استكمالا لما تناولناه خلال المقالات السابقة والخاصة بتحليل الآثار الناجمة عن السياسة الاقتصادية الجديدة، نعرج الآن لدراسة الإجراءات الحكومية التى تم اتخاذها لتلافى الآثار السلبية الناجمة عن هذه السياسات لمعرفة الى اى مدى ستساعد فى تخفيف وطأتها على الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة؟ وترجع أهمية ذلك فى ضوء الارتفاع الشديد فى نسبة الفقراء حيث تصل إلى 27.8% عام 2015.كما ارتفعت نسبة الفقر المدقع إلى 5.3%من السكان. وقد تركزت هذه الإجراءات فى زيادة الأجور والمعاشات بنسب مختلفة، حيث تمت زيادة المعاشات بنسبة 15% بالاضافة الى منح علاوة غلاء استثنائية بنسبة 7% للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية وبنسبة 10% لغير المخاطبين وذلك بحد ادنى 65 جنيها واقصى 130 جنيها وهو توجه حميد نتمنى ان يستمر. وعلى الرغم مما سبق إلا أن المشكلة تظل فى الجزء الغائب عن الصورة فالحكومة بالاجراءات السابقة لاتخاطب المجتمع ككل، ولكنها تخاطب شريحة معينة من العاملين بالدولة والجهاز الادارى والهيئات الاقتصادية والقطاع العام، وهؤلاء جميعا يشكلون نحو 22٫5% من اجمالى المشتغلين، ويتوزع الباقى على القطاع الخاص المنظم بنسبة 29٫7 % والقطاع غير المنظم بنسبة 46٫8%. وهنا نلحظ ان الفقر يرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل ودرجة الاستقرار فيه، حيث يوجد 53% من إجمالى الفقراء يشتغلون فى القطاع غير الرسمي، و11.7% فى القطاع الحكومي، و34٫9 % يعملون فى القطاع الخاص، بالإضافة إلى أن 30% من الفقراء والمشتغلين يعملون عملا غير دائم (متقطع) بينما 85% من غير الفقراء المشتغلين يعملون فى عمل دائم. وعلى الجانب الآخر فقد اعلنت الحكومة عن الاتفاق مع ممثلى الاعمال على منح علاوة غلاء للعاملين لديهم وهو توجه حميد، ولكن تأثيره محدود للغاية لعدة اسباب يأتى على رأسها عدم وجود آلية محددة لإلزام القطاع الخاص بها، خاصة انها لم تتم فى السياق القانوني، وهو المجلس القومى للأجور فعلى الرغم من ان قانون العمل انيط به تنظيم هذه المسألة لانه هو القانون الحاكم لعلاقات العمل فى المجتمع ، وفقا لما جاء فى المادة الثالثة منه. حيث يطبق على جميع العاملين فى المجتمع باستثناء العاملين بأجهزة الدولة، كما أفرد القانون المذكور الباب الثالث بأكمله للحديث عن الأجور فأشارت المادة (34) إلى المجلس القومى للأجور والذى أنيط به وفقا لهذه المادة وضع الحد الأدنى للأجور على المستوى القومى. وكذلك وضع الحد الأدنى للعلاوات السنوية الدورية بما لا يقل عن 7 % من الأجر الاساسي. الا ان ذلك لم يتم حتى الآن ومازالت سياسات الأجور لدى القطاع الحكومى والعام افضل بكثير من السائدة لدى القطاع الخاص، وخير دليل على ذلك قيام الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور على القطاعات المنطوية تحت الموازنة العامة للدولة والهيئات الاقتصادية، ولكنها لم تتمكن من تطبيقه على القطاع الخاص، ناهيك عن عدم الالتزام بقوانين العمل وتنظيماته وتوفير التأمين للعاملين ضد الصدمات. وثانى الإجراءات التى قامت بها الحكومة يتعلق بزيادة الدعم النقدى على البطاقات التموينيةمن 21 جنيها الى 50 جنيها، وبالتالى وصل دعم السلع التموينية فى موازنة العام الحالى 2017/2018 الى 85 مليار جنيه مقابل 45 مليارا خلال العام المالى 2016/2017 وعلى الرغم من اهمية هذه المسألة فى ضوء الدور المهم الذى تلعبه هذه البطاقات فى التخفيف من حدة الفقر اذ يشير بحث الدخل والإنفاق (عن عام 2015) الى ان نسبة تغطية البطاقات التموينية تصل الى 91.9% و91.2% للأسر الأقل إنفاقا فى الشريحتين الدنيا من شرائح الانفاق. من هنا تأتى أهمية البطاقة التموينية فى المجتمع بالنسبة للفقراء، اذ يمثل ما تحصل عليه الاسرة فى الشريحة الدنيا من الانفاق، من دعم للسلع الغذائية نحو 10.5% من إجمالى استهلاكها من الغذاء والشريحة الأخرى تصل الى 8.8% مقابل 4.2% فى الشريحة الأعلي. وتختلف هذه النسبة وفقا لنوع السلعة مع ملاحظة ان نسبة ما تحصل عليه الاسرة من الأرز وفقا للمنظومة الجديدة للدعم يصل الى 23.4% من اجمالى استهلاكها من هذه السلعة وترتفع هذه النسبة الى 72.6% فى الزيت ونحو 72.5% فى السكر. كل هذه الأمور وغيرها تدفعنا للتعامل الحذر مع هذه المسألة خاصة فى ضوء الحديث حول كيفية تنقية بطاقات التموين من غير المستحقين، ورغم أهمية هذه المسألة وضرورتها ( حيث يبلغ عدد بطاقات التموين نحو 21 مليون بطاقة تضم حوالى 68٫5 مليون مستفيد ( فبراير 2017) وهو رقم ضخم بالتأكيد، مع ملاحظة انه يختلف من محافظة لأخرى فعلى سبيل المثال تصل نسبة الفقراء الى المستفيدين من البطاقات التموينية الى 9% فقط فى بورسعيد ونحو 18% فى كل من الدقهلية والشرقية والقليوبية والإسكندرية، بينما تصل فى القاهرة الى 24%) الا ان المسألة أعمق من ذلك بكثير. خاصة وقد أظهرت الدراسات ان هناك نحو 20 % من الفقراء ليس لديهم بطاقات تموينية أصلا، وهى المسألة التى ينبغى الانشغال بها، ودراسة كيف يمكن ضم هؤلاء الى بطاقات التموين الحالية، خاصة ان معظمهم ليس لديهم أى أوراق أو مستندات رسمية ولا يتعاملون مع الجهاز الإدارى للدولة باى صورة من الصور. فى هذا السياق يأتى الإجراء الثالث وهو الخاص بالتعديلات فى قانون الضرائب وعلى الرغم من الإيجابيات التى جاء بها هذا التعديل، حيث قام برفع الشريحة الاولى المعفاة من 6500 جنيه سنويا الى 7200 جنيه، الا اننا نتساءل لماذا الاقتصار على هذا الرقم فقد كان من الافضل رفع هذا المبلغ الى 7400 جنيه، فاذا ما اضفنا اليه الإعفاء الشخصى (وفقا للمادة 13) نصل الى الحد الأدنى للأجور وهو 14400 جنيه سنويا (1200 جنيه شهريا). يضاف الى ما سبق عدم علاج الخلل داخل هذا النوع من الضرائب حيث توجد اختلافات عديدة فى النظم الاجرية، ومن ثم المعاملة الضريبية، حيث يخضع البعض من العاملين بالدولة الى قوانين مختلفة، بينما يخضع البعض الآخر من العاملين بالدولة الى قانون الخدمة المدنية، وثالثهما العاملون لدى القطاع الخاص، ناهيك عن إعفاء دخول بعض الفئات خاصة اعضاء البرلمان المصرى وفقا للائحة الداخلية للمجلس الصادرة بالقانون رقم (1) لسنة 2016 وطبقا لذلك توجد أنواع معاملة ضريبية مختلفة لمكتسبى الأجور، وهو مايشير الى عدم مراعاة المقدرة التكليفية للممول والاختلال الكبير فى المعاملة الضريبية بين متحصلى نفس الاجر. وعلى الجانب الآخر فان من اهم ماجاء به قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 هو إصلاح هيكل الأجور بالنسبة للخاضعين له. حيث تم تعديل هذا الهيكل ليصبح الاجر الوظيفى والاجر المكمل.وهو ما يعنى ضم كل من العلاوات الاجتماعية والعلاوات الخاصة الى الاجر الوظيفي، وبالتالى إلغاء الإعفاء الذى كانت تتمتع به، واصبحت ضمن الوعاء الضريبي، وبعبارة اخرى فان هؤلاء بمقتضى هذا القانون يدفعون ضرائب اكثر من زملائهم غير الخاضعين للقانون، وهذا خلل جوهرى كنا نتمنى ان يعالج فى القانون الاخير . لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى