الحفيدة هنا: جدى حطم أعماله احتجاجا على رفض إقامة متحف للفن الإنسان ابن بيئته التى تشكله كما تشاء وتتضح مصداقية تلك المقولة في حياة جمال السجيني جلية وبشكل لا يقبل الشك. فقد ولد جمال السجيني لعائلة مصرية قلبا وقالبا .. جده الشيخ عبد الرؤوف السجيني كان شيخا للأزهر الشريف .. كان يلقب بابو الجود لكرمه المفرط كما جاء فى تاريخ الجبرتي وخطط المقريزي. وحتى من لم يكن أزهريا كدراسة إلا أن روح الأزهر كانت تسود حياتهم واثمرت سماحته واطلاع أفقه فى أحفاده حتى كان من نسله النحات والرسام والشاعر ومحرر الواتس آب!. ....................................................... ولد الفنان جمال السجيني في 7سبتمبر عام 1917 لأب يعمل مدرسا بوزارة المعارف وأحب السجيني فن الرسم خلال طفولته من عمه أحمد عبد الرؤوف خريج مدرسة الفنون ورفيقه الفنان يوسف كامل فكان يرسم ويعرض ما يرسمه على عمه وكأنه يرث منه حب الرسم . أنهى السجيني الدراسة الابتدائية والتحق بمدرسة الفنون وتفوق بها وكان محل إعجاب أستاذه الإيطالي (كلوزييل) الذي رشحه بقوة لاستكمال تعلم الفن في الخارج من خلال البعثات .. وهذه الجولة فى أعمال مثال مصر الكبير فى عيون حفيدته الفنانة «هنا» وابنة الفنان مجد السجينى ابن حي الجمالية في قلب القاهرة المصرية يعتبر أكبر متحف مفتوح في العالم وتضيف ان الخالق سبحانه وتعالى وهب السجيني موهبة لتصقل هذا الإنسان .. تثول هنا عن بدايات جدها جمال : أنه ظهر تأثير البيئة عليه من خلال تربيته الدينية في محيط الأسرة شديدة و حي الجمالية الشعبي والذي أعطاه الإحساس بالترابط الأسري الشديد سواء للأسرة الصغيرة ،كفنان أصيل يعتز ويفخر بأنه ابن الجمالية وباب الشعرية ويخوض السجيني مسابقة أعدتها إحدى الجمعيات الخيرية عن الطفولة تحت رعاية السيدة هدى شعراوي يحصل فيه على الجائزة الأولى وكانت قيمتها ستة جنيهات استطاع بها ان يتزوج ابنة أستاذه الفنان يوسف كامل أول عميد مصري لكلية الفنون الجميلة. وانتقلت الفتاة هدي يوسف كامل من فيلا والدها بحي المطرية الذي كان أرقى أحياء القاهرة في ذلك الوقت لتسكن مع زوجها الذي آمنت به فنان وزوج يستحق التضحية بكل شيء من أجله لتعيش معه في غرفة على سطح أحد المنازل بحي باب الشعرية فوق السطح و كان الحمام عبارة عن غرفة للغسيل لكل سكان المنزل.. عروس المولد استخدم السجينى العروسة كوحدة تعبير عن الحالة المصرية وعندما سئل لماذا عروس المولد بالذات فقال أن تراثنا المصري أستخدمه العالم إلا عروس المولد فهي ابتكار مصري بحت لم يستخدمه أحد غير المصريين حتى فانوس رمضان وهو ابتكار مصري أصبح يستخدم في كافة الدول الإسلامية والعربية كتعبير عن شهر رمضان. فجسد عروس المولد تمثال لفلاحة مصرية سعيدة تركب الحمار في يوم الحنة وهي أجمل وأسعد أيام العروس وحولها عروستان بزفافها ابتهاجاً بثورة 1952. ورسمها عروس حزينة ليؤرخ لحادث 1954 وانقسام مجلس الثورة على نفسه ومحاولة انقلاب سلاح الفرسان أما الفارس الذى يركب جواده ويحمل سيفاً تعبيراً عن القصص الشعبية سيف بن ذي يزن وأبو زيد الهلالي كما هو معروف فقد استبدل أبطال هذه الأساطير الشعبية بفرسان يرتدون لسترات العسكرية (الكاكي) مفتوحة ويحملون بدلا من السيف للدفاع عن العروس (مصر) مسدسات وقد وجهوها صوب بعضهم لم يكن ينحاز لاى طرف منهم ولكن ما كان يهمه هو حال العروس وكأنه يعلن رفضه للانشقاق لأن هذا الاختلاف والانشقاق يحزن عروسه المولد (مصر) وبعد انتصار 1956 تكون العروس مضيئة بنفس فكرة الفانوس من الصفيح والمعادن والزجاج الملون وكأنها تضيء فرحة بنصرها. إعدام التماثيل وقد أصابته فترة النكسة بإحباط نفسي عميق لكنها لم تشعره بالهزيمة او تقلل من عزيمته ولكنه إحساس بإلاهمال جعله يحطم اعماله ويلقيها في النيل احتجاجاً على عدم اقامة متحف للفن الحديث بمصر وكأنه تذكر فجأة في 1969 وعندما سأل لماذا قال أنها صنعت من طمي لنيل والنيل أولي باستردادها.. ولكن بعد 1967 وحالة الحزن الشديد التي اعترته عاد ليرسم العروس وكأنه يؤرخ ويملك ويحلل حالة مصر رسمها وقد تعلقت بالمشنقة وتتسول وقد فقدت أرجلها وتجلس على محفة أيضا على عكازان وقد أصبحت كسيحة أيضاً وضعت على السيخ لتشوى عل نار أيضاً سلب ونهب خيرات مصر فقد رسم العروس تتهاوى وقد كشف ثوبها ليظهر السكر و طغي عليه النمل ليأكله وعبر عن مراكز القوى وقد وضعت الأغلال الخشبية لتكبل يديها ورقبتها وكان الحزن يعتري العروس والكآبة التي يستشعرها واضحة من خلال الحركة وللون الباهت الكئيب. ويأتي العبور وانتصار 1973 وكأن فرحته قد أصابته بشحنة عاصفة فيجسد العروس في تمثال نحت أسماه عروس العبور وقد ضمت كتفيها للأمام كانطلاقة العبور وكأن مصر التي عبرت كلها وخلفها الجنود يعبرون والأطفال في الحارات يحملون الفوانيس والطائرات والدبابات. ولم يرى السجيني في العبور قائد أو جندي أو فرد ولكن كانت رؤيته أن مصر كلها عبرت ولم يمجد شخص إلا يستحق التمجيد إلا أنه قدم لمصر ما يستحق أن يكرم من أجله. أم كلثوم نحت جمال السجيني تمثال أم كلثوم والذي يعتبر من روائع أعماله في كل تفصيله من تفاصيله فقد اعتبر أم كلثوم هرما في الفن مثل أهرامات مصر وثوبها المعتاد مكونا من قطع تكسيه مثل الأهرامات ولكن وضع عليها نقوشاً وزخارف عربية وكأنه يقول أنها خلاصة الفن المصري القديم والفن العربي الإسلامي، أيضا الانحناءة أو الميل إلى الأمام مثلما كانت تقف وتشدو بصوتها واضعة يدها اليمني حاملة منديلها المعهود متدليا عند قلبها وكأنها تنتزع إحساسه من داخلها أما الوجه فقدموه على تفاصيله وكأنه يشعرك بأنها تشدو من خلال الأثير رغم وضوح الملامح ولكن لا تتوه العين مع التفاصيل .. وخط متعرج على الرقبة وتكاد تشعر بصوت أم كلثوم وتكاد تسمعها أو الشعر بنفس الطريقة المعهودة. مع جليل البندارى و فوجئ الراحل جليل البنداري في زيارة للسجيني أثناء مشاهدة أعماله بهذا العمل وكان مختبئا خلف تمثال أكبر من الحديد للصياد وانبهر جليل البنداري بالعمل وسئله لماذا يخفيه و لا يتم الإعلان عنه فأجابه بانه نحته لنفسه ولاستمتاعه الشخصي فما كان من البنداري إلا أن يستأذنه في الاتصال بكوكب الشرق واتصل بها في نفس اللحظة وطلب منها أن تحضر فوراً وكانت في بداية شارع أبو الفدا وهو في نهايته وبالفعل حضرت سيراً على الأقدام لتفاجأ بهذا العمل الراقي بكل المعانى ويحوز إعجابها وبعد وفاة أم كلثوم تم تصوير العمل من قبل التليفزيون وللأسف لم يتم الاستفادة منه حتى اليوم بوضعه في احد الميادين العامة حتى يستمتع الشعب بعمل فني راق لسيدة الغناء العربي خاصة والقاهرة لا يوجد بها ميدان باسم أم كلثوم وكأنها لا ذكر لها. انتصار 1956 نحت أيضا تمثال بمناسبة انتصار 1956 جعل فيه عبد الناصر أكبر حجما وحوله أبناء مصر العامل والفلاح والجندي والمرأة وكأنه يصل رسالة لكل قائد أن نجاحه لن يكون الا بالتفاف أبناء الشعب حوله القائد وهنا يسجل له التاريخ بقدر التفاف شعبه حوله. وهنا نقرأ ان فلسفة السجيني في عمله الفني واضحة فقبل 1956 لم يمجد شخصية سياسية والشخصيات التي حاول أن يسجلها لم تكن إلا شخصيات تستحق فعلاً مثل : الشعراء أحمد شوقي واحمد رامي (وكان حيا) وسيد درويش و محمود مختار والفنان يوسف كامل المصور أول عميد مصري لكلية الفنون وهو في نفس الوقت والد زوجته وأستاذه والذي كان يكن له احترام وحب عميق. تكريم العظماء في العامين الآخرين من حياته 76، 1977 كان قد توطدت علاقته بالأديب يوسف السباعي الذي أصبح وزيراً للثقافة وقتها وجد السجيني أن مصر لا تكرم رموزها إلا بعد وفاتهم وينتهي الأمر بعد لحظات لتأبين.لذا قرر من تلقاء نفسه أن يكرم هولاء الرموز على نفقته الشخصية وقد وجدت الفكرة تشجيعاً من يوسف السباعي والذي شجعه على ذلك فقام بنحت تماثيل لتوفيق الحكيم، نجيب محفوظ، على ومصطفى أمين، عبد الحليم حافظ أيضا عمل شخصيات أخري مثل سيد درويش وأم كلثوم ومن العجيب ظهور فنان ناشيء وقتها وهو محمد صبحى لم يقدم إلا عمل واحد لكنه أثار ضجة وقتها وهو مسلسل فرصة العمر والذي لمحه السجيني وتوقع له مستقبل باهر في عالم الفن فعمل له بورتريه.. تمثال العبور اما تمثال العبور فتقول حفيده السجينى تتضح فيه فلسفته في رؤية الحدث.. فعلي الرغم من الجميع اعتبروا أن العبور هو انتصار عسكري قامت به القوات المسلحة إلا أن للسجيني كانت رؤية أخرى وهي أن العبور كان عصر كلها مصر العظيمة نفس الوقت الذي تحدث الجميع عن السادات هو بطل العبور والقوات المسلحة الآن أن بطل العبور هو مصر فلم يدخل السادات في التمثال لأن السادات بين مصر إنما يقدمه لها هو واجبه ورؤيته هذه تنطبق على الجميع ومن يجب أن يكرمه هو الجندي البسيط اما التكريم لها فيكون لمحبوبته مصر فنجد أن مصر كلها وكأنها تعبر سباحة وفي نفس الهدوء والثقة تعبر للبر الشرقي في هدوء وسكينة على قارب صغير جداً بالنسبة للجسم العظيم (كنسبة وتناسب) ومن يجد في مجرد ستة فقط من الجنود تلمح على وجوههم الجدية والقوة والصرامة وقد مدت كفيها للأمام وكأنها ترشدهم للطريق مخترقة كل الموانع والإخطار وطرحتها قد طارت في الهواء مكونة ظلالهم وكأنها أم تحمي أبناؤها من أيضا يلاحظ في المجداف وقد التقت الماء حوله مما يوحي بقوة ضربة المجداف في الماء بجانب ملامح الوحدة المختلفة والتي تحمل الطيبة والصرامة والإصرار على الاقتحام محتمين بأمهم مصر. المعدة العمياء وتؤكد الفنانة «هنا» ان الحب كان أهم ما يميز السجيني سواء في فنه أو في حياته، وبإحساس الفنان أخذ في التعبير عن الإنسان في كل مكان وتفاعل معه ونجد ذلك جلياً واضحا ن عدة أعمال مثل لوحة الحرية والسلام. وهيروشيما وناجازاكي وتصديقا لما كتبه في الوصية أنه (عاش من أجل مجتمعه عدواً للاستغلال والعبودية نصراً للحرية والسلام) فاللوحة مستديرة في وسطها تجسم لشكل قبيح ليس لوجهه ملامح ولكن تشعر بالبشاعة والقبح من خلال الجسد الأقرب للشيطان بقدمين من حوافر وبطن ضخم في وسطه عين ضخم جشعه ويحمل في يده خنجر يطعن به الشمس ويكتب كلماتها بحروف عربية ولكن بطريقة مبتكرة مما شكلت زخرفة وكلماتها كالآتي : يامدمري الحضارة يابيت القذارة ماتت ضمائركم وجلودكم وماتت أنيابكم رأسكم في المعدة يا أعداء الفن الكبير ويا أعداء القيم سددتم الأبواب واغتلتم الشمس ومن خلال هذا النص نجد أن السجيني يشرح في صوره ويعبر عنه ولم تكتفي بالفن التشكيلي ولكن أيضاً أبدع في محاولة أقر للنثر الشعري أو الشعر النثري ليشرح قضية الإنسان الذي أحبه. جريدة الأهرام كان السجيني تربطه صداقات عديدة جيدة مع كتاب وصحفيين الأهرام أهمها مع صديقه المقرب كمال الملاخ و يوسف فرنسيس وشهدت هذه الفترة الجريدة الأولى في الشرق الأوسط ازدهار خلال تولي محمد حسنين هيكل رئاسة تحريرها والتي نقلت نقلة شديدة للأمام حتى أصبحت الأولى في الشرق الأوسط وترتيبها في المصداقية على مستوى العالم، وكانت الأهرام دائما ما تحرص على نشر صوراً لأعماله باستمرار لتصبح نافذة يطل منها فن السجيني لجمهوره المصري والعالمى. ذراع السجيني وتقول الفنانة هنا ان جدها تعرض في طفولته لحادث أصيب فى ذراعة الأيمن ولم يعالجه بالشكل المناسب مما كان يسبب له آلاماً مبرحة ولم يكن يصرخ من ذلك الألم ، وفى عام 1958 تقابل مع صديقه كمال الملاخ وسأله لماذا يضع ذراعة في قميصه دائما فقال له ان تعرض لخلع منذ أيام وسيعود من تلقاء نفسه ففوجيء بالملاخ في اليوم التالي يكتب أنه السجيني في مأساة وقد يفقد ذراعة مما يعد خسارة للفن في مصر والدولة لا تريد علاجه في الخارج وذلك إهمال جسيم في حقه وحق الفن وحق مصر. وعندما قرأ السجيني الخبر غضب غضبا شديدا واتصل بالملاخ الذي كان قد ظن أنه قدم خدمة لصديقه لكنه اكدا له انه لم يتقدم بطلب للعلاج على نفقة الدولة حتى ترفض وقد رضي بمشيئه الله وهو قانع ويتعامل مع المشكلة ببساطة ورجاه أن ينشر تصحيح للخبر لكنه لم يفعل فكانت قطيعة بينه وبين الملاخ الذى لم ينشر له خبر على مدى 15 عام حتى عام 1976 حين نحت تمثال النصر الذى استفز يوسف فرنسيس وكان يشرف على الصفحات الفن في مجلة المصور وأرسل إليه مصور في السابعة صباحاً ليصوره أثناء عمله فى تمثال النصر ليعتذر الملاخ له وتعود المياه لمجاريها مرة أخرى بينه وبين الملاخ؟