كانت سياسة إسرائيل طويلة الأمد هي عزل حماس، الحركة الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة. ولطالما كانت إسرائيل تتهم قطر بتمويل حماس، بما في ذلك توفير الأموال المستخدمة لإطلاق صواريخ على إسرائيل خلال حرب الصيف الماضي. فلماذا، إذن، تسمح إسرائيل لمسؤول قطري بزيارة غزة وإنفاق عشرات الملايين من الدولارات في القطاع الساحلي؟ هذا المسؤول هو محمد العمادي، الذي يقول إنّ قطر تستخدم الأموال في قطاع غزة لمساعدة الشعب الفلسطيني وليس حماس. ويضيف: “إذا كنت ترغب في مساعدة غزة، فإنّ حماس هي أفضل وسيلة اتصال للقيام بذلك“. وقال العمادي خلال زيارته لقطاع غزة: “يجب أن نقدم لهم الدعم. أنت لا تحبهم، هذا شأنك، لكنهم يسيطرون على البلاد كما تعلم“. في رحلته الأخيرة، سافر العمادي بين إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة لإجراء محادثات حول مشاريع إعادة الإعمار، بما في ذلك إنشاء ألف وحدة سكنية جديدة. عانى قطاع غزة من أضرار جسيمة خلال الحرب العنيفة في الصيف الماضي. في إسرائيل، التقى العمادي مع رجال الأعمال ومع الجنرال الإسرائيلي المسؤول عن السماح بمرور البضائع والأشخاص من وإلى غزة. وغادر العمادي ذلك الاجتماع عندما سقط صاروخ أُطلق من غزة في جنوب إسرائيل. يقول العمادي إنّه اتصل على الفور بالمسؤولين في غزة لمعرفة ما إذا كانت حماس هي من أطلقت هذا الصاروخ. لماذا تسمح إسرائيل بأن تعطي قطر الملايين لحركة حماس؟ الجدل الإسرائيلي يقول يوسي كوبرفاسر، الرئيس السابق لمركز لأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، إنّ هناك سببًا وجيهًا وراء مساعدة إسرائيل لقطر في مساعدة غزة. وأضاف: “لا أحد آخر على استعداد للمساعدة باستثناء قطر“. كما يقول كوبرفاسر: “لأن حماس ليست مجرد ميليشيا ولكنها حكومة حقيقية، فإنّ تحسين الحياة في غزة قد يردع حماس عن الحرب“. ويوضح كوبرفاسر: “نحن نعتقد أن تحسين الظروف في قطاع غزة من شأنه أن يقلل من حافز حماس والسكّان لخوض الحرب مرة أخرى، وهذا يساعد، بشكل أو بآخر، في الردع. ولكن الغرض من ذلك هو تحسين أوضاع سكّان غزة وتمكينهم من عيش حياة كريمة“. وقال المتحدث باسم حماس إنّ إسرائيل تسهل الأمور على قطر لتجنب الانتقادات بشأن دمار الحرب واستمرار القيود المفروضة على المواد التي تذهب إلى غزة. ربما يقول شخص إسرائيلي يعرف قطر جيدًا إنّ تسهيل عمل قطر في غزة هو سياسة إسرائيلية جديدة. “أنا مندهش جدًا لأنني لا أعتقد أن هذا لا يجب أن يكون الحل“، هكذا يقول إيلي أفيدار، الذين يدير مكتب تجاري إسرائيلي في قطر والذي نشر كتابًا عن هذه التجربة بعنوان “الهاوية”. يعمل هذا المكتب التجاري لأكثر من عقد من الزمن رغم أنّ إسرائيل لم تكن تمتلك سفارة في قطر. ويقول أفيدار بعد حرب الصيف الماضي، إنّ الضغوط الدولية ازدادت على قطر لوقف تمويل الجناح المسلّح لحركة حماس. لكن النهج الإسرائيلي قوّض هذا التمويل الآن. ويقول أفيدار: “تزويد قطر بالقدرة على القيام بشيء من هذا القبيل يمكّنها من الحفاظ على سياستها بدعم الإرهاب من جهة، والظهور في المجتمع الدولي باعتبارها عاملًا إيجابيًا في المنطقة من جهة أخرى“. المعادلة الإقليمية ولكنّ أيوب كارا، نائب وزير إسرائيل للتعاون الإقليمي، له وجهة نظر أوسع؛ فهو يقول إنّ قطر، إلى جانب المملكة العربية السعودية وغيرهما من الدول في منطقة الخليج، يتشاطران المخاوف الإسرائيلية بشأن إيران. ويقول كارا: “معظم هذه الدول تخاف من المستقبل مع إيران؛ وبالتالي فنحن لذلك لدينا فرصة الآن لتحسين العلاقة معهم بشكل أفضل“. ويقول كوبرفاسر الذي عمل في السابق مع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: “لقد تحدثت إسرائيل عن تحالف مع الدول السُنية منذ سنوات. العمل مع قطر، حتى لو كان ذلك يفيد حماس، ليس بالأمر الغريب“. وأضاف: “الحياة مليئة بالتناقضات والأشياء الغريبة“. كما أنّ قرار إسرائيل يبدو منطقيًا بالنسبة لرجل قطر في غزة؛ حيث يقول محمد العمادي إنّ مشاريع قطر الحالية هنا قد تستغرق ثلاثة أو أربعة أعوام أخرى.