خلال رحلتى فى كتابة الأغنية الوطنية التى امتدت لأكثر من خمسة وأربعين عاما تقابلت مع أصدقاء تربطنى بهم علاقات طيبة مسئولين لهم مكانتهم فى الدولة وكتاب وشعراء وإعلاميين وملحنين كبار تغنت بألحانهم سيدة الغناء العربى أم كلثوم ونجوم الغناء المصريين والعرب وزملاء أصدقاء طوال فترة دراستى وتخرجى فى كلية الحقوق جامعة عين شمس وانضمامى إلى قسم الدراسات العليا بالكلية وحصولى على درجة الماجستير فى الدراسات القانونية ( دبلوم الدراسات العليا فى القانون العام ودبلوم الدراسات العليا فى القانون الجنائى ) وكذلك زملائى الذين عملوا معى فى الصحافة بجريدة الأهرام ، وقد كان هؤلاء وهؤلاء يقدمون لى التهنئة على كل عمل إبداعى يذاع فى الإذاعة والتليفزيون أو أشارك به فى حفلات أكتوبر التى شاركت فى معظمها أو الاحتفال بذكرى عودة سيناء وعودة الملاحة فى قناة السويس وكنت أعتبر أن هذه التهنئة لى مجاملة رقيقة وطيبة من أصدقاء أعتز بهم ولم يخطر ببالى أنها ستكون إسهامافى مواصلة دورى فى كتابة الأغنية الوطنية إلى أن جاء من أعطونى الدفعة القوية لمواصلة هذا الدور وهما الأديب الكبير يوسف السباعى وزير الثقافة ورئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق والأستاذ إبراهم نافع رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير أيضا ً الذى شهدت مؤسسة الأهرام فى عهده كل تقدم وازدهار ولكل منهما حكاية لا أنساها وتستقر فى ضميرى إلى الأبد وأعرض هاتين الحكايتين على النحو الآتى : يوسف السباعى .. كنت ذات يوم بعد انتصار أكتوبر 73 واقفافى بهو مدخل الأهرام فى انتظار السيارة لتغطية بعض الأحداث الثقافية للجريدة وإذا بى أسمع حركة وربكة استعدادا يقرب وصول الأستاذ يوسف السباعى للمؤسسة فتراجعت خطوات وإذا به يلمحنى على بعد أمتار من مكان وقوفى وينادينى بصوت مرتفع : يا مصطفى تعالى «وكانت له هيبة»، فظن الواقفون فى انتظاره من رجال الأمن والاستعلامات وبعض الزملاء أن فى الأمر شىء وأننى ربما ارتكبت خطأ سأحاسب عليه وإذا به يطلب منى الصعود معه إلى مكتبه فى الطابق الرابع وكنت فى غاية الاضطراب والقلق النفسى الذى أصابنى لأنى لا أعرف سبب استدعائى المفاجئ ، وطلب منى الجلوس وسألنى تحب تشرب إيه ؟ فظللت واقفا ً وقلت لا أستطيع الجلوس إلا إذا أطمئن قلبى فابتسم ابتسامة رقيقة وقال لى : اشرب شاى وأقول لك ، فجلست وسألنى :أنت اللى كتبت أغنية « مانقولش إيه إديتنا مصر « فأجبت بنعم فشكرنى مبديا ً إعجابه بالأغنية وقال لى : استمر فى كتابة الأغنية الوطنية وسوف يكون لك شأن كبير فيها وأردف قائلا ً أنا يوسف السباعى لن تذكرنى الأجيال الجديدة بالمناصب التى شغلتها كوزير للثقافة ورئيسا ً للأهرام ورئيسا ً لمنظمة التضامن الأسيوى – الأفريقى لكنهم سيذكرونى برواياتى التى أبدعتها ( العمر لحظة والسقا مات ,إنى راحلة ونادية وغيرها ) وأهدانى الأعمال الكاملة له بخط يده والتى ما زلت أحتفظ بها حتى الآن فأعطتنى هذه المجاملة دفعة قوية للاستمرار فى كتابة الأغنية الوطنية التى حققت فيها تقدما ً ملحوظا ً بفضل الله . إبراهيم نافع .. كانت المناسبة حضور احتفال القوات المسلحة بانتصار أكتوبر وعرض أوبريت «البركان»الذى أنتجته الشئون المعنوية عندما كان اللواء د. سمير فرج مديرا ً لإدارتها من تأليفى وبطولة الفنانة القديرة سميحة ايوب وأحمد ماهر وإخراج اللبنانى وليد عونى وأعرض فيه للمعارك التى خاضها الجيش المصرى البطل وحقق فيها انتصارا ً كبيرا ً منذ جيش رمسيس الثانى ومرورا ً بكل المعارك المتتالية التى خاضها وحتى ثورة 23 يوليو وظروف النكسة 67 ثم البركان الذى تفجر فى عبور قواتنا المسلحة 73 الذى يعتبر أكبر انتصار فى تاريخ العسكرية المصرية وبعد انتهاء الحفل قرب الواحدة صباحا ً وخروج رئيس الدولة استعد الجميع لمغادرة مقر الاحتفال ولمحت الأستاذ إبراهيم نافع على بعد فى انتظار السيارة التى تعود به إلى المنزل فإذا به ينادينى وكان إلى جواره صديقه الأستاذ محمد عبدالجواد رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط والدكتور فتحى سرور وغيرهما ويقول لى : مبروك « البركان « الذى لقى نفس إعجاب الحاضرين أيضا ً فشكرت له هذا التقدير وكان متابعا ً لهذا العمل بأكمله والمعارك التى خاضها الجيش المصرى وقال لى كلمة ربما لا يتذكرها هو الآن ولكنها لا تزال ترن فى مسامعى ولن أنساها (يا مصطفى .. أنت أحزنتنا فى النكسة وفرحتنا فى العبور ) وهو ما صدق عليه الحاضرون أيضا ً ، فقد أعطتنى هذه الجملة البليغة التى نطق بها ابراهيم نافع نفس الدفعة التى أحسست اتجاهها مع يوسف السباعى ، فالاثنان كانا رئيسين مرموقين لمؤسسة الأهرام العريقة . وتمر الشهور والسنين المليئة بالصبر لتحدث الانفراجة بتعيين الزميلين الأستاذ عبدالمحسن سلامة نقيب الصحفيين رئيسا ً لمجلس إدارة الأهرام والأستاذ علاء ثابت رئيسا ً لتحرير الأهرام فكانا أول من قدما لى التهنئة بفوزى بجائزة الدولة التقديرية فى الآداب بل إن الأستاذ علاء ثابت طلب من مجلس التحرير فى اجتماعه اليومى تخصيص مساحة تتناول فوزى بالجائزة كواحد من أبناء الأهرام وهى لفتة كريمة من جانبه لن أنساها ، وتشاء الظروف ولحسن الحظ أن يكون تعيين الزميلين العزيزين فى منصبيهما مواكبا ً لإعلان فوزى بالجائزة فقد أعادتنى بحق مبادرتيهما الطيبة ومشاعرهما الجميلة تجاه أبناء الأهرام كتابا ً وصحفيين وإداريين وعمال ( وبعد طول انتظار ) إلى زمن الأستاذ إبراهيم نافع.