاء دور المصدرين والمستثمرين والبيروقراطيين) وقعت أخطاء مطبعية فى الطبعة الورقية غيَّرت كثيراً من الأرقام ما جعلها غير واقعية ومتضاربة أحياناً مثل 34 مليار دولار حجم صادرات مصر لدول إفريقيا، بينما الصحيح3.4 مليار بنسبة ٫63.% وليس 63%،وكذلك 5477 مليار دولار حجم واردات إفريقيا بدلاً من 547.7 مليار، و48 مليار دولار حجم التجارة بين مصر والدول الإفريقية خلال 2016 بدلاً من 4.8 مليار،و79 مليار جنيه حجم صادراتنا إلى دول حوض النيل بدلاً من 7.9 مليار.لذا لزم التوضيح للقارئ الكريم الذى عهد الدقة لدى الأهرام. لمزيد من مقالات عطية عيسوى