أنا سيدة فى السادسة والثلاثين من عمرى، تزوجت شابا من أسرة ميسورة الحال يكبرنى بسنوات، وعشت معه حياة مستقرة, ومرت سنوات على زواجنا دون إنجاب, وأصبح شغلى الشاغل هو أن أتردد على الأطباء للاطمئنان على حالتى الصحية, وقد أجمعوا على أننى وزوجى طبيعيان جدا، ولا يمنعنا أى عائق عن الإنجاب, وأن القضية مسألة وقت، وبرغم كلماتهم المطمئنة كنت أشعر بالضيق عندما ألاحظ لهفة زوجى علىّ، ومحاولاته الدائمة إسعادى وتخفيف متاعبى وآلامي, فبحث لى كثيرا عن عمل أشغل به وقتى وتفكيرى، وشجعنى على ارتداء الحجاب والتقرب إلى الله حتى يرضى عنا ويمن علينا بطفل, ولكن لم يهدأ لى بال ولم أكترث لكلامه, وأخذت أتحدث إلى كل الأقارب والجيران والأصدقاء فى مسألة الإنجاب, حتى إننى سمحت لنفسى بالخوض فى علاقتى الخاصة مع زوجى, ونسيت أن الكلام فى مثل هذه الأمور أسرار لا يجوز البوح بها لأى إنسان, ونصحنى زوجى مرارا بألا أتكلم عن بيتنا مع الآخرين، ولكننى لم استجب له, وبدأت أشعر بنفوره منى, وازدادت المشكلات بيننا, وتدخلت أمى وعمتى بشكل محرج لدرجة أنهما اتهماه بأنه مريض ولن يستطيع الإنجاب, وانتقل هذا الحديث إلى أهله فتدهورت علاقتنا, وبرغم ذلك لم يحاول إهانتى أمام الناس, وكانت معاملته لى طبيعية جدا، ومرت ثلاث سنوات على هذه الحالة القاسية، ثم فوجئت بأننى حامل, ومضت شهور الحمل سريعا وأنجبت ولدا ركزت كل حياتى لتربيته, وعمره الآن تسع سنوات, وكان هو كل شيء فى حياتنا, ومحور اهتمام والده. ولقد تصورت أن زوجى سيكون سعيدا بعد الإنجاب، لكنه لم ينس إساءتى إليه، والتشكيك فى رجولته بين الأهل والأصدقاء, إذ لا يعيرنى أى اهتمام، وزادت الفجوة بيننا كثيرا, وبدلا من أن أستوعبه، تجاوزت فى الحديث عنه بشكل خادش للحياء, وطلبت منى أمى أن أهدده بطلبى الطلاق وهدم البيت لعله يخاف ويرتدع وتعود علاقتنا إلى سابق عهدها، ولكن شعوره تجاهى لم يتغير بل زاد تعنته, فأصرررت على طلب الطلاق، فوافقنى على طلبى وأخذنى بمنتهى التحضر إلى المأذون، وطلقنى ودفع أمامى فى حضور الجميع مؤخر الصداق بالتمام والكمال, وحاولت أن أضغط عليه بطلب نفقة متعة لعله يتراجع عن الطلاق فوافق أيضا وكتبنا عقد اتفاق بالتزامه بجميع متطلبات ابنه من مأكل وملبس ومدرسة فى مقابل أن يراه يومين فى الأسبوع ويقضى معه الإجازات، وعرض علىّ أن أقيم فى شقة الزوجية ويكتبها باسم ابننا ولكننى رفضت لمجرد أنها فى عمارة أهله, واستأجرت شقة أخرى مجاورة لهم، وبعد ذلك علمت أنه تزوج بأخرى وأنجب منها بنتا فجن جنوني, وذهبت إلى منطقة سكنهم, وقلت لكل الناس حولهم سواء الجيران أو أصحاب المحال أن هذه السيدة سيئة السمعة وأن زوجها لا يستطيع الإنجاب, وأننى تعاطيت أدوية كثيرة حتى حملت بعد متاعب جمة عندما كنت على ذمته، ولعب الشيطان بي, وأصبح كل همى أن أتزوج من آخر حتى أغيظه كما أغاظنى وأدمر هذه الزيجة التى جعلتنى أفقد صوابي، وأسهر الليالى وأنا اتحسر على ما صنعته فى نفسي, وفكرت بمساعدة أمى أن أحرمه من رؤية ابنه وخالفت الشروط التى اتفقنا عليها عند الطلاق، وبالرغم من ذلك دفع مصاريف ابنه شهورا عديدة وهو لا يراه ولم اكتف بذلك، إذ رفعت عليه قضايا كثيرة حتى أتمكن من الشقة التى عرضها على من قبل بالمعروف ورفضتها. وبعد تفكير عميق مع نفسى فيما فعلته وجدتنى قد دمرت حياتى بنفسى وخسرت احترام الناس لى فلقد علموا أننى كاذبة فى كل ما ادعيته على زوجى, وخسرت ابنى أيضا الذى أصبح لا يطيقنى ويلح كثيرا فى الذهاب إلى أبيه للعيش معه بعد إصابته بآثار نفسية مدمرة منها التبول اللا إرادى والمشى فى أثناء النوم بسبب بعده عن أبيه, ومحاولتى إخافته وبث الرعب فى نفسه بأنه يكرهه وسوف يخطفه بعد أن تزوج من أخرى وأنجب منها ويعيش حياة مستقرة وهادئة بعيدا عنه!.. ولكنه لم يعبأ بكلامى وحرص على زيارة والده, وهكذا وجدتنى الخاسرة الوحيدة فى قصتى المؤلمة. إننى نادمة على ما فعلته، وأروى لك حكايتى هذه بعد أن استيقظ ضميرى وأنصح كل زوجة أو فتاة مقبلة على الزواج بأن تحافظ على زوجها وأن تحمى بيتها وأقول لها ان الطلاق شيء مدمر حقا، فمهما تكن الحياة الزوجية مليئة بالمشكلات، فإن مشكلات الطلاق أكبر بكثير, وقد تخسر المطلقة كل شىء ولن ينفعها الندم بعد فوات الآوان. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: أى بناء يقوم على غير أساس متين, يصبح مهددا بالانهيار أمام أى عاصفة, وكذلك الحياة الزوجية, إذا عكر صفوها شيء لا تعود إلى هدوئها السابق, ويكون مصيرها الفشل والانفصال. وأنت لم تعكرى صفو حياتك الزوجية فقط, وإنما سعيت أيضا بإرادتك إلى تدميرها لأسباب غير مفهومة, فلقد قصدت بهجومك على زوجك، وفضح علاقتك الزوجية به أمام الناس, أن تؤكدى لهم أن العيب فى تأخر الإنجاب منه، وليس قصورا فيك, وحتى بعد أن أنجبت منه زاد هجومك عليه, لكيلا يقولوا إن العلاج الذى تعاطيته هو الذى ساعد على زيادة نسبة الخصوبة لديك وإنجابك طفلك! وكان طبيعيا والحال كذلك, أن تتوتر حياتك الزوجية, وأن يؤدى تدخل الآخرين فيها إلى تشجيعك على طلب الانفصال لأن النار لا تحرق إلا من يمسك بها، وأنت أمسكت بلهيب الشائعات, وجعلت زوجك مضغة على كل الألسنة, ووجدت نفسك محاطة بالشكوك والأقاويل, فآثرت الانسحاب من حياة زوجك ظنا منك أنك سوف تعيشين حياة أكثر راحة, وربما تهافت عليك أزواج آخرون يرون فى أنفسهم ما ليس موجودا فى زوجك. وهنا كان قراره الشجاع بالانفصال عنك بل وتلبية كل مطالبك, ثم الزواج من أخرى تحفظ له قدره ومكانته، وبرغم تحقيقك هدفك فإنك تماديت فى شكوكك بأنه غير قادر على الإنجاب, ونسيت أنك أنجبت منه!!. وإذا كنت تقصدين مما فعلته الإساءة إلى زوجته الثانية, فإن الإساءة تطولك قبلها, فلو أنه غير قادر على الإنجاب فمن أين جاء طفلك إذن؟! عودى إلى جادة الصواب, واعلمى أنك تماديت كثيرا فى الإساءة إلى زوجك السابق, وهتك أعراض الآخرين, وسوف تدور الدوائر عليك حين تشربين من الكأس نفسها عندما ينبذك من حولك وتسبحين وحدك فى سفينة الحياة بلا سند ولا معين, ولا سبيل أمامك الآن سوى الإقرار بخطئك وندمك على ما فات والتقرب إلى الله بالصبر والصلاة والدعاء إليه بأن يعفو عنك وأن يجعلك آمنة مطمئنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.