هل أصبح العالم على أبواب حرب عالمية من نوع جديد ؟! الإجابة على السؤال تأتى بنعم ولا فى آن! فالعالم لم يعد على أبواب حرب عالمية فقط بل تجاوز عتبتها بالفعل؛ وأقصد هنا الحرب العالمية التجارية؛ فمع حالة الركود والتباطؤ الذى تعانى منه السوق العالمية بوجه عام بدأت الكتل الاقتصادية الكبرى فى تبادل "اللكمات" العلنية منها والخفية. أما إذا كانت تلك الحرب من نوع جديد فتأتى الإجابة ب "لا"، لأن الحرب التجارية واللكمات "الحمائية" التى كالتها الدول الصناعية والتجارية الكبرى لبعضها البعض كانت سببا فى إشعال حربين عالميتين كاملتين مدمرتين هما الحرب العالمية الأولى والثانية. وكان روبرتو أزيفيدو، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، قد حذر أخيرا من وجود "خطر واضح" يتمثل فى إمكان نشوب حرب تجارية نتيجة تبنى الكثير من الدول لسياسات "الحمائية". وقال إنه يتعين على المجتمع الدولى أن يكون حذرا، "لأن خطر حرب تجارية واضح جدا". وحذر أزيفيدو من عواقب نشوب تلك الحرب لأنه : "أيا كان البلد الذى يفرض إجراءات أحادية، فإن البلدان الأخرى سترد، مسببة ما يشبه تأثير الدومينو. ومن السهل رؤية أين تبدأ ردود الأفعال المتسلسلة هذه. إذا نشبت حرب تجارية، فإن الدول ستكون فى النهاية بوضع أسوأ بكثير من بداية النزاع". ودعا أزيفيدو إلى مزيد من الحوار. وأكد فى تصريحاته على أن منظمة التجارة العالمية تحث على الحوار مع مسئولين ومنظمات دولية معنية، فى ظل الحاجة إلى ما وصفه ب "رفع الوعى بين القادة والحكومات" وبالرغبة فى العمل معهم لإيجاد الحلول لمثل هذه الظواهر. وخلال القمة الحادية عشرة لمجموعة العشرين التى انعقدت فى سبتمبر 2016 بمدينة هانجتشو بالصين، وعلى غير المتوقع، جاءت كلمة الرئيس الصينى شى جين بينج فى افتتاح أعمال القمة بمثابة رسالة تحذير تؤكد أن العالم أمام خطر هائل قادم ما لم يتم تلافى مسببات ذلك الخطر. وهذا الخطر متمثل فى تدهور اقتصادى قد يؤدى إلى نشوب صراع هائل بين أقلية تملك وأغلبية لا تملك، وقد يتطور الأمر إلى نشوب حرب عالمية شاملة وليست تجارية فقط. وأعرب عن اعتقاده بأن ملامح "المنعطف الدقيق" الذى يمر به الاقتصاد العالمى حاليا تتمثل أخطرها فى ما تواجهه العولمة الاقتصادية من عوائق خاصة فى ظل تنامى "الممارسات الحمائية" وحالات "التصادم" بين الترتيبات التجارية متعددة الأطراف بالإضافة إلى خطر زيادة الفقاعات المالية. وفى مارس 2017 عقد وزراء مالية دول مجموعة العشرين اجتماعات فى ألمانيا، وسط مخاوف من حرب تجارية نتيجة سياسة "أمريكا أولا" التى تتبناها الإدارة الأمريكية الجديدة. وأعرب المتابعون لاجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين عن اعتقادهم بأن "الحمائية" أصبحت أقوى تأثيرا فى الاجتماعات؛ حيث لوحظ تزايد مستوى التحفظ بشأن تضمين البيان الختامى للاجتماع أى تعهد بمحاربة "الحمائية"، على الرغم من أن هذا التعهد كان يعد فقرة شبه ثابتة فى بيانات المجموعة، وعندما يحدث خلاف اقتصادى بين الأعضاء. أما أبرز الأمثلة على إرهاصات الحرب التجارية فهى تلك الضغوط الاقتصادية والتجارية التى لوحت بها الولاياتالمتحدة فى وجه الصين. وهناك حالة الاضطراب التى تتعرض لها الأركان الرئيسية لتجمع "بريكس" الذى يضم أقوى اقتصاديات صاعدة فى العالم (روسياوالصينوالهندوالبرازيل وجنوب أفريقيا). فهذا التجمع الذى تعلقت به آمال الكثير من الأطراف، خاصة فيما يتعلق بإنهاء الأحادية القطبية من خلال إنهاء إنفراد الولاياتالمتحدة بالقمة الاقتصادية والسياسية والعسكرية فى العالم، أصبح اليوم على شفير زلزال حاد يهدده. إن الضغط الأمريكى على روسيا قد زاد بعد فرض واشنطن المزيد من العقوبات على موسكو مما ينبئ بمواجهة سياسية اقتصادية وبعقوبات وضغوط متبادلة بين الطرفين! أما الصين، فقد دخلت فى نزاع مثير للقلق مع الهند، خاصة وأنه مصحوب بتحركات متعلقة بتوزيع النفوذ بينهما فى القارة الآسيوية وربما يمتد خارجها أيضا. ودخلت البرازيل وجنوب أفريقيا فى دوامات من الأزمات الداخلية التى تهدد استقرارهما السياسى ومن ثم الاقتصادى والتجاري. والسؤال الآن : ما علاقتنا بكل ما سبق؟ وتأتى الإجابة صادمة وهى أننا فى قلب كل تلك العواصف القادمة! إننا هنا فى مصر أصحاب قناة السويس القديمة والجديدة، وهى الطريق الملاحي والتجاري العالمي الرئيس، كما أننا فى قلب منطقة من أبرز مناطق توريد مصادر الطاقة (نفط وغاز) إلى العالم. والسؤال الآن : هل أعددنا العدة لمواجهة الخطر القادم؟! وتأتى الإجابة بأننا نحاول ونحاول ونبذل الجهد من أجل الخروج من أزمتنا الداخلية، وبالفعل ظهرت مؤشرات على التقدم نحو الأفضل. أما الخطر الكبير القادم فلا سبيل إلى مواجهته إلا بالعمل ثم العمل والكفاح وإعداد الوطن لبذل المزيد من الجهد والتضحيات. لمزيد من مقالات طارق الشيخ;