يحتدم الجدل وتتباين التوقعات حول احتمالات لقاء مرتقب بين الرئيسين الروسى فلاديمير بوتين والأمريكى دونالد ترامب. فبعد الإعلان عن الاتفاق حول إجراء أول لقاء بين الرئيسين على هامش قمة العشرين المقرر عقدها فى هامبورج الألمانية فى مطلع يوليو المقبل، عادت المصادر الرسمية للجانبين لتشكك فى احتمالات عقد هذا اللقاء. فمن رفضٍ أعلنته ليندسى والترز الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض حول إنها لا تستطيع تاكيد ما يقال فى هذا الصدد وليس لديها ما تقوله حول هذا الموضوع، إلى إعلانٍ من جانب نظيرها فى موسكو دميترى بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين حول انه لا تجرى الآن أية تحضيرات لعقد اللقاء، وإن أشار انه لا يستبعد إجراءه، رغم عدم وجود اتفاق حول هذا الشأن. على مقربة من التصريحين كان إعلان يورى أوشاكوف مساعد الرئيس بوتين للشئون الخارجية فى أعقاب زيارة سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية لواشنطن، ولقائه مع الرئيس الأمريكى عن بداية «لبلورة هيكلية للعلاقات الروسية الأمريكية واكتسابها طابعا جوهريا، وأن زيارة لافروف إلى واشنطن جاءت متممة لسلسلة من الاتصالات الروسية الأمريكية على مختلف المستويات»، ليخلص الى ترجيحه «لأن يعقد أول لقاء بين الرئيسين بوتين وترامب على هامش قمة العشرين فى هامبورج فى 7 - 8 يوليو المقبل»، وإعرابه عن الأمل في «أن يأتى الاجتماع الأول للزعيمين بنتائج ملموسة ودفعة إيجابية للعمل الثنائى المستقبلي». وتتوالى الأحداث تباعا لتحمل معها فى موسكو تفسيرات مغايرة لشخصية ترامب الذى تتهمه معظم الدوائر الأمريكية ب«العمالة» لموسكو، وبأنه يمكن أن يكون صنيعة لها بعد ما قيل حول مساعدتها له فى الانتخابات من خلال القرصنة الالكترونية، والتجسس على مواقع «الحزب الديمقراطي» ومرشحته هيلارى كلينتون فى الانتخابات الأخيرة. ولذا قد يكون صحيحا ما تتناقله الألسن فى دوائر صناعة القرار فى موسكو حول ان ترامب يتعمد إظهار غير ما يبطن، لدفع اتهامات «العمالة»، وما قيل حول السقوط فى شرك أجهزتها الاستخباراتية. وننقل عن الكسى بوشكوف رئيس اللجنة الإعلامية فى مجلس الاتحاد ما قاله فى لقاء جرى معه فى ابريل الماضي، حول أن «ترامب سياسى بالصدفة». قال أيضا انه «ليست لديه إستراتيجية واضحة للعمل كرئيس للولايات المتحدة». وصفه بانه «انفعالى أكثر منه سياسي». ومع ذلك قال بوشكوف بضرورة أعطائه الفرصة. ولعل متابعة ما اتخذه ترامب من قرارات منذ ولوج مكتبه البيضاوى فى البيت الأبيض تقول بان «الرجل لا يثبت على حال». ولنتذكر محاولات استعراضه للقوة منذ قصفه لقاعدة «الشعيرات» السورية وتوجيهه للبوارج وحاملات الطائرات صوب كوريا الشمالية، وتهديداته بضربها والإطاحة بزعيمها، وما انتهى إليه الحال بالتراجع وسحب أساطيله، وطلب «تدخل موسكو»، والمضى الى ما هو أبعد بإعلانه عن استعداده للقاء الزعيم الكورى الشمالى الذى أغرق فى مديحه، والإشادة بما يتمتع به من خصال وصفات. نتذكر أيضا ما صدر عنه من تصريحات حول التوقف عن استخدام القوة فى سوريا ضد القوات الحكومية، ووعوده لموسكو فى هذا الشأن، ثم نكوصه عن هذه الوعود ، بل وإسقاط المقاتلة السورية فى سماء الرقة معقل «داعش»، وهو ما وصفته موسكو بانه اكبر خدمة يقدمها ترامب للإرهاب الدولي. ولذا قد يكون من الأقرب إلى الصواب لنقول ان ترامب يخشى لقاء بوتين وجها لوجه، بدلا من انه يرفض لقاءه. فما صدر ويصدر عن ترامب ومساعديه يقول بالرغبة التى تلتقى مع الضرورة بل والحاجة الى مثل هذا اللقاء. فلماذا اذن يجرى «التملص» من الوعود باللقاء؟ ومع هذا التساؤل، نتذكر الضجة التى تعالت فى أعقاب استقبال الرئيس الأمريكى لوزير الخارجية الروسية لافروف فى البيت الابيض، وما قيل آنذاك حول انه كشف له عن أخبار تحمل طابع السرية وتتعلق بالأمن القومى الأمريكي. وقد يكون من المناسب أيضا الربط بين إسقاط المقاتلة السورية، وقرار موسكو حول وقف العمل باتفاقية التنسيق المشترك مع الولاياتالمتحدة فى الأجواء السورية، وما تلا ذلك من قرارات حول أنها سوف تضرب أى هدف طائر فى منطقة عملياتها فى الأجواء السورية، وما رد عليه البيت الأبيض بقراره حول استقبال الرئيس الأوكرانى بيترو بوروشينكو وتوسيع قائمة العقوبات المفروضة على روسيا منذ اندلاع الازمة الاوكرانية. وكان السناتور بوشكوف عاد ليقول ان ترامب يخشى على ما يبدو «انفجار الهستيرية فى الولاياتالمتحدة» ضده، وتعالى الاتهامات فى حقه اذا ما التقى بوتين فى خضم كل هذه الأجواء بالغة السخونة والتوتر. فهل يوجد حقا ما يخشاه ترامب؟ وألا يكون ذلك مرتبطا بمحاولاته استمالة دانييل كوتس مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ومايك روجرز مدير وكالة الأمن القومى وطلبه منهما نفى أية علاقة بين فريقه وممثلى روسيا، حسبما قالت «سى إن إن» الأسبوع الماضي؟ . وكان كوتس وروجرز قد عقدا عددا من اللقاءات مع المدعى العام الخاص بالتحقيق فى علاقة فريق ترامب بالروس. فهل يمكن أن يكون كل ذلك وراء رغبة ترامب فى تأجيل لقائه مع بوتين، إلى حين ظروف أفضل تبتعد به عن ذاكرة خصومه، وتحمله بعيدا عن أخطار احتمالات «سحب الثقة»، و«فتح الملفات القديمة»؟ لمزيد من مقالات د. سامى عمارة;