كان يوسف السباعي( رحمه الله) مثقفا كبيرا وأديبا وروائيا متفردا صدرت له16 رواية تحولت معظمها إلي أفلام سينمائية أنتجتها السينما المصرية وحققت نجاحا وانتشارا واسعا ليس في مصر وحدها بل علي المستوي العربي كله منها روايته الشهيرة العمر لحظة التي صدرت عام72 وتحولت إلي فيلم سينمائي بطولة الفنانة القديرة ماجدة والفنان محمد خيرت وأصبحت من الأفلام التي تعرضها السينما المصرية والتليفزيون والفضائيات بمناسبة انتصار أكتوبر كل عام, ومن أعماله الشهيرة السينمائية والروائية التي نذكرها له دائما واستمتعنا بقراءتها أيضا أرض النفاق وإني راحلة ومسرحية أم رتيبة وغيرها من الأعمال التي لا يتسع المقام لعرضها الأمر الذي جعل صديقه القريب منه مرسي سعد الدين يطلق عليه فارس الرومانسية إلي جانب مجموعته القصصية التي بلغت22 قصة وحصل علي العديد من الأوسمة والجوائز ولم يكن أديبا عاديا بل كان من طراز خاص وسياسيا علي درجة كبيرة من الحنكة والذكاء ومدافعا عن القضية الفلسطينية وشغل العديد من المناصب منها نقيب الصحفيين ووزير الثقافة ورئيس مجلس إدارة الأهرام وغيرها. ورغم كل هذه المزايا التي شكلت وجدانه فقد كان أيضا شغوفا بالموسيقي والغناء ومتابعا رائعا لكل إبداعات سيدة الغناء العربي أم كلثوم ورياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب مستمعا جيدا لكل الإبداعات الغنائية الوطنية التي كتبها صلاح جاهين وأحمد شفيق كامل وغناها عبدالحليم حافظ ولحنها كمال الطويل والموجي وبليغ حمدي وتغني بها نجوم الغناء المصريون والعرب. أما الحكاية التي لا أنساها وسأظل أذكرها له علي مدي حياتي وأعتبرها من الحكايات التي تستحق التقدير من جانبه للفن والإبداع الوطني الراقي الذي يغرس في نفوس الشباب جذور الانتماء والولاء للوطن فهي أنه عندما كان رئيسا لمجلس إدارة الأهرام وكان الأستاذ علي حمدي الجمال رئيسا للتحرير كنت واقفا في مدخل الأهرام أنتظر السيارة لتغطية بعض الأعمال التحريرية التي كلفني بها الأستاذ ممدوح طه رئيس قسم الأخبار رحمه الله وإذا بالأستاذ يوسف السباعي أثناء دخوله المبني يلمحني علي بعد أمتار من المدخل وينادي علي بصوت عال مما جعل الحاضرين في الاستعلامات يظنون أن في الأمر شيئا وربما أنني ارتكبت خطأ سأحاسب عليه من رئيس مجلس الإدارة ليطلب مني الصعود معه إلي مكتبه وكنت في غاية التوتر خاصة وأنها المرة الأولي التي يحدث لي فيها هذا الموقف دون أن أدري ما السبب, وعندما دخلت معه إلي مكتبه سألني تشرب إيه ؟ لازم تشرب شاي فجلست وأنا أكاد لا أتمالك نفسي وقلت له ياريس حضرتك عاوزني ليه قبل أن أشرب الشاي ؟ هو في حاجة حصلت مني ولا غلطت في حاجة ؟ فابتسم وقال مفيش حاجة بس أشرب الشاي, قلت بس طمني يا ريس أرجوك وأصر علي أن أشرب الشاي وقال لي إطمئن إطمئن مفيش حاجة ثم أردف قائلا: هو أنت اللي كتبت أغنية ما نقولش إيه إديتنا مصر.. نقول حا ندي إيه لمصر قلت نعم ياريس فابتسم وقال لي دي أغنية جميلة جدا من أحلي أغاني انتصار أكتوبر أنا سمعتها كويس بأقول لك مبروك, وفي هذه اللحظة التقطت أنفاسي وفرحت وشكرته علي ذلك وإذا به يقول لي استمر في كتابة الأغاني الوطنية لأنك بتكتب وطني كويس, وأسعدني كثيرا هذا الكلام وشعرت كأنني حصلت علي أكبر وسام وإذا به يطلب مني أن أسمعه الكوبليه الأول, قلت علي صدرها نمنا.. علي حسها قمنا.. وبشمسها دفينا.. وفي ضلها مشينا.. وقلوبنا لو عطشت.. نيلها بيروينا.. مصر النجاة.. مصر السفينة.. أغلي أمانة.. في إيدين أمينة.... ثم قال لي الأغنية الوطنية هي التي ستبقي لك وأنا رغم كل المناصب التي شغلتها ستبقي لي في النهاية رواياتي التي لا ينساها الناس رد قلبي, وبين الأطلال, وجفت الدموع, ونادية, والعمر لحظة, ونحن لا نزرع الشوك وغيرها فشكرته وإستأذنته في الإنصراف لأكمل شغلي الذي كلفني به الأستاذ ممدوح طه ووجدت نفسي في الطابق الخامس وسألت عن الأستاذ ثروت أباظة رئيس القسم الأدبي ورويت له ما حدث في وجود الأستاذ توفيق الحكيم الذي أشاد بالأغنية وسألني عن افتتاحية الأهرام التي كتبها بعنوان عبرنا الهزيمة وكيف تحولت إلي أغنية فرويت له الحكاية بالتفصيل: عندما قرأ الموسيقار بليغ حمدي هذه الإفتتاحية بصدر الأهرام فأعجب بها ونادي علي صديقه الشاعر عبدالرحيم منصور الذي ظل إلي جواره وأنتجا معا عديدا من أغاني أكتوبر وقال له عايزين نحول افتتاحية الأهرام للأستاذ توفيق الحكيم إلي أغنية عن نصر أكتوبر فدخل عبدالرحيم منصور في الغرفة المجاورة لاستوديو46 بالطابق السابع للتليفزيون بمبني ماسبيرو وأغلق علي نفسه الباب وفي يده نسخة الأهرام ليقرأها عدة مرات ويحول معانيها إلي كلمات عن نصر أكتوبر ليستعجله بليغ ويطل عليه بين الحين والآخر ليعرف ماذا كتب ليقرأ عبد الرحيم في الآخر مذهب الأغنية الذي يستهل بكلمة توفيق الحكيم في الافتتاحية عبرنا الهزيمة, لتكون الشطرة الثانية يا مصر يا عظيمة ويسترسل في كتابة باقي المذهب الذي يقول باسمك يا بلادي.. عدينا القنال.. باسمك يابلادي.. حطمنا المحال إلي آخر الكلمات التي اختطفها بليغ من يد عبدالرحيم ليدندن علي العود هذه الكلمات وبعد أن فرغ من تلحين المذهب اتصل من الاستوديو بالفنانة القديرة شادية وكانت الساعة قد اقتربت من منتصف الليل ويسمعها علي العود اللحن الذي انبهرت به وسألت بليغ متي تحضر للتسجيل فحدد لها موعد اليوم التالي بعد أن يفرغ من رائعة وردة أنا علي الربابة بأغني, وبالفعل حضرت شادية في اليوم التالي وأجرت البروفات علي اللحن وانتهت من التسجيل الذي أذيع فور الانتهاء منه ليكون يوسف السباعي بعد سماعه الأغنية أول من يتصل بالكاتب الكبير توفيق الحكيم ليهنئه بافتتاحيته التي نشرها الأهرام في اليوم الثاني للنصر والتي غنتها شادية بحسها الوطني الرائع كأجمل من تغني بالوطنية بعد سيدة الغناء العربي أم كلثوم.