وزير التعليم ومحافظ القاهرة يفتتحان معرض «ابدع واصنع» بالمدرسة الفنية بالقاهرة    رئيس مجلس النواب يهنئ الرئيس السيسي بعيد العمال    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    الصحة: انتهاء مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    30 أبريل 2024.. الذهب يتراجع 10 جنيهات.. وعيار 21 يسجل 3080 جنيها    فحص 600 رأس ماشية خلال قافلة جامعة سوهاج البيطرية بقرية الصلعا    تراجع معدل التضخم في هولندا إلى أدنى مستوى منذ 4 أشهر    تعاون مشترك مع «مورجان ستانلي» للتحوط ضد الارتفاع في السلع والتمويلات غير التقليدية    جهاز مشروعات التنمية الشاملة ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة    خطوات ل فحص السيارة المستعملة قبل شراءها ؟    نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء الفلسطينيين من رفح وفرص التوصل لاتفاق تبادل ضئيلة    وزير الخارجية الأمريكي يصل إلى الأردن في إطار جولته الإقليمية    بلينكن يصل إلى الأردن في إطار جولة بالمنطقة    الدفاع المدني بغزة: تقديرات بوجود أكثر من 10 آلاف شهيد تحت أنقاض البنايات    مساعد وزير الخارجية الأسبق: الجهد المصري لا يتوقف لتهدئة الأوضاع في غزة    تشافي: سعيد جدا ب ليفاندوفسكي.. لن أتحدث عن الانتقالات المستقبلية    فالفيردي: جاهز لمواجهة بايرن ميونيخ    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    القيعي: يجب تعديل نظام المسابقات.. وعبارة "مصلحة المنتخب" حق يراد به أمور أخرى    عضو إدارة الأهلي: دوري الأبطال ليس هدفنا الوحيد.. ونفقد الكثير من قوتنا بدون جمهورنا    المقاولون: حال الكرة المصرية يزداد سوءا.. وسنتعرض للظلم أكثر في الدوري    ضبط مالك مصنع ملابس وزوجته بتهمة النصب على 15 شخصا فى الدقهلية    مصرع عامل وإصابة نجل شقيقته في انقلاب سيارة بسوهاج    السجن 10 سنوات ل6 متهمين استعرضوا القوة بالإسلحة للاستيلاء على شقة غرب الإسكندرية    موعد غلق باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية في العام الجديد    ضبط 8 أطنان لحوم ودواجن وأسماك فاسدة بالمنوفية وتحرير 32 محضراً خلال شهر    أول بيان من «الداخلية» عن أكاذيب الإخوان بشأن «انتهاكات سجن القناطر»    قرار قضائي عاجل ضد مرتضى منصور بتهمة السب والقذف.. تفاصيل    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    طرح فيلم "أسود ملون" في السينمات السعودية .. الخميس المقبل    رئيس جامعة المنيا يفتتح معرض سوق الفن بكلية الفنون    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    حملات رقابية بمختلف القطاعات الخدمية بمركزين في المنيا    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    إصابة 4 أشخاص بعملية طعن في لندن    الموضوع وصل القضاء.. محمد أبو بكر يرد على ميار الببلاوي: "أنا مش تيس"    رئيس جامعة بنها يفتتح معرض الزهور الأول احتفالا بأعياد الربيع    18 مليون جنيه حصيلة الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    المصل واللقاح عن "استرازينيكا": لا يوجد سبب يدعو للتخوف أو التوتر    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    وزير الإسكان: نعمل على الاستثمار في العامل البشري والكوادر الشبابية    بسبب ثوران بركان جبل روانج.. إجلاء آلاف الأشخاص وإغلاق مطار دولى بإندونيسيا    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    اليوم.. "الصحفيين" تفتتح مركز التدريب بعد تطويره    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نيويورك تايمز: إسرائيل خفضت عدد الرهائن الذين تريد حركة حماس إطلاق سراحهم    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    أخبار 24 ساعة.. وزير التموين: توريد 900 ألف طن قمح محلى حتى الآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنوير رهان التقدم
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 07 - 2017

صحيح أن المجتمعات الغربية فى مرحلة انفتاحها المعرفى والتقنى على العالم والكون، كمرحلة انعطاف لوعى نهضوي، تستهدف كشف المجهول بمعارضتها لكل قديم، إيمانًا بأن الحاضر هو الذى يولد المستقبل، فى ضوء إعمال العقل إنتاجًا للحقائق، وبالقطيعة مع كل الأبواب الموصدة فى وجه العقلانية، فإن ذلك ما أسس الحوار بين العقل والعالم والكون، الذى طرح تغيرات حاسمة فى أنظمة الفهم، دفعت المجتمعات وشحذت أفرادها لاقتدارهم على إعادة إنتاج ذواتهم، فمارست المجتمعات الغربية حياتها وتداولاتها فى ظل أنظمة تحكمها مفاهيم محددة، ذات دلالات ثابتة، تواضعت عليها تلك المجتمعات، وصحيح أن هذه المرحلة لم تمتلك نصًا تأسيسيًا؛ لكنها كانت تمتلك اقتدارها على تصحيح ذاتها، ودوام إشراق يقظة الفكر، ووفقًا للتحقيب الحضارى يطلق على هذه المرحلة «الحداثة»، التى بدأت فى أواخر القرن التاسع عشر، واستمرت إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، والصحيح كذلك أن الحداثة استطاعت أن تمارس التأسيس فى المختلف، باقتدارها على النقد والمراجعة الدائمة، واحتضانها فعالية التفكير العقلانى فى ارتحاله وتجواله، وذلك ما حقق تطورًا لتلك المجتمعات اتسم بالتمايز والتكامل، إذ فى ظل استمرار سلطة التنوير بوصفها أعلى من كل سلطة، استمر العقل بفضل التنوير متألقًا، وانتصرت »الحداثة« فى معاركها، وحطمت بذلك كل الحواجز أمام المستقبل، لكن البعض توجس خوفًا على «الحداثة» من أن تقود إلى الفاشستية، فى حين أن البعض الآخر كان موقنًا أن النضال من أجل التغيير المجتمعى لا يتأتى إلا من خلال التحول الديمقراطي؛ لذا يجب أن ترسخ القيم الديمقراطية مجتمعيًا، كى تجسد مفهوم مجتمعات الحداثة الديمقراطية. ثم هيمنت مرحلة «ما بعد الحداثة» على الغرب بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فى سياق ممارسات الرأسمالية الاستهلاكية، حيث راحت تؤكد خصوصيتها بأنها نقد النقد، بمعنى أنها نقد «للحداثة» التى انتقدت ما قبلها، ثم شرعت تؤكد روح المخالفة بأن حرية الفرد أصبحت تعادل فرديته بالذات؛ إذ تطرح هذه الحرية فردية الاختلاف وتعزز فلسفته، حتى أصبح الاختلاف يعم كل شيء فى الحياة.
لا شك أن الإنسان هو المهموم أساسًا باستطلاع العالم والوجود فيه، وذلك ما يحث تطلعه إلى المغايرة، لحظة أن يدرك أنه قد احتبس نفسه فى حياة ذات معطيات جاهزة وثابتة؛ لذا فالانفتاح الدائم على العالم والكون يمنح الإنسان إمكانية الفهم والحضور والتغيير، لكن ترى كيف يكون الأمر عندما يتخطى الإنسان حدود ما تعطيه تجربة الانفتاح، ويضيف من عنده ذاتيًا ما يسوغه له يقينه أنها الحقيقة، فى حين يكون ذلك شططًا وإكراهًا ينتهك حقيقة ما منحته إياه تجربة الانفتاح؟ ترى هل هذه التسويغات أو التصورات يمكن أن تصبح ممكنات إذا عززها الاحتياج أو الرغبة؟ لذا فالأمر لا يتوقف فقط على دراسة تلك التصورات؛ بل أيضًا تحليل أبعاد الذات التى اخترعت تلك التصورات، وراحت توظفها مجتمعيًا. إن «زيجمونت باومان» (1925/ 2017)، الفيلسوف البولندى الأصل، الإنجليزى الجنسية، قد تصدى لدراسة مرحلة «الحداثة»، ومرحلة «ما بعد الحداثة»، مستهدفًا خضوعهما لمعرفة تبيينية تنفتح على حقيقة كل منهما، وتأثيرهما على مصير الإنسان، فأطلق على مرحلة «الحداثة» التى اتصفت بفعاليات التصنيع، والرأسمالية، مصطلح «الحداثة الصلبة» لاتسامها بفورية الواقع وإنتاجاته المتعددة، حيث يدعمها التخطيط العقلانى المنتظم، وتعتمد أيضًا على اقتصاد مركزى مستقر، وثمة قوانين لضبط الأداء المجتمعى واستقراره على المستويين الفردى والجماعي، فى سياق حاضر منمذج وفق مواصفات محددة، تفاديًا للفجائية، وأيضًا التمسك بالحفاظ على توازن خريطة البناء الاجتماعى واستقرارها، من الطبقة العاملة إلى الطبقة الوسطي، ومتابعة تنسيق أفعال الأفراد بمعيارية وحيدة، ويعتبر «باومان» أن «الحداثة الصلبة» نتيجة مباشرة للتنوير، حيث العقلانية أدت إلى تحرير الإنسان، كما أن مفكريها استخدموا العقل والعلم؛ لذا تجسدت قيم التنوير على المستوى الفردى كأسلوب حياة، وأيضًا على المستوى المؤسسى بوصفها قيم التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد أطلق أيضًا على مرحلة «ما بعد الحداثة» مصطلح «الحداثة السائلة»، الذى يشير إلى ظروف عالمية تتسم بسيولة متدفقة ومتغيرة، ويؤكد «زيجمونت باومان» أن الحداثة السائلة قوضت قيم عصر التنوير، ويحدد مجموعة من التطورات المترابطة التى أدت إلى ذلك، من أهمها أن الدولة الوطنية لم تعد الهيكل الحامل الأساسى للمجتمع، وأن من يشكلون المرجعية الفكرية من الخبراء والأكاديميين، بوصفهم حراس الحقيقة قد أصبحوا فى موقع هامشى نتيجة الشك والالتباس واللامبالاة المجتمعية تجاههم، ويتمفصل مع ذلك تدفق الشركات المتعددة الجنسيات التى أنتجتها العولمة، فاخترقت سلطات البلدان وبددت مركزيتها، كما أن المجتمعات أصبحت تحت تأثير المخاطر الأمنية والأضرار المحتملة، وأيضًا فإن الهجرة قد تنامت عبر العالم تناميًا غير مسبوق. ويعدد «باومان» التمزقات الداخلية التى انعكست على الأفراد، إذ ساد اقتصاد الاستهلاك، وصار شائعا إعادة الهيكلة، بتقليص عدد العاملين نتيجة المنافسة المحمومة بين الشركات فى سوق العولمة، مما أنتج عدم الاستقرار الوظيفي، الذى تضافر معه تراجع دور دولة الرفاه، وتآكلت رعايتها للعاطلين عن العمل، والمرضي، وقضايا الإسكان والصحة، وذلك ما أربك الفرد فى مواجهة مخاوفه بعد أن ذابت الروابط الصلبة المجتمعية. وفى كتابه «الحداثة السائلة» يورد «زيجمونت باومان» رصده لتلك المأساة بقوله: إن حالة » فقدان الاستقرار التى يديرها القائمون على أسواق العمل تؤيدها سياسات الحياة وتعزز آثارها. فسياستا العمل المؤقت والحياة كلتاهما تلتقى فى النتيجة نفسها: اضمحلال الروابط الإنسانية والمجتمعات الإنسانية والعلاقات الإنسانية، وذبولها، وتداعيها، وتفسخها. فالعهود الماضية (بألا يفرقنا إلا الموت)، صارت عهودًا بصيغة (ما دام الإشباع)، وهى عقود مؤقتة وعابرة بطبيعتها وبتصميمها وبتأثيرها البراجماتي، ومن ثم فهى عرضة للفسخ من جانب واحد، عندما يكتشف أحد طرفى العقد فرصة وقيمة فى الخروج من العلاقة، تفوق محاولات إنفاذها بأى ثمن ومن غير حساب, فى مرحلة «ما بعد الحداثة»، وفى ظل الهيمنة الكاملة للمجتمع الاستهلاكي، بإغوائه ونزوعه إلى الاستمتاع، انبثقت ثقافة الاستهلاك التى احتكرت مفهوم التقدم، وراحت تدعمها مخترعات متتابعة، استهدفت قولبة الإنسان عقلاً وسلوكًا بازدواجية يتجلى ظاهرها الإنسانى وهو يخفى حبائل استغلالها لحساب منطقها، الذى تجاوز حقوق الإنسان، ومفهوم التنوير، والقيم الأخلاقية. صحيح أن «زيجمونت باومان»، قد أصدر مجموعة كتب هى مستمسكات اتهام موجه ضد «الحداثة السائلة» وتجلياتها المتعددة، لكن الصحيح أن كتابه «هل للأخلاق فرصة فى عالم استهلاكي؟»، يرصد أن ما افتقده مشروع «ما بعد الحداثة»هو رهان التقدم، الذى تبدى فى انهزام عقلانيته من شمول التنوير والمعرفة والأخلاق.
لمزيد من مقالات د. فوزى فهمى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.