بدأ الرئيس المصري الجديد وخصومه صراعا علي السلطة السياسية في وقت يبدو فيه المصريون في أمس الحاجة إلي أن يتوصلوا إلي صيغة للعمل معا لتجنب السقوط في براثن فوضي اقتصادية. فعلي مدي أسبوعين منذ تنصيبه تحدي الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين صراحة المجلس الأعلي للقوات المسلحة من خلال دعوة مجلس الشعب الذي يهيمن عليه الاسلاميون للانعقاد بعد أن حله المجلس العسكري عشية انتخاب مرسي. وهذه المواجهة السياسية قد تصيب الحكومة بالشلل وقد يكون أولي الضحايا هو الاقتصاد المصري الهش الذي يتجه سريعا صوب أزمة في الميزانية وميزان المدفوعات. وأسفر عام ونصف العام من الاضطرابات عن تخويف السياح ونزوح المستثمرين وتقويض النمو الاقتصادي ويحتاج المصريون أن ينحي قادتهم الصراع السياسي جانبا بسرعة. يقول شادي حامد من مركز بروكنجز الدوحة.. كل من الجيش والاخوان مصمم علي البقاء في المستقبل المنظور ولا يتمتع أي منهما بالقوة الكافية كي يهزم الآخر لذا يجب أن يكون هناك شيء من التسوية. وتحرك الجيش الذي يهيمن علي السلطة منذ ستة عقود للحد من صلاحيات الرئيس المدني الجديد بينما كان الناخبون يصطفون لانتخابه, ففي اليوم الأول من جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التي استمرت يومين الشهر الماضي أمر المجلس العسكري الذي يدير شئون البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك بحل مجلس الشعب.. وفي اليوم الثاني أصدر المجلس إعلانا دستوريا مكملا يحد من سلطات الرئيس ولم ينتظر مرسي طويلا لتأكيد سلطته فأصدر قرارا يدعو مجلس الشعب المنحل للانعقاد بعد أيام قليلة من توليه منصبه واجتمع المجلس يوم الثلاثاء الماضي, لكن القضاة الذين ينظر إليهم كحلفاء للمجلس العسكري قضوا بأن الرئيس تصرف بطريقة غير قانونية. وفي ظل هذا الوضع الصعب لن يتحمل الاقتصاد هذه المواجهة لفترة طويلة يقول الاقتصادي سعيد الهرش من كابيتال ايكونوميكس: يمكن أن يستمروا علي هذا الوضع لشهور وليس لسنوات. ويريد مرسي الذي تعرضت جماعة الاخوان التي ينتمي اليها للقمع خلال حكم رؤساء ينتمون للمؤسسة العسكرية أن يحد من نفوذ المجلس الأعلي للقوات المسلحة ويقلص المصالح الاقتصادية الهائلة التي يسيطر عليها. لكن يتعين عليه أيضا تلبية مطالب الناخبين الذين يتوقون للوظائف والأمن بعد فترة مرهقة من الاضطرابات منذ أطاحت انتفاضة شعبية بمبارك في فبراير من العام الماضي يقول حامد: المواجهة مع المجلس الأعلي وتحسين الوضع الاقتصادي لا يتفقان دائما. أحيانا يجب عليك أن تختار أن تعطي أولوية لأحدهما علي الآخر. وربما كلفت الأزمة السياسية بالفعل مرسي وقتا ثمينا لإصلاح الوضع الاقتصادي وهناك مهام ضخمة في انتظاره. وهوت الاحتياطيات المصرية من النقد الأجنبي إلي15.5 مليار دولار وهو ما يقل كثيرا عن نصف المستوي الذي كانت عليه حين اندلعت الانتفاضة ضد مبارك في يناير2011 وبلغت الفائدة علي أذون الخزانة المصرية لأجل عام16 في المائة وهو أعلي مستوياتها منذ عشر سنوات. وقال سايمون وليامز الاقتصادي لدي اتش.اس.بي.سي في دبي تشكيل حكومة شرعية وإثبات أن هذه الحكومة قادرة علي وضع السياسات وتنفيذها أمر ضروري لاقناع المستثمرين الذين يؤمنون بآفاق الاقتصاد المصري في الأجل الطويل أن بإمكانهم ضخ رءوس أموال الآن. ويتعين علي مرسي أن يقنع صندوق النقد الدولي بأن له سيطرة كافية علي الحكومة وانه يتمتع بتأييد سياسي واسع يمكنه من تنفيذ إجراءات تقشف من المتوقع أن يطلبها الصندوق قبل أن يوافق علي منح مصر قرضا بقيمة3.2 مليار دولار. وربما تتيح المساعدات الخارجية لمرسي فترة لالتقاط الأنفاس فقد قام بزيارة السعودية هذا الاسبوع في أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه, كما أن الغرب الذي يخشي من عدم الاستقرار في أول دولة عربية تبرم اتفاقا للسلام مع إسرائيل لا يريد أيضا أن تخفق مصر. لكن المساعدات السعودية أو الأمريكية لن تكفي لفترة طويلة فمصر في حاجة إلي استعادة ثقة فئات شتي من المستثمرين الأجانب من المشترين الغربيين للسندات إلي الشركات متعددة الجنسيات التي كانت حتي الإطاحة بمبارك تضخ سيولة وتوجد فرص عمل وتسهم في النمو حتي وإن شكا المصريون من أن الأغنياء فقط هم من جنوا هذه الثمار. يقول وليامز: المساعدات الخارجية ستمهل مصر بعض الوقت, لكن مصر في حاجة للإصلاح والوصول إلي رءوس الأموال الخاصة وتحقيق النمو إذاما أرادت أن تعوض الخسائر التي تكبدتها خلال الثمانية عشر شهرا الأخيرة. وقال دبلوماسي غربي: إن مصر دائما ما تجد وسيلة لتجنب الكارثة لكن هذا وحده لن يكون كافيا لتلبية تطلعات الشعب الذي ينتظر مستقبلا أفضل. وأضاف الدبلوماسي سيجدون دوما وسيلة يتدبرون بها أمرهم لكن هذا لن يقدم حلا.. الحل يكمن في القيام بشيء مختلف. في السنوات التي سبقت الانتفاضة نما الاقتصاد بنسبة سبعة في المائة مما أكسب مصر وضعا مميزا لدي مستثمري الأسواق الناشئة, لكن النمو تراجع الآن لما دون اثنين بالمائة وهو ما يقل كثيرا عن المستويات المطلوبة لتوفير الوظائف للشبان الذين قادوا الاحتجاجات ضد مبارك.