قالها العقاد: «لا أحب الكتب لأننى زاهد فى الحياة ... ولكنى أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفينى» وأضاف: «ومهما يأكل الإنسان فإنه لن يأكل بأكثر من معدة واحدة ومهما يلبس فإنه لن يلبس على غير جسد واحد ومهما ينتقل في البلاد فإنه لن يستطيع أن يحل فى مكانين ولكنه بزاد الفكر والشعور..والخيال يستطيع أن يجمع الحيوات فى عمر» وبعد أن بين لنا الكاتب العملاق عباس محمود العقاد ضرورة القراءة وأهمية الفكر والشعور والخيال نبهنا بالقول:«نحن نقرأ لنبتعد عن نقطة الجهل، لا لنصل الى نقطة العلم» أى أن أمامنا مشوارا طويلا وآلاف الصفحات لكى نرى النور. ولم يتردد في القول أيضا:«ليس المهم أن تكون في النور كي ترى .. المهم أن يكون ما تود رؤيته موجودا في النور» و«التجارب لا تقرأ في الكتب ولكن الكتب تساعد على الانتفاع بالتجارب» ولد صاحب «العبقريات» يوم 28 يونيو عام 1889 وهو العام الذي شهد أيضا ميلاد كل من طه حسين وعبد الرحمن الرافعي وابراهيم عبد القادر المازني وميخائيل نعيمة وايليا أبو ماضي ونجيب الريحاني وشارلي شابلن .. ومكرم عبيد ونهرو وأدولف هتلر. شخصيات صنعت التاريخ وشكلت الارث الانساني بأفكارها وابداعاتها. وصالون العقاد الشهير والمنعقد كل يوم جمعة ببيته في مصر الجديدة 13 شارع السلطان سليم شهد تلاقي العقول وانطلاق الخيال وتبلور الأفكار. ولا شك أن الكاتب أنيس منصور بأسلوبه الشيق خلد هذا الصالون في كتابه المتميز والممتع «كانت لنا أيام في صالون العقاد». كتاب يجب ألا تفوتك قراءته بتمهل وتأمل أيها القارئ العزيز. وتأخذنا نزهة الأرواح ومحطات التأمل الي الكاتب الفيلسوف زكي نجيب محمود وقراءة أفكاره ومواقفه بكل التأكيد متعة واضافة للعقل والنفس معا. فهو من طالب بتجديد الفكر العربي وناقش المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري ..ونبهنا وحذرنا «مجتمع جديد أو كارثة».وهو الذي كتب:«..علاقة القربى وثيقة بين الأشجار والأفكار، فكلتاهما تبذر لها البذور فتنمو وتتفرع وتورق وتثمر،فشجرة طيبة ككلمة طيبة. والكلمة فكرة، وشجرة خبيثة ككلمة خبيثة، فقل لي: لماذا لا تنمو شجرة في علم النبات، أقل لك لماذا لم تنم شجرة العلم في حياتنا» د. زكي نجيب محمود مثلما يقارن بين الأفكار والأشجار يلجأ الى النمل والنحل وأساليبهما في معالجة الحياة ومعايشة تجاربهما لعلنا نتعلم ونتعظ. اذ يذكر» .. ذلك هو النمل وما يصنعه في تخزين قوته، فهو ماهر كل المهارة في جمعه لكنه لا يغير منه شيئا أما النحل فأمره آخر، لأنه ما أن يمتص من الزهور رحيقها، حتى يدير لها معامله الداخلية، فتخرجه في الخلية عسلا..« ويضيف: «.. وعلى طريقة النمل وطريقة النحل يكون الانسان في جمع معارفه وعلومه: فتارة يصنع بها صنيع النمل، وطورا يجري عليها طريقة النحل، وبين الطريقتين تختلف الشعوب، وكذلك تختلف العصور..» وفي مقال له بعنوان «ارادة التغيير» يكتب:».. اننا نخدع أنفسنا بايهامها بأنها ما دامت تملك المصابيح الكهربائية لتضئ لها فتزيح عنها سواد الليل، فقد أصبحت على درجة سواء مع من ابتكر تلك المصابيح..» ويقول أيضا:« ..لا بد لنا من عزمة الارادة، فبالارادة نغير ما ران على قلوبنا وعلى عقولنا، وبفضل الله يتغير لنا وجه الحياة فيبتسم بعد عبوس . ومفتاح ذلك كله هو أن نستبدل فكرا بفكر، وأن نغرس في ثقافتنا بذورا لتنمو وتورق، فتتحول من ثقافة قعود وسكون، الى ثقافة انتفاضة وحركة.» قالها زكي نجيب محمود منذ عشرات السنوات ونحن نقرأها اليوم ونقول ما أشبه اليوم بالأمس .. وبعد توقفي في محطات الأشجار والنمل والنحل.. أجد نفسي أيضا في محطة الهدهد .. هدهد سيدنا سليمان تحديدا، وما كتبه عنه جمال بدوي الكاتب المتأمل للتاريخ والاسلام. اذ نقرأ له: - «.. بين الحيوانات والطيور التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، تجمعني محبة وألفة مع هدهد سيدنا سليمان فنحن نتعاطى هواية واحدة .. هي البحث عن الحقيقة.. وأشهد أن صديقي الهدهد كان صحفيا لماحا ذكيا .. يمارس الصحافة كرسالة، ليس من أجل الراتب أو الشهرة، فاذا جاب القضاء عاد محملا بحصيلة وفيرة من المعلومات المفيدة والأخبار المهمة، وكانت كل أخباره صادقة خالية من المبالغة والتزويق و«الفبركة» ويستطرد بدوي قائلا: «.. كان يمتاز علينا بالثقافة والعمق ، ويقول ان الجهل والتعصب هما أسوأ ما يصاب بهما الانسان حين يفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل.. ولذلك أبدى صديقي استنكاره الشديد عندما شاهد بلقيس وقومها.. وهم بشر أكثر رقيا من الطير.. يسجدون للشمس من دون الله الذي خلق الشمس والقمر والنجوم. وكل محتويات هذا الكون..» ان التاريخ كما حرص جمال بدوي على تذكيرنا «يأخذنا الى آثار الأقدمين لنرى وندرس ونتعلم منهم كيف ارتفعوا الى الذرى العالية.. ولماذا هبطوا الى السفح .. فنضع أيدينا على عوامل السمو والرفعة والقوة.. وندرك أسباب السقوط والتدهور والانحدار» ........................ في محطاتنا دعوة للنظر والتأمل والتفكير والتدبر.. والتطلع لمستقبل أفضل.