لم يكن الراحل طلعت الشايب مجرد مترجم، يعمل فيما يعرض عليه، بل كان يختار ما يترجمه بما يتفق مع قناعته. فالرجل منحاز لنصرة الديمقراطية والحرية، وضد القمع.. ومع حرية التعبير والاعتقاد، وخياراته كلها تدل على ذلك.. ونظرة سريعة على أهم ترجماته تغنى هذا الرأى. - «مختارات لشعراء العالم» عام 1999 .. أشعار تفضح وتدين العنف والقمع والسجن. - «الحرب الثقافية الباردة» عن دور الاستخبارات الأمريكية في نشر معلومات عن طريق بث أخبار، أو الاهتمام بنوع معين من القضايا للتأثير على فكر وسلوك الجماعات المستهدفة، وكذلك تمويل الانقلابات ضد الأنظمة الوطنية، وتوظيف الدين لخدمة أغراض سياسية (أنظر ما يحدث على الساحة المصرية والعربية الآن) والتلاعب بنتائج الانتخابات الديمقراطية، (ومثال ذلك انقلاب حماس على السلطة الشرعية الفلسطينية) ويدس عملاء الاستخبارات عقار الهلوسة للاشخاص المستهدفين دون علمهم. كما تحول المخابرات بطرق خفية المعارض التشكيلية ذات النزعات الغربية، وتترجم للكتاب الذين تدور أعمالهم بعيداً عن حياة شعوبهم ومشاكلها، وتجعلهم يفوزون بالجوائز، لدفع غيرهم على المسير في خطهم، لقتل وعي الشعوب وصرفها عما يرتكبه الاستعمار في حقها من جرائم .. أما كتاب «حدود حرية التعبير» لمارينا ستاغ، الذى يدور حول الحياة الثقافية في مصر في عهدي عبد الناصر والسادات، فهو يقدم خير دليل على انحياز الشايب للحرية. الكتاب في الأصل رسالة لنيل الدكتوراه، حصلت عليها الباحثة السويدية مارينا ستاغ في عام 1993 من جامعة استوكهلم – معهد اللغات الشرقية – قسم اللغة العربية. ولم يعتمد الشايب على الترجمة الانجليزية وحدها، بل التقى بالعديد من الكتاب الذين تناولت الرسالة أعمالهم، وسمع منهم عن مقابلاتهم مع الباحثة، كما طلب من المؤلفين امداده بالروايات والقصص، التي بحثتها، ونقلت مقتطفات منها في رسالتها، ليقرأها، ويأخذ عنها ما ترجمته، وهكذا كان قريباً من روح الكتاب، ومن الأصول التي أخذ عنها البحث. وتقول مارينا ستاغ في بداية الكتاب «الهدف هو تحرى حدود حرية التعبير، بالنسبة لكتاب الأدب النثرى في مصر وتقديم صورة شاملة للمناخ الاجتماعى الأدبي، من منظور حرية الكلمة « ص 9 وقد انقسم الكتاب إلى ستة فصول وثلاثة ملاحق، الأول ببليوجرافيا عن الكتاب الذين سجنوا أو اعتقلوا في الفترة من عام 1952 حتى عام 1981 والملحق الثاني عن الكتاب الذين حصلوا على جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية في الأدب من عام 1958 حتى عام 1981. أما الملحق الثالث فهو ببليوجرافيا عن مراجع اللغة العربية واللغات الأوربية، وروايات وقصص، ومقابلات أجرتها مع بعض الكتاب. وقد حوت الفصول، فصلاً عن الحكم العسكرى وحرية الكلمة تعرضت فيه لتأميم الصحافة ومأساة الرقابة وفصلاً عن النشر تحت مظلة الدولة وترجمة الأدب الأجنبى. ونصيب مصر من صناعة الكتاب العربى، وفصلاً عن الكُتَّاب الذين قبض عليهم أو اعتقلوا وأسباب حبس حريتهم.. هل بسبب النشر، أو لأسباب سياسية والذين اضطروا للنشر في بيروت ودمشق وبغداد، وأتبعت ذلك بفصل عن (ما الذى يمكن نشره ومتى وبواسطة من ..؟!). وترى الباحثة أن نظام حكم برلماني، مهما كان عاجزاً، أو سيء الأداء، أفضل من نظام الحزب الواحد (نقصد الاتحاد الاشتراكى) الذى حل محل التعددية السياسية، وصناعة النشر وضعت تحت سيادة أو سيطرة الدولة، ومن هنا أصبح للنظام سلطة مطلقة. وفي ظل هذا مرت حرية التعبير بتغيرات مستمرة، وكان ذلك يتوقف على صراع القوى الداخلية والموقف السياسي في الشرق الأوسط والحروب واتجاه السياسة الخارجية والسياسة الثقافية للدولة. وبخصوص نصيب مصر من صناعة النشر، كان اسهام العالم العربي 1% من الكتب التي نشرت طبقاً لتقرير اليونسكو عام 1965 أي حوالى خمسة آلاف كتاب من إجمالى نصف المليون كتاب، ونشرت مصر 60% من ال 1% أى حوالى 3255 عنواناً.