أثناء العقد الماضى تأثرت المعالم التاريخية في كل أنحاء مصر تأثراً بالغا، نتج ذلك بسبب اهتزاز مؤسسات الدولة بعد ثورة يناير2011. ولأن وضع هذه الآثار الفريدة مازال يتردى، إذن علينا أن نقوم بواجبنا حيالها لصالح الإنسانية والأجيال القادمة. فى كل مرة أعود إلى مصر أشعر بالحزن والقلق رغم كل ما يحدث من عمران وإصلاح أشاهد آثار التخريب الذى تعرضت له المعالم السياحية والحضارية فى البلاد، أشاهدها تئن أمامى وتستغيث ولا تجد من ينقذها، أشاهد ذلك فى الشوارع وعلى واجهات البيوت ويعتصرنى الألم حين أشاهد الإهمال واللامبالاة تمتد إلى تاريخ مصر وكنزها من المعالم السياحية الذى قدمته الأجيال المتعاقبة من بناة الحضارة للإنسانية فى كل العصور. علنا نتذكر أن مصر هي الدولة الوحيدة في تاريخ الإنسانية جمعاء التي لم تتغير حدودها منذ 5000 عام. لذاك تزخر أرضها بسجل رائع من المواقع والأبنية والزخارف والمخطوطات الفريدة. تشمل هذه ما تركه القدماء خلال 3000 سنة من البنيان والابتكار المعمارى والفنى والعلمى والثقافى. جاء إلينا بعد ذلك الإغريق من اليونان والرومان من إيطاليا ثم العرب في بداية الفتوح الإسلامية وتوالت الحقب حتي تمكنت مصر من الحكم الذاتي في عهد محمد علي ثم بعد ثورة يوليو 1952. تركت كل حقبة من هذه الأحقاب آثارا ومعالم فريدة تستدعى الحفاظ عليها والعمل على إبراز أهميتها محليا وعالميا, شاملا ذلك كل دور العبادة اليهودية والمسيحية والإسلامية لأننا مسؤولون عنها أمام الإنسانية جمعاء. في نفس الوقت لا تستطيع الدولة القيام بكل ما يلزم للحفاظ على هذه الآثار ونقاء بيئتها. لذلك فإنى أناشد أهل مصر جميعا القيام بما يلزم من مبادرات لهذا العمل الوطنى المهم. وأخص بالذكر الدور الفعال الذى يمكن لشباب مصر من خريجى الجامعات والمعاهد الفنية القيام به في هذا المجال. وطبيعى أن تتطلب مشاركة الشباب وجود ما يلزم من مال لتدريبهم ثم تعيينهم في المواقع المختلفة تبعا للحاجة في كل موقع. علنا أن نتصور قيام مجموعة من الشباب خريجى الجامعات - إناثا وذكورا بالاجتماع للاتفاق على المبادئ الأساسية لفروع مؤسسة أهلية تقوم بتحديد ما يتطلبه الوضع من تدريب الشباب وتشغيلهم في هذا المجال الوطنى. يتم بعد ذلك العمل المحلى - بواسطة أهل كل حى أو نجع او قرية أو مدينة أو محافظة - للاتفاق على ما يلزم من عمل في كل موقع وكذلك بتحديد عدد العاملين. يؤهل ذلك تحديد الميزانية اللازمة لتدريب «حماة الآثار» وما يلزم من ميزانية لرواتبهم الشهرية. كلمة ميزانية فى هذا الصدد تستدعى الفكر غير المعهود. إنى أعتقد أن أعدادا غفيرة من الناس في مصر يهمها الحفاظ على آثارنا التاريخية. كذلك أتوقع أن الكثير منهم على استعداد للمساهمة الفعالة حيال هذا الغرض النبيل. لذلك فإنى أرجح إنشاء مؤسسة أهلية في كل محافظة (لكى نتوقع المنافسة بينها على من يجمع أكثر). تجمع هذه المؤسسة ما يمكن تحت إشراف مجموعة من الحكماء والقيادات المجتمعية محليا. إضافة الى ذلك يمكن طلب المزيد من الدعم المالى (بعد إثبات القدرة على شفافية العمل والاهتمام المحلى) من وزارات الشباب والعمل والتضامن الاجتماعى والثقافة والسياحة والآثار والأوقاف والهجرة. المهم في كل ذلك أن يبقى مخطط العمل والفائدة منه في يد الشباب (أي من هم أقل عمرا من 35 سنة على الأكثر). أذكر هنا بأن متوسط عمر العاملين في مركز ناسا في هيوستن لاستكشاف القمر أثناء رحلة أبوللو 11 كان 26 سنة! هذا في حد ذاته يضمن تجدد الفكر واستمرار الجهد دون كلل، حتى نثبت للعالم كله أن مصر عندنا جميعا أغلى وأجمل الأشياء فعلا وليس كلاماً فى الهواء، والله الموفق. لمزيد من مقالات د.فاروق الباز;