تساءل الرئيس في مناسبة الاحتفال بليلة القدر عن حالنا، وعما إذا كنا راضين عن أنفسنا، وضرب الأمثال مؤكداً أنه مازال علينا وأمامنا الكثير.. لنأخذ مكاننا بين العالمين.. وهذا الاعتراف والمصارحة بداية طريق النجاح والإصلاح.. لأن الحياة في كل الدنيا تموج بالخير والشر، وبالسيئ والأسوأ.. والصواب والخطأ.. والحرب والسلام.. والحب والكره.. والتسامح والمكايدة والمعاندة، والاختلاف بين دولة وأخري يقع في درجة الغالب والمغلوب، وعندنا في مصر لم تخرج حالتنا الراهنة عن تلك الأوصاف، فلدينا كل هذه الصور وزيادة، لدينا التطرف والاعتدال، وعمليات الإرهاب ومقاومته، واضطراب الأحوال الاقتصادية بين الانخفاض والارتفاع، وجنون الأسعار والحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل والفقراء، ولدينا انخفاض مستوي المعيشة ونسبة النمو، وزيادة عدد السكان.. وعجز الموازنة، والترويج للاستثمار واستمرار الروتين والبيرقراطية، ولدينا أيضاً وقائع الفساد ومكافحته، ولدينا الانفلات الإعلامي في بعض جوانبه ومحاولة ضبط الإيقاع بإتباع المنطق والحكمة، ولدينا أيضاً ضعف الحياة السياسية واختفاء أصوات الأحزاب وتصاعد التصريحات مقرونة بالتهديد والتخوين، ولدينا كذلك ارتكاب لإخطاء في إشعال الحرائق بغير مناسبة، وفي مقابل هذا كله، لدينا محاولات لسد العجز وزيادة معدل النمو واقامة المشروعات.. ولدينا إطلاق شعار سيادة القانون ومحاولة البعض إهدار أحكامه في الوقت ذات، ولدينا احترام أحكام القضاء ثم الالتفاف عليها والامتناع عن تنفيذها والمزايدة بها أو عليها، كل هذا واقع في الحالة الراهنة ويشعر بها المواطن البسيط.. والفقير.. والنخب والمهتمون .. وأيضاً المسئولون . لكن الأهم من هذه الأوصاف، كيفية مواجهة تلك الأحوال.. وأولها أن تقف السلطات المسئولة في البلاد علي معرفة الواقع ودراسة أسبابه والعمل علي مواجهته وتهيئة المناخ لحسن معالجته.. وإقناع الرأي العام بقبول طرق العلاج والمواجهة حتي لو كانت قاسية .. وأن يكون ذلك في الوقت المناسب.. والأخطر من هذا وذاك أن لدينا حالات تسببت الحكومة فيها في إيجاد الأزمات أسهم في تصاعد تلك الحالة، المناقشات التي جرت عليها تحت قبة البرلمان.. آخرها كانت «قضية تيران وصنافير» حتي بعد صدور الأمر الوقتي الأربعاء الماضي بوقف تنفيذ أحكام القضاء، وقد صارت الحقيقة واضحة باعتراف بعض المسئولين وما نشر بالصحافة والإعلام، ومنها أيضاً بعض الأخطاء التي صاحبت مواجهة التعديات علي أراضي الدولة حتي لو كانت نتيجة الحماس، وكذلك اصدار قانون الهيئة القضائية، في مثل هذه القضايا وغيرها، يسمع الناس عنها ويفاجأون بمناقشتها.. واتخاذ القرار بشأنها.. دون تهيئة الرأي العام بها.. وإحاطته بحق المعرفة.. وتتابع الأخطاء في المواجهة.. ويأتي الحديث عنها بعد الأوان وتتصاعد تلك الأخطاء.. بتوجيه الاتهامات.. ظالمة أو مظلومة.. وتنتشر المزايدات والاتهامات وتضيق دائرة الحوار.. وتشتعل الحياة.. وتشق وحدة الصف بين المواطنين.. والنتيجة أن يتسلل الإحباط الي الناس.. فمنهم من ينحاز إلي السلبية ويؤثر الصمت والعزلة.. ومنهم من يجاهر بإطلاق الاتهامات، والتهديد والتحريض فتزداد الحالة اشتعالاً . في مثل هذه الأحوال الراهنة.. يلحق السلطات المعنية الخسران، ويفقد المواطنون حقهم في المعرفة وعدم المشاركة في مواجهة قضايا المجتمع، بالحكمة والعقل، يتركون الساحة للجهلاء أو غير العقلاء.. وعندما تفتقد المناقشة الموضوعية والحكمة، ويزداد التصادم والصراع وتبادل الاتهامات، تضيع الحقيقة بين الناس، فعلينا ألا نلوم إلا أنفسنا مادام العيب فينا، لأننا جميعاً مسئولون.. ولو بدرجات مختلفة، فالحكومة مسئولة عن نتائج الحالة ومسبباتها بدرجة امتياز، حتي ولو كانت الإجراءات قاسية، لأنها انصرفت عن إحاطة الناس وإخبارهم واقناعهم بقبولها بدرجة كافية.. ومسئوليتها هنا تضامنية لأن الوزراء مسئولون عن وضع السياسة العامة للدولة وعن تنفيذها، وكل وزير مسئول عن أعمال وزارته في نطاق السياسة العامة للدولة.. وكذلك مجلس النواب مسئول عندما يقصر في الرقابة علي الحكومة أو يتراخي في اقتراح التشريعات التي تواجه هذه القضايا المختلفة.. وعندما يخرج النقاش عن السنة الحسنة التي استنتها المجالس النيابية منذ أول مجلس نيابي منذ قرن ونصف قرن من الزمان في نوفمبر 1866، عن حث النواب وتشجيعهم علي المناقشة والاطلاع والدراسة قبل التحدث عن آداب المناقشة وسلوك النواب . وفي مواجهة الحالة الراهنة.. لابد من الاعتراف بالنواقص عند مواجهتها.. حتي يشعر الناس بأن الحكومة حاضرة وليست غائبة.. وعند المناقشة والمواجهة يجب أن تتسم بالصراحة والموضوعية حتي لا يشعر الناس بأن ما يقال كلام في الهواء، فتزداد الفجوة بين الناس والحكومة ولأن المناقشة بالمنطق.. والحق قوة.. فالناس تقتنع بأسلوب الإدارة ومنهج المعالجة.. وتشارك وتقبل المواجهة حتي ولو كانت قاسية.. المهم أن تكون المعالجة بالأسلوب العلمي وبالإقناع.. وأن تكون واضحة وضرورية وتؤدي الي الإصلاح . ويأتي دور العلماء والمتخصصين والدراسين، للمشاركة والاقتراح وعرض البدائل بغير تهوين أو تهويل أو تطرف أو مبالغة.. وعلي الجهات المعنية الانصات والدراسة والتأمل .. فان كان منها خير أخذته وإن لم يكن ذلك تركته.. ولا نلقي التهم جزافاً.. أو نري في المعارضة خصاماً.. لأن الدراسة والعلم والتخصص والخبرة كلها عناصر لتهيئة النجاح حتي ولو كان الرأي معارضاً.. وبغيرها يكون طريق الفوضي.. الذي لا يمكن أن يؤدي الي نجاح . وحتي ننجح في مواجهة الحالة الراهنة فإن الجهات المعنية المسئولة إذا ما أدركت سبل العلاج، عليها الحماية الاجتماعية لصالح محدودي الدخل والطبقة البسيطة والفقراء ، وإحاطة الرأي العام بحقائق الأمور، اذ يؤدي ذلك الي تماسك القوي في المجتمع وطرد الشائعات ومحاربة الفساد والكساد والاحتكار والاستغلال.. والوقوف صفاً واحداً لتحمل الصعاب .. وتفادي الفرقة والانقسام والإحباط، وعلينا ان نتذكر الماضي الأليم عندما غاب الأمن وانقشع الأمان، ودب التصادم والصراع، وعمت الفوضي والانقسام كما علينا أن ننظر ما يجري حولنا.. حتي ننعم بالأمن والأمان والثقة في المستقبل.. عند مواجهة الحالة الراهنة !! . لمزيد من مقالات د. شوقى السيد