الهجوم الضارى على الدكتورة نوال الدجوى بعد واقعة السرقة والبلاغ الذى قدمته للنيابة شىء غير إنسانى وغير عادل. هذه السيدة أعرف قصتها جيدا من خلال حوارات عديدة أجريتها معها، حكايات ملهمة رواها أستاذنا مصطفى أمين عنها. كيف بدأت؟ وكيف حاربت بكل إصرار وتفانٍ وإيمان بفكرتها حتى وصلت لكل هذا النجاح. الدكتورة نوال الدجوى واحدة من رائدات التعليم الخاص فى مصر. بدأت فى شبابها المبكر فى الخمسينيات من القرن الماضى بألف جنيه منحتها لها «أخبار اليوم»، وبالتحديد مصطفى وعلى أمين أصحاب المشروع الذى يحمل نفس الاسم «مشروع الألف جنيه». هدف المشروع كان تشجيع الشباب والنساء على التفكير الإيجابى فى بناء حياتهم وتأسيس مشروعاتهم بهذا المبلغ بشرط أن يقدم المشروع خدمة للمجتمع. تقدمت الشابة المليئة بالإرادة والأمل بمشروعها، وكان حضانة صغيرة تستقبل فيها أطفال الجيران والأسر التى تعمل المرأة فيها وتحتاج لأن تترك أطفالها الصغار بين أيدٍ أمينة حتى تعود من عملها. الفكرة راقت للأخوين أمين، خاصة عندما التقيا بها ولمحا شرارة التحدى ولمعة الذكاء فى عينيها وكلامها. أخذت نوال الألف جنيه لتكون نواة المشروع الأول فى حياتها، نجح المشروع وكانت «أخبار اليوم» شريكة معها بالألف جنيه، والهدف أن يكون العائد من مشروعها هى وغيرها ممن فازوا رأس مال دوار يغذى تمويل مشروعات أخرى هادفة. ولأنها إنسانة عصامية، منحت حياتها، جهدها، فكرها الفذ فى تحويل التراب إلى ذهب، شغلها على نفسها، والإطلاع على مدارس التعليم الحديث فى العالم كله، تطويرها لأنظمة التعليم فى مدارسها ثم جامعتها، كل هذا المشوار (أكثر من سبعين سنة عطاءً وشغلًا وإنجازًا) كان لا بد أن تكون ثماره كبيرة، وأن يكون العائد لها ولأسرتها ثروة هائلة، لكنها مشروعة، ومعلومة المصدر. نوال الدجوى علم من أعلام التعليم ليس فى مصر فحسب، بل فى الوطن العربى والعالم. معروفة فى أكبر جامعات بريطانيا التى منحتها أكثر من دكتوراة فخرية تقديرا لمشوارها المشرف، وإسهاماتها الملموسة فى الارتقاء بمستوى التعليم فى مصر. سمعت بأذنى كلمة السفير السعودى السابق أحمد قطان عن (ماما نوال) وهو اللقب الذى تحب أن يناديه به أبناؤها فى كل مكان وفى كل قطر عربى، قال عنها فى إحدى حفلات تخرج طلابها: إن أى نجاح حققته فى حياتى يرجع الفضل فيه لهذه السيدة وأشار بيده إليها وهى تجلس فى الصف الأول فى الاحتفالية. ظلم كل الظلم أن ينهال التراب على مسيرة طويلة مشرفة لرائدة ومثل أعلى لكل امرأة مصرية. إنه ظلم الأحكام المطلقة دون أن نعرف أصل الحكاية، والظلم الأكبر هو: ظلم الأحفاد الذين لم يصونوا هذا الإرث الإنسانى العظيم لجدة استثنائية.