بعد تخفيض الدعم عن المحروقات من أجل زيادة حصيلة الدعم لمحدودى الدخل كطرح من أطروحات حل الأزمة الاقتصادية التى تعانيها الأمة المصرية، لجأ بعض التجار والسائقين من ضعاف النفوس إلى المغالاة فى أسعار بعض السلع والخدمات واحتكارها. ولئلا يكون تخفيض الدعم عن المحروقات سببا فى التهاب الأسعار، طالب علماء الدين الجهات المعنية بفرض رقابة مشددة على الأسواق ووضع تسعيرة جبرية، ومصادرة السلع من التجار المحتكرين، مؤكدين أن المغالاة فى الأسعار واحتكار السلع حرام شرعا، وأكل لأموال الناس بالباطل. وأوضح العلماء أن الشريعة الإسلامية يسرت للناس سبل التعامل بالحلال لكى تكون أجواء المحبة سائدة بين الأفراد، وحرم الإسلام أكل أموال الناس بالباطل فقال تعالي:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ). وقالت دار الإفتاء إن الإسلام حرم الاحتكار، وإن شراء السلع المتوقَّع ارتفاع سعرها طلبًا للربح إن تمَّ بيعها بثمن مثلها بلا حبس فهو جائز، وإن اشتراها وقت الغلاء وحبسها متربصًا زيادة السعر مع حاجة الناس إلى ما حبسه فهو من الاحتكار المحرَّم. وهذا التحريم لا يثبت إلا بشروط، منها: الشراء وقت الغلاء، والحبس مع تربص الغلاء، وإحداث ضرر بالناس جراء الحبس. خلق أزمات من جانبه، قال الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن، إن بعض التجار استغلوا رفع الدعم عن المحروقات فى خلق أزمات فى المجتمع مما كان له أثر على أسعار السلع الضرورية, موضحا أن التجار يتحكمون فى سعر سلعة معينة فيقل ثمنها إلى أدنى حد, أو يرتفع ثمنها إلى ما لا طاقة لكثير من الناس به, بحيث يعجزون عن إشباع حاجتهم منها, يظهر هذا فى كثير مما تشتد حاجة الناس إليه. وقال إن الاحتكار هو حبس ما يضر بالناس حبسه بقصد إغلاء السعر عليهم, وقد جاءت أحاديث عدة يدل ظاهرها على تحريم الاحتكار، منها: حديث: زمن دخل فى شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم, كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة, وحديث: زمن احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ والخاطئ هو المذنب العاصى لله تعالي)، وحديث: «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس». وكل الأحاديث تؤكد حرمة احتكار الطعام وغيره من أنواع السلع التى يحتاجها الناس, فإن حاجة الناس لا تتعلق بالطعام فقط, فقد تشتد حاجتهم إلى كساء ودواء ومأوى ومُعدَّة وآلة ونحو ذلك أكثر من حاجتهم إلى الطعام, واحتكار ما يحتاجون إليه من ذلك يضيِّق عليهم ويوقعهم فى حرج, وإذا كانت العلة فى حرمة الاحتكار هو الإضرار بالناس, فكل ما يترتب على احتكاره الإضرار بهم فهو مما يحرم احتكاره. مصادرة البضائع وأشار إلى أنه بعد تخفيض الدعم عن المحروقات فى الأيام السابقة اتجه بعض أهل الجشع إلى الاحتكار وغالوا فى أسعار سلعهم، بدعوى رفع الدعم عن المحروقات، مع أن ما يتاجرون فيه لم يتأثر برفع الدعم عنها من قريب أو بعيد, رغبة منهم فى التضييق على الناس, وحرمانهم من إشباع حاجتهم فيما يبيع. وطالب الجهات المعنية بالدولة بالضرب بيد من حديد على من يستغلون حاجة المواطن والتضييق عليه وتعطيش السوق بغية رفع أسعارها وتحقيق مكاسب مادية على حساب المواطن البسيط، مشددا على ضرورة وضع تسعيرة جبرية للسلع الضرورية للناس, مشيرا إلى أن ذلك أجازه فريق من فقهاء الإسلام, بحيث توقع العقوبات التعزيرية على المخالفين, ومصادرة البضائع والسلع ونحوها مما يتاجر فيه, إن لم يلتزم بالتسعيرة الجبرية, أو توزيعها على الناس بالقيمة الأساسية لها. أما الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، فيرى أن من يستغلون حاجة الناس فى رفع الأسعار واحتكارها آثمون ويخالفون الشرع الذى نهى عن استغلال حاجة المواطن بصورة تخالف الشرع وتخالف القوانين الوضعية فى الدولة معتبرا ذلك حراما شرعا وأن مرتكبيه مفسدون فى الأرض فى حق الشعب وحق المجتمع. وطالب الدولة بوضع تسعيرة جبرية يلتزم بها كل التجار سواء جملة أو موزعين وذلك تماشيا مع سياسة الدولة فى ضبط الأسعار وعدم استغلال حاجة الناس. وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور مأمون مؤنس، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن القرآن والسنة أجمعا على تحريم الاحتكار وذلك لقوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ، وكذلك لحديث الرسول الكريم: من احتكر فهو خاطيء. وما نشهده فى الفترة الأخيرة من ارتفاع الأسعار بشكل جنونى لا يتناسب مع تخفيض بعض الدعم على المحروقات. وأرجع ذلك لجشع بعض التجار مخالفين بذلك الشرع والأديان السماوية فى احتكار الأسعار وتعطيش السوق بتخزين بعض السلع الأساسية بغية رفع أسعارها. وطالب بضرورة أن يكون المواطن على قدر كبير من الوعى ومقاطعة السلع وعدم الانسياق وراء الترويج للشائعات بشراء السلع وتخزينها، لان ذلك من أهم أسباب ارتفاع الأسعار ويساعد التجار على رفع الأسعار واحتكارها، ومقاطعة المحتكرين يساهم بشكل قوى وفعال فى ضبط الأسعار فى السوق ويقضى على جشع التجار. من جانبه أشار الدكتور نبيل السمالوطي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إلى أن مصر فى حاجة ماسة إلى إعلام تنويرى قادر على محاربة الغلاء وغرس القيم الإسلامية الصحيحة التى تحرم الجشع والمغالاة والاحتكار فى كافة السلع، وغرس روح الانتماء لدى الأفراد والمجتمع من خلال نقل الحقيقة دون مزايدة أو تضليل. وطالب الإعلام بالتركيز على توضيح الحقيقة ونقل الصورة بدون مزايدة، ومحاربة كل من تسول له نفسه المساس بالقيم المرتبطة بالمجتمع وبالسلع الأساسية للمواطنين.