بالرغم من بعض الملاحظات حول «التكتيك» أو أسلوب إدارة الأزمة، التى يمكن توجيهها للدول العربية الأربع التى تقود حملة المقاطعة لقطر (مصر و السعودية و الإمارات و البحرين)، فإنه يمكن القول إن هذه الدول قد حققت العديد من أهدافها «الإستراتيجية» بخصوص المسألة القطرية، وحتى لو لم يتم تصعيد الشروط و إجراءات المقاطعة ضد قطر، فإن الدول الأربع قد حققت مكاسب يجب الحفاظ عليها، و يمكن الإشارة لبعضها فيما يلى: أولا: أصبحت قطر تحت دائرة الضوء الدولى فيما يتعلق بقضية مكافحة الإرهاب، و الكثير من القضايا «المسكوت عنها» فى العديد من العواصم الدولية الكبرى بما فيها تلك الصديقة لقطر، بشأن السلوك القطرى فى مساندة الإرهاب، أصبحت الآن محل جدل بين دوائر صنع القرار فى هذه الدول. وأصبحت تصرفات القيادة القطرية تحت المجهر. على سبيل المثال نادرا ما كان اللقاء بين أمير قطر والشيخ القرضاوى يثير اهتمام الإعلام الدولى، ولكنه بعد تفجر الأزمة احتل عناوين رئيسية وصدارة نشرات أخبار فى إطار الجدل حول علاقة قطر بجماعة الإخوان المسلمين. الاهتمام الدولى أيضا بمسألة تمويل قطر للجماعات الإرهابية دفعها الى التوقيع – منذ أيام قليلة – على مذكرة للتعاون مع الولاياتالمتحدة لمراقبة حركة الأموال الخارجة منها و التى قد تنتهى فى أيدى جماعات أرهابية. و بالتالى فإن قيام الدول الاربع بإثارة القضية القطرية و الاهتمام الدولى بها أدى بلا شك الى وضع قيود كبيرة على الحركة و التصرفات القطرية بشأن مساندة الارهاب. وهو مكسب كبير. ثانيا: إثارة القضية القطرية سوف يزيد من تركيز صانع القرار القطرى بالقضايا الداخلية خوفا من تناقص الشرعية. وما قد يترتب عليه من نتائج فى بيت الحكم، و هو ما قد يؤدى الى خفض الاهتمام بالدور القطرى فى الخارج و تورطها فى القضايا الإقليمية، و الذى كان سببا لتعقد هذه القضايا و ليس حلها كما حدث فى ليبيا. يضاف لذلك أن قطر قامت ببناء سمعتها الدولية كقوة إقليمية بقدرتها على الوساطة فى عدد من القضايا بالمنطقة كما فى دارفور و لبنان و بين حماس و فتح. و بالتأكيد فإن عزلة قطر قد ضربت هذا الدور، و جعلت من قطر دولة محل أزمة تحتاج وساطة دول أخرى للخروج منها. أى أن أحد مكاسب هذه الأزمة حتى الآن هو المساهمة فى عودة قطر لحجمها الحقيقى فى المنطقة. ثالثا: مما لاشك فيه أن هناك تغيرا فى السياسة الأمريكية تجاه قطر ظهر جليا خلال هذه الأزمة. وتتبنى إدارة ترامب موقفا مختلفا عن مواقف إدارة سلفه أوباما من قطر و الذى ظهر فى تصريحات ترامب فى بداية الأزمة و اتهامه قطر بشكل صريح بالمشاركة فى تمويل الإرهاب. ولكن موقف ترامب المتعاطف مع المطالب العربية من قطر بخصوص وقف مساندة الارهاب ماديا و سياسيا و إعلاميا يقابله موقف وزارة الخارجية الامريكية التى تريد وحدة الصف العربى فى مواجهة الإرهاب، أى لا تريد انشقاقات أو خلافات بين حلفائها العرب فى هذه اللحظة. و كذلك مواقف وزارة الدفاع التى تريد الحفاظ على التعاون العسكرى مع قطر فى ظل وجود أكبر قاعدة جوية أمريكية بمنطقة العديد بالقرب من العاصمة الدوحة (و مشاركة قطر بأكثر من مليار دولار فى بناء هذه القاعدة) و كذلك وجود أكثر من عشرة الاف من القوات الأمريكية على الأراضى القطرية بالإضافة الى التدريب و صفقات السلاح .. الخ. بالإضافة الى أن قطر قد استطاعت أن تتغلغل فى بعض مراكز الأبحاث الأمريكية ومصادر القوة الناعمة الأمريكية الأخرى و التى يتعاطف بعضها الآن مع الموقف القطرى، و مع ذلك فإن جهود الوساطة الأمريكية التى يقوم بها وزير الخارجية تيلرسون لا تعنى التحيز لوجهة النظر القطرية، ولكنها تسعى للتهدئة و فى نفس الوقت تأخذ فى الإعتبار مطالب الدول الأربع بخصوص وقف مساندة قطر المادى و المعنوى للإرهاب، وهو موقف الرئيس ترامب، صاحب القرار الأخير فى السياسة الأمريكية تجاه هذه الأزمة. رابعا: مما لاشك فيه أن مصر حققت العديد من المكاسب منها أن دول الخليج تبنت العديد من مطالبها تجاه قطر، وخاصة ما يتعلق بوقف مساندة جماعة الإخوان المسلمين، وانتهى أى شك فيما يتعلق بموقف بعض هذه الدول بخصوص تنظيم الإخوان، و أصبح موقفها متطابقا مع الموقف المصرى و هو مكسب كبير. يضاف لذلك أن هذه الأزمة أوضحت حقيقة الموقف التركى من دول الخليج وأن مصر كانت تتبنى الموقف السليم تجاه تركيا، و بالتالى فإن الأزمة القطرية سوف تزيد من الفجوة بين تركيا و دول مثل السعودية و الإمارات، وهو بالتأكيد مكسب لمصر. كما أن دخول إيران طرفافى الأزمة القطرية ومساندتها الموقف القطرى، و تردد أنباء عن جهود خليجية مصرية للتعاون العسكرى لمواجهة التهديدات الإيرانية للبحرين، سوف يدعم بالتأكيد أوجه التعاون الأخرى بين مصر و دول الخليج. خلاصة القول إن تعامل مصر ودول الخليج الثلاث مع الأزمة القطرية قد حقق العديد من المكاسب، وحتى لو لم تستجب قطر للمطالب العربية أو لم يتم تصعيد العقوبات، فإن مجرد الحفاظ على عزلة قطر هو مكسب استراتيجى كبير، وسوف يسهم أجلا إن لم يكن عاجلا فى تغيير السلوك القطرى. لمزيد من مقالات د. محمد كمال