لانه حفظ التاريخ ،وكتبه لانه أخلص لفكرة الوطن العربي متمثلا خطي الزعيم عبد الناصر الذي آمن بعروبة مصر.... حفر محفوظ عبد الرحمن لنفسه « قناة المحبة في قلوب المصريين والعرب ، وصار علامة علي الابداع الذي يلبس عباءة الوطن بلا ضجيج من دعاية، او خطاب زاعق بالمقولات السياسية . ولانه دخل التاريخ المصري من بوابة الحلواني. صار راويا امينا لهذا التاريخ وهو يكتب ناصر 56 والقادسية وليلة سقوط غرناطة وام كلثوم « وهل كانت ام كلثوم» سوي وطن في صورة اغنية وحليم صوت الثورة الذي لم يمت ولانه ترك إرثا لا يغيب صار « محفوظا في ذاكرة الشعب وعند الرحمن. ودعت مصر أمس المبدع الوطني الكبير محفوظ عبد الرحمن الذي يعتبر واحدا من ابرز كتاب الدراما التاريخية العربية ، صاحب البصمات والعلامات الفنية التي ستظل خالدة للاجيال في التليفزيون والمسرح والسينما والاذاعة. تميزت كتابات الراحل محفوظ عبد الرحمن بالحس الوطني والقومي فلا يكاد يكون له عمل إلا وهناك ملمح وطني وربما كان لدراسته الجامعية للتاريخ تاثيرها علي كتاباتة فقام باحياء الاحداث التي مرت علي بلادنا بابطالها ورموزها وكأنه اراد ان يقدم لنا وللاجيال تاريخنا بشكل دقيق يواكب التطور الذي اصبح للصورة المرئية تأثير كبير في تشكيل الوعي به ولايكون فقط في صفحات وامهات الكتب التاريخية ، فكان اول مسلسل تاريخي لمحفوظ عن سليمان الحلبي من إنتاج تليفزيون دبي عام 1976 وأخرجه الفلسطيني عباس أرناؤوط وقام ببطولته أحمد مرعي وأحمد خليل ودارت احداثه بين حلب والقاهرة حيث انتقل سليمان الحلبي من حلب لمسانده زملائه في مصر الذين عاش بينهم فى أثناء دراسته في الأزهر ضد الاستعمار الفرنسي، وقام سليمان الحلبي بقتل الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية ، وكان ذروة ابداع محفوظ والذي اعتبره هو نفسه من اهم اعماله مسلسل « ليلة سقوط غرناطة» والتي كتبها عام 1981 وقام ببطولته احمد مرعي واخرجه ايضا عباس ارناؤوط ويتناول الليلة الأخيرة في غرناطة قبل سقوطها و تسليمها إلى يد الأسبان وكأنه اراد بهذا العمل المهم ان يظل يذكرنا باستمرار التراجع عن الحلم العربي . بوابة الحلواني قناة السويس تعد من أكثر القضايا التي شغلت محفوظ عبد الرحمن و علي صفحات «الاهرام» كتب قبل عامين يقول : سألونى مرات عن هوايا بقناة السويس. ولم أجد إجابة فقناة السويس تكاد توازى تاريخ مصر منذ بداية 1866 وربما قبل ذلك إلى ما بعد 1956 عندما أممها جمال عبدالناصر وحتى قبل (ناصر 56) قادنى هوايا إلى (بوابة الحلواني). وكان هدفى كما قلت مرارا إننى كنت أريد أن أكتب كيف كانت الحياة اليومية فى قناة السويس (1866 1876) والتى مات فيها نحو مائة وعشرين ألف مصرى لأسباب عديدة فى حفر هذه القناة. إذ لم تكن هناك أية رعاية إنسانية ولا طبية. فدفعنا ثمنا غاليا فى قناة استولت عليها الدول الكبرى من البداية حتى أممها جمال عبدالناصر، واعادها بين ايدى المصريين. وكان هدفى كما قلت رغبتى فى أن أذكر بالثمن الذى دفعه المصريون. ولما لم أجد الوثائق التى كنت قد رأيتها بنفسى اختصرت المشروع كله فى مسلسل من 24 حلقة. وفوجيء التليفزيون وفوجئت معه بالنجاح الكبير والاستقبال الثقافى وبدا الالحاح من الندوات لكتابة أجزاء أخري، وفعلا كتبت جزءين آخرين. وكان رفيقى فى الإخراج إبراهيم الصحن بثقافته وهدوئه وموهبته وكانت خطتنا تغطية عصر إسماعيل والتوقف عند عزل الخديو وسفره إلى إيطاليا. ولكن المشروع لم يكتمل. أم كلثوم و حتي مسلسل أم كلثوم لم يكن مجرد سيرة فنانه بقدر قيمته الوطنية وعنه قال كتبت هذا العمل في عام 1993 وكنت أري ان أم كلثوم إحدى الشخصيات التي كان لها تاثير كبير ولا يقل اهمية عن الزعماء السياسيين فيكفي انها وحدت الأمة العربية ، فالكل كان يستمع إليها من المحيط الي الخليج الوطن العربى. ورغم تميز الكاتب محفوظ عبد الرحمن في كتابة الدراما التاريخية والنصوص المسرحية فإن اعماله السينمائية لم تتجاوز ثلاثة افلام وهى «القادسية» و «ناصر56» و«حليم» عدد الافلام رقم لا يتوازي مع موهبته وتفرده كما انه لا يقارن بما قدمه في الدراما التليفزيونية وبلا اي مواربة اعترف الراحل في احد حوارته ان علاقته بالسينما ليست كبيرة وانه كان يكتب بضغوط من اصدقائه وقال : فيلم القادسية ببطولة سعاد حسني وعزت العلايلي كتبته بإلحاح من قبل المخرج صلاح أبو سيف. وكان المفروض أن ينتج هذا الفيلم في مصر، ولكن الإنتاج انتقل إلى العراق ،والفيلم يسرد وقائع معركة القادسية التي مكنت المسلمون من فتح بلاد فارس في عام 636م من أجل نشر الدين الإسلامي، والتي قادها القائد العربي سعد بن أبى وقاص . ناصر 56 اما فيلم « ناصر 56 « فعنه قال : لم نفكر فى تقديم فيلم عن جمال عبدالناصر ولا حتى فكرنا فى فيلم ما، إذ كان المشروع هو سهرات عن الذين قدموا لمصر جهدهم الفريد فى السياسة والأدب والعلم وما إلى ذلك ، وهرب معظم المتحمسين لهذا المشروع لإحساسهم بعدم جديته لأن التحضير له استغرق سنوات، وفوجئت أنه لم يعد فى المشروع سوى أحمد زكى وأنا. وكان أحمد زكى متحمسا جدا للمشروع، وأنه عمل جاد أمام موجة كوميديا مسطحة ومسيطرة حتى ابعدت أى نوع آخر من الأفلام. وقال محفوظ ل «الاهرام» وقتها قررت أن أقوم بموقف «عنتري» فحددت عشرة اسماء وجعلت أولهم جمال عبدالناصر، وذهبنا إلى كبير المسئولين ليوافق أو لا يوافق، وأحمد زكى يقول إن هذا استفزاز ما بعده استفزاز، لكنه لم يعترض، وقدمنا القائمة للمسئول وقرأها بتمعن وأعلن رضاه الكامل. وطلبت منه أن يوقع بخطه على الموافقة. ففعل بسرعة وجدية. وعندما خرجنا من مكتبه قال أحمد زكى فى حماس لو انتهيت من السهرة الليلة سأكون فى الاستوديو غدا. واضاف كنت اعلم ان العمل لم ينتهى قبل نصف عام، لم أكن بحاجة إلى القراءة عن عبدالناصر، إذ كنت قد قرأت وتابعت ما يخصه باهتمام كبير. كنت أرى أن كل شخصية سنقدمها من الممكن أن تتناولها فى ساعة ونصف الساعة إذا اخترنا جزءا من حياته يعبر عن الشخصية. وعندما كنا فى بدايات المشروع سألنى أحدهم عما اختاره من جمال عبدالناصر مثلا قلت له بسرعة شديدة: «تأميم قناة السويس». فى فترة البداية كانت الكتابة صعبة لسبب واحد هو يقينى أننى أكتب ما لن يتم تصويره أبدا ، فى تلك الفترة استطاع أحمد زكى انتزاع الموافقة على أن يكون فيلما كاملا لا مجرد سهرة. اما فيلم ( حليم ) بطولة احمد زكي و اخراج شريف عرفة عن جزء من مشوار الفنان عبد الحليم حافظ الذي كان تجسيدا لأحلام وآمال جيله وان صوته رسم صورة شعب بأحلامه وانكساراته وانتصاراته.، وعلى هذه الحنجرة كتب ولحن العديد من الشعراء والملحنين ورصدوا من خلال حنجرة حليم حركة الشارع العربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. الملاحظ ان الافلام السينمائية الثلاثة التي رصعت ابداعات محفوظ عبد الرحمن كان رابطها ايضا القومية العربية والتركيز بامجاد وبطولات القادة والزعماء ، فالقادسية عن انتصار العرب علي الفرس وناصر عن صمود الرمز العربي الخالد جمال عبد الناصر في مواجهة الاستعمار والهيمنة الامريكية والاوروبية وحليم صوت العروبة فهو من غني « يا شعوبنا الحرة يا عربية كافحي وزيدي ثبات وعناد .. مهما اتآمروا علينا .. مبادئنا بتحمينا « . الجواهر الدرامية والفنية التي قدمها محفوظ عبد الرحمن وتمتع بمشاهداتها الملايين من العرب، حظيت بتقديركبيرله خلال حياته من خلال تكريمات وجوائز في مصر والبلاد العربية وتوجت بحصوله علي جائزة النيل في الفنون عام 2013 وهي أرفع جوائز الدولة .