أحمل آمالاً واسعة أن تعود مصر إلى أحضان القارة السمراء، وقديماً قالوا أن تأتى متأخرًا خير من ألا تأتى على الإطلاق. فى هذا الملف تحديداً، لم نعد نمتلك رفاهة الزمن، والمزيد من التأخير، يعد تقصيراً، يرتقى لمستوى الجريمة. إفريقيا أرض الفرص الواعدة، وبيننا وبينها وحدة تاريخ، وكذلك وحدة أهداف، فمصر إفريقية وعربية. والرئيس عبدالفتاح السيسى لديه قناعة مبنية على معرفة أن مصر لابد أن ترجع لقلب إفريقيا، حتى تصبح قوية بدعم أشقائها الأفارقة. إفريقيا عانت كثيراً من التهميش، واستمرت عقوداً طويلة مطمعاً للمستعمر، وبعد التحرر، جاءت العولمة استعماراً جديداً، ولكن بحُلة مختلفة، وقد دفعت تلك العولمة الحمقاء، القارة الإفريقية إلى أسفل الهرم العالمي، وذلك من خلال سياسات اقتصادية أدت إليّ زيادة معدلات البطالة، وانتشار الفساد والجريمة. (جئنا من مصر بيد ممدودة للتعاون والسلام والبناء والاستقرار، ويمكنكم أن تعتمدوا علينا) هكذا تحدث الرئيس السيسى فى زيارته الأخيرة لبعض الدول الإفريقية، تنزانيا، رواندا، الجابون، وتشاد . ما قاله الرئيس يحمل تلخيصاً شديد الوضوح يؤكد حرص مصر على التواصل مع أشقائها الأفارقة، من خلال إستراتيجية مصرية ثابتة وراسخة، تتأكد يوماً بعد يوم، وهو الأمر الذى يدعونا جميعاً حكومةً وصناعاً ومستثمرين، إلى تفعيل هذه المعاني، لتصبح واقعاً ملموساً ، يستشعر به الجميع . مصر إذن تتقارب مع إفريقيا، بعد فترة جفاء عاشتها مع عمقها الجنوبي، طيلة السنوات الماضية، وذلك حين اكتفت بتوجيه قبلتها صوب أمريكا والخليج العربي. وفى مباحثات الرئيس مع كل من رئيسى تنزانيا ورواندا، تمت مناقشة مجموعة من القضايا المهمة، منها زيادة التبادل التجارى بين مصر وتلك الدول، والعمل على زيادة الاستثمارات المشتركة، مع الأخذ فى الاعتبار أن مصر بوابة إفريقيا لأوروبا وآسيا خاصة بعد افتتاح قناة السويس الجديدة، ومنها أيضاً قضايا التنمية فى إفريقيا، ومنها ثالثاً سبل التصدى للإرهاب، والأفكار المتطرفة . وقد كانت قضية حوض النيل، ومصالح مصر المائية على رأس مباحثات الرئيس فى هاتين الدولتين، حيث أكد الرئيس أن مصر تدعم أشقاءها فى دول حوض النيل بالقدرات والخبرات الفنية، لتحقيق التنمية فى هذه الدول، وأشار إلى حرص مصر على تحقيق أكبر استفادة من نهر النيل لجميع دول الحوض، دون الإضرار بمصالح مصر المائية . كما شهدت زيارة الرئيس للجابون عدداً من الملفات المهمة، على رأسها بحث سبل إيجاد حلول لأزمات المنطقة، بما يضمن تحقيق الأمن والسلام، ومن ثم التنمية لدول القارة . وجاءت زيارة الرئيس لتشاد، كأول زيارة يقوم بها رئيس مصرى فى تاريخ العلاقات بين البلدين، وقد حرص الرئيس على توجيه الدعوة لرؤساء الدول الأربع للمشاركة فى منتدى إفريقيا 2017 والمؤتمر الدولى للشباب المقرر عقدهما فى شرم الشيخ نوفمبر وديسمبر المقبلين . هى إفريقيا، الساحرة السمراء، أرض الخير والنماء، تزخر بالموارد الطبيعية والبشرية التى قل أن يجود الزمان بمثلها، 30 مليون كيلو متر مربع، أى 20% من مساحة اليابسة بالعالم، وثانى أكبر قارة من حيث عدد السكان، مليار نسمة، أى 15 % من جملة سكان العالم. وخلال الفترة من 2001 وحتى 2010 شغلت إفريقيا 6 مراكز من بين 10 أسرع دول حققت نمواً اقتصادياً، كما يتوقع لدول أفريقيا تحقيق معدل نمو 5-6% وفقا للمؤسسات الدولية. إن ثلثى العرب يعيشون فى الدول الإفريقية، ولم تنسَ مصر قط الموقف الإفريقي المشرف، بعد مقاطعة الدول العربية لها، عقب معاهدة كامب ديفيد، حيث كانت دول إفريقيا، هى سند مصر الوحيد فى تلك الأجواء الصعبة . لقد أدركنا فى الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، أهمية إفريقيا لمصر، وكذلك مصر لإفريقيا، فتعددت الدراسات، وتنوعت اللقاءات والمؤتمرات كان آخرها مؤتمر: (مصر فى القلب الإفريقي) الذى نظمه الاتحاد بمشاركة مركز ( مصر - إفريقيا) بالجامعة البريطانية فى مصر، و التى تحرص دوماً على التواصل مع القارة الإفريقية، بزيارة الرؤساء الأفارقة، واستقبال الوفود . وقد أهدت تمثال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لإحدى الجامعات الغينية التى تحمل اسمه، كما قدمت خمسين منحة دراسية مجانية لاثيوبيا، ودول حوض النيل . استهدف المؤتمر المذكور، تحقيق الشراكة المنشودة بين رجال الأعمال المصريين، ونظرائهم فى باقى دول القارة، وفتح آفاق جديدة لتعزيز الوجود المصرى هناك. كما استهدف إقامة علاقة شراكة، وليس علاقة أحادية المصالح، فى مختلف القطاعات، وبين جميع الدول، و كذلك عرض التجارب الناجحة فى القارة، و دور الدولة فى توفير المناخ المؤدى إلى تسهيل حركة رجال الأعمال من و إلى الدول الإفريقية . واقترحتُ فى المؤتمر إنشاء شركة قابضة، تشارك فيها الشركات العاملة فى السوق الإفريقية، ويتم تجميع مليار جنيه رأس مال عن طريق الاكتتاب . إننى أبداً لا أنسى ماقاله سفراء إفريقيا المشاركون فى هذا المؤتمر، و منهم على سبيل المثال لا الحصر: سفير تنزانيا بالقاهرة، حيث قال: إن تنزانيا تريد التعاون مع مصر، وأبوابها مفتوحة لمن يريد الاستثمار فيها، ونقدم حوافز هائلة للمستثمرين، وبلاده لديها حوافز جغرافية من خلال موقع متميز، فهى محاطة بثمانى دول، وهى فى الوقت ذاته المنفذ الوحيد لست دول منها على المحيط الهندي، وتستخدم كلها الموانى التنزانية فى حركة التجارة . وبلاده كذلك، أول الدول التى رفعت علم الاستقلال، وهى بلد آمن يحترم القانون والمستثمرين المحليين والأجانب، وأنهى حديثه: (مروا عليَّ فى السفارة، سأمنحكم تأشيرة لدخول بلادى فورا) . وبعد أقل من شهر من هذا المؤتمر، استضاف اتحاد المستثمرين، الرئيس البوركينى روك مارك كابوريه، وأكدتُ يومها على ما قاله الرئيس السيسي، أن مصر تعتز بعلاقاتها مع بوركينا، وحريصة على تطويرها على جميع المستويات، ومختلف المجالات، وبخاصة البنية التحتية والإنشاءات والطاقة، ودعم جهود تحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة، وبدا الرئيس البوركينى فى إجاباته على أسئلة المستثمرين، حريصاً أشد الحرص على استقدام الاستثمارات المصرية إلى بلاده. إن علينا جميعاً أن نعترف أن مصر، وبعد عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فقدت مكانتها الإفريقية على الصعيدين السياسى والاقتصادي، وعلينا فى الوقت نفسه أن ندرك أن حلم التكامل مع القارة السمراء، ليس مستحيلاً، بل يمكن تحقيقه، لو توافرت الإرادة، حيث تزخر إفريقيا بثروات طبيعية مذهلة، ومواد خام وفيرة، فضلاً عن العنصر البشرى والسوق الكبيرة، وتعدد فرص الاستثمار المشترك مع مصر، بما يعود بالنفع على الطرفين . إن إفريقيا تتطور يوماً بعد يوم، ودول العالم تتنافس على الشراكة الاقتصادية معها، لما لها من عائد اقتصادى متميز، وقد آن الأوان لتلحق مصر بالركب العالمى فى هذا الصدد . إننى مازال يدفعنى الأمل، أن تجتمع دول إفريقيا كلها تحت مسمى واحد «الولاياتالمتحدة الإفريقية». هذا رجاؤنا، وهذا نداؤنا، فهل من مجيب؟ الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين