فى توقيت متزامن وخلال شهر واحد أصدرت ثمانية مؤسسات دولية محترمة تقارير متفائلة بشأن الاقتصاد المصرى وهى مؤسسة جولدن ساكس ومؤسسة كابيتال ايكونوميكس ومؤسسة ميد وصندوق النقد الدولى ووكالة موديز للتصنيف الائتمانى وبنك الكويت الوطنى وبنك بى ان بى باربيا ومجموعة UBS لإدارة الثروات.. وقد اشادت التقارير الثمانية بقرار التعويم مع توقعات بارتفاع معدلات النمو خلال السنوات الثلاث القادمة لتصل الى حوالى 5.5% وتوقعات أكثر تفاؤلاً بانخفاض متوسط عام التضخم من 29% فى عام 2017 ليصل الى 10% فى 2019.... هذه الصورة المتفائلة يشوهها فجأة قرارات قد تؤثر سلباً عليها إذا ما تم تطبيقها بالفعل، ففى نفس الشهر صدر قرار وزارة التموين رقم 217 لسنة 2017 والصادر فى 31 يوليو 2017 والخاص بإلزام كافة الجهات والشركات المنتجة والمستوردة لمنتجات تُعبأ محلياً والمُصنعة والمُعبأة والموردة للسلع الغذائية بتدوين سعر البيع للمستهلك على كل عبوة مع إعطاء مهلة تنتهى فى 31 ديسمبر المقبل للجهات والشركات لتصريف المنتجات غير المدون عليها سعر البيع للمستهلك... ومع التسليم بداية بالهدف النبيل للقانون إلا انه يواجه معوقات تجعل تطبيقه صعباً، فالقرار يضرب فرص الاستثمار فى مأزق ويفرض أعباء جديدة على الكثير من خطوط الإنتاج والتى تعانى من صعوبات هيكلية وتمويلية كما انه يتضمن تقييداً لمرونة هذه الشركات فى التعامل مع تكاليفها التى قد تتغير بين لحظة وأخرى وفى كثير من الأحيان لأسباب خارجة عن إرادتها، كما أن تدوين السعر هو بمثابة عودة غير مباشرة لسياسة التسعيرة الجبرية خاصة وان الأسعار قد تتغير خلال مدة زمنية قصيرة جداً لأسباب متنوعة ومثال ذلك.. ماذا لو انخفضت تكلفة الإنتاج أو التوزيع نتيجة تراجع معدل التضخم أو انخفاض سعر الدولار – فى حالة الاستيراد- كما هو متوقع اعتباراً من نوفمبر المقبل؟ وماذا لو استوردت شركة منتج من الخارج وتغيرت رسوم الجمارك أو تكلفة الشحنة قبل وصول المنتج بالفعل؟ هنا هل يلتزم المُصنع والمستورد بالسعر المحدد على عبواته وفقاً لنص القرار مع ما يعرضه ذلك لخسائر كبيرة أو يعرض المواطن لخسارة فرص الحصول على المنتجات بسعر أقل ؟ أم يضع نفسه تحت طائلة القانون بعدم الالتزام بالسعر المطبوع الذى أصبح بمجرد طباعته على العبوة تسعيرة ملزمة قانوناً ؟.. ويضاف إلى ما سبق أن التاجر فى هذه الحالة أصبح بالفعل أمام تسعيرة جبرية ملزمة سواء كان هذا التاجر كشك على ناصية أو دكان بقالة تقليدى أو تاجر جملة أو سوبر ماركت أو هايبر ماركت فهذه التسعيرة تفترض ابتدءاً المساواة بين الجميع فى عناصر التكاليف التجارية وهو أمر مناف للواقع والمنطق وستكون له تداعيات كبيرة على المستهلك فماذا لو أراد التجار عمل خصومات دورية على المنتجات بخلاف السعر المطبوع؟ وماذا لو فرضت وزارة المالية ضرائب جديدة تُطبق فوراً كما هو الحال فى سلع إستراتيجية مثل السجائر؟ وماذا عن العروض الضخمة التى كانت تقدمها السلاسل الكبرى لعملائها بالتعاون مع الموردين؟ فى كل هذه الأحوال سيكون الجميع فى ورطة كبرى ما بين الالتزام بقانون أو مخالفة قانون آخر أو إضاعة فرص سعرية ثمينة على المواطن.. فمجمل التحليلات والتوقعات تشير إلى مرحلة استقرار نسبى للحالة الاقتصادية بصفة عامة ولمعدلات الأسعار بصفة خاصة خلال الفترة القادمة وهو ما يجعل من الضرورى الانتباه إلى أى قرارات يكون من شأنها تهديد هذا الاستقرار المحتمل أو التأثير عليه لأن هذه الفترة المتوقعة هى المنشودة فى جنى بعض الثمار وكسب بعض النتائج على أرض الواقع وأى تدخل غير مدروس أو تهديد لمنظومة الأسعار أو التسعير سيؤثر بشكل سلبى على هذه النتائج الايجابية المتوقعة المتمثلة فى الكثير من البنود وعلى رأسها خفض التضخم وتحجيم الأسعار من خلال أدوات المنافسة الحرة وبدون تدخلات غير محسوبة قد يكون لها نتائج سلبية على غير المأمول...