لقبه «مهندس سفير» علاقاته بالإسرائيليين - وتحديدا جنرالات الجيش الإسرائيلي- لا أحد يخفيها، يتردد بانتظام على قطاع غزة حاملاً تمويلاً سخيا للغاية. فمن يضمن أوجه إنفاق هذا التمويل؟ ومن يراقب تحركاته على بعد أمتار من الحدود المصرية مع غزة في شمال سيناء؟ إنه القطري محمد إسماعيل العمادي. لا يوجد شخص عاقل في العالم يعترف بأنه يمول الإرهاب أو يرعاه، لابد دوماً من غطاء أو خط رجعة، فإذا تم فضح الأمر فسيناريو دفع الفدية لتحرير رهائن موجود، أو جمع صدقات وأموال زكاة لصالح مشردين فقراء. لكن ببعض التدقيق يحق للمراقب أن يتشكك وأن يطالب بآلية لضمان ضبط منظومة ضخ الأموال وأحيانا السلاح. نفس الأمر ينطبق على قطر ذات التاريخ الملوث بدعم الإرهاب إعلاميا وتمويليا، حيث اعترف وزير الخارجية القطري في تصريحات غير مسبوقة بأن بلاده موّلت الإرهاب، وأنها غير ديمقراطية، فالدوحة التي تحاول تصدير الديمقراطية للعالم العربي وبث الفتن والإرهاب والطائفية خصصت نحو نصف مليار دولار كدفعة أولى لإعادة إعمار قطاع غزة، وتشييد مجموعة عمارات سكنية في مشروع يحمل اسم الأمير «حمد» وجعلت من الإخواني القطري محمد إسماعيل العمادي مسؤولا عن هذا الملف، والمريب أنه لا يكتفي بالمتابعة عن بعد، بل يصر على التردد على القطاع في زيارات طويلة منطلقا من معبر الملك حسين إلى الضفة الغربية ثم إسرائيل التي أقر في حوار أدلى به لموقع «والاس الإخبارى الإسرائيلى» أن له علاقات متميزة بكبار مسئوليها، وأن على رأس هؤلاء الأصدقاء الجنرال «يؤاف مردخاي» المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال ومنسق أنشطته حاليا في الضفة وغزة. وبعد ذلك يتجه لغزة ..فكيف يستقيم لقطر أن تنتهك مبدأ الأرض مقابل السلام بهذا الشكل الفج؟ فهي لم تكن لها أرض محتلة لكي تقايضها بورقة السلام والتطبيع، ومع هذا هرولت نحو التطبيع مع تل أبيب دون أن تربط ذلك بانسحاب إسرائيلي من الأراضي الفلسطينية أو السورية، بل وفتحت قناة «الجزيرة» للمتحدثين باسم جيش الاحتلال، ووفرت لهم منصات ينطلقون منها لمنازلنا، وهو ما استفاد منه نتنياهو أكثر من مرة، حيث ظهر على زالجزيرةس لفترات وصلت إلى 40 دقيقة متصلة شرح خلالها وأسهب وبث الأخبار الكاذبة بأريحية.. فأي قطر تلك التي تحدثنا؟ وأي قطر التي تدفع لمؤسسات وأفراد في غزة مئات الملايين من الدولارات بالتنسيق مع إسرائيل؟ قطر داعمة المقاومة أم قطر صديقة إسرائيل؟ في المقابل نطرح السؤال على المراكز البحثية والمتخصصين والحكومة في مصر، لماذا لا يتم تفعيل أكبر للتعاون الاقتصادي مع غزة؟ المقصود كمرحلة أولى هو تصدير أكبر للقطاع كبديل لتبادل تجاري بين غزة وإسرائيل يتجاوز 4 مليارات دولار سنوياً، أعتقد أن تطبيق هذه الفكرة وتشجيعها سيفتح المجال لتشغيل شباب اتجهوا للأنشطة الإجرامية. فعملية النقل أو التغليف وما يستتبعها من خدمات ورواج سيحاصر الإرهاب تدريجيا، على غرار جنوبسيناء التي تنتعش فيها السياحة وتشهد أوضاعاً مستقرة، بل وتم القضاء على بؤرة جبل الحلال في وسط سيناء بعد أن ظلت مستعصية ومعقلا للإرهابيين. ولا ضير من الاستفادة من التجربة الإسرائيلية فنحو 85 بالمئة من صادرات الضفة وغزة تذهب لإسرائيل، فضلا عن شراء غزة الكهرباء والوقود منها بانتظام. وتستورد غزة مواد بناء، وعشرات الأطنان من الفواكه والخضراوات من إسرائيل مستفيدة من أن إسرائيل لا تعتبر التوريد لغزة تصديراً. طالما تم فتح صفحة جديدة مع حماس وبات هناك سلوك أكثر انضباطا وإجراءات عملية لتأمين الحدود من الجانب الفلسطيني وحديث شامل عن حلول غير تقليدية لرأب الصدع والانقسام. فلماذا لا نقنن الأوضاع أمام سلع بعينها، ونعزز الجنيه المصري لكي يدخل بقوة كبديل للشيكل الذي يتم التعامل به داخل غزة اليوم على نفس الدرجة وربما أقوى من الدولار والدينار الأردني، وهو ما لا يليق بالقطاع وتاريخه النضالي. أيا كان ما يفعله العمادي القطري في غزة فلابد من آلية لضمان أن تلك الأموال تنفق فعلاً على تشييد شقق سكنية، ولا توجه تحت ستار هذه اللافتة الإنسانية لتشييد أنفاق الإرهاب والخراب التي تصب فقط في مصلحة مجموعة من المجرمين. مهما كان ما تمارسه قطر في القطاع نرى أنه حان الوقت لحركة ورؤية مصرية متجردة في مقابل التحالف القطري الإسرائيلي المشبوه. حركة ترتكز على صالح المصريين والفلسطينيين معا على القوة الناعمة لمصر برصيدها التاريخي، وعلى لغة المصالح. فتنشيط التجارة وتشجيعها تحت الإشراف والرقابة يعني انتعاشا ورواجا حقيقياً يحشد المصالح اليومية للآلاف في مواجهة الإرهابيين وأجهزة المخابرات التي تحركهم والجنائيين المتحالفين معهم. ترك الساحة للتسلل القطري بأجندات مشبوهة إلى قطاع غزة يحتاج لمراجعة سريعة مع الأخذ في الاعتبار ضرورة ترتيب الأولويات. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور;