قبل غزوة بدر بثلاثة أيام في مكة رأت عاتكة بنت عبدالمطلب (عمة النبي ) رؤيا افزعتها قصتها علي أخيها العباس عم النبي واوصته بكتمانها ولكنه قصها لصديق فانتشرت في مكة كالنار في الهشيم .. قالت له : «اتخوف أن يدخل علي قومك من هذه الرؤيا شر ومصيبة ..فقد رأيت راكبا اقبل علي بعير له ثم صرخ بأعلي صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم (ثلاث مرات) ولما اجتمع الناس حوله دخل المسجدوالناس يتبعونه وصعد به بعيره علي ظهر الكعبة ثم كرر قولته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم ( ثلاث ) وتكرر نفس المشهد علي ربوة بمكة حيث أخذ صخرة فارسلها فنزلت تهوي ولما وصلت أسفل الجبل تفتتت .. فما بقي بيت من بيوت مكة إلا دخلته فلقة» .. بما يعني أن كل بيت ستحل به مصيبة . فزع أبو جهل من الرؤيا ..وعندما التقي العباس (ولم يكن قد أسلم بعد) قال له: يا بني عبدالمطلب اما رضيتم أن يتنبأ رجالكم (من النبوة) حتي تتنبأ نساؤكم .. زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث (ثلاثة أيام) فإن يك حقا ما تقول فسيكون ..وإن تمض الثلاث ولم يكن شئ نكتب عليكم أنكم أكذب أهل بيت في العرب. لم تمر أيام ثلاثة إلا و فوجئ أهل مكة برجل يصرخ علي بعيره وقد شق قميصه هو ضمضم بن عمرو صائحا : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة (قافلة الجمال التي تحمل أطيب البضائع) أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه الغوث الغوث .. هذا الرجل بعثه أبو سفيان وهو يحاول الفرار بالقافلة عندما تأكد من رغبة المسلمين الاستيلاء عليها عوضا عن الأموال التي نهبوها والأملاك التي تركوها في مكة .. كان عدد المسلمين الذين خرجوا بهدف الاستيلاء علي قافلة 313 رجلا فقط (82 من المهاجرين و231 من الانصار) وكان معهم فرسان فقط وسبعون جملا .. وكان ذلك في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة . كانت قافلة المشركين الف بعير بقيادة الداهية أبي سفيان يحرسها أربعون فارسا علي رأسهم الداهية عمرو بن العاص إلي جانب رجال القافلة .. واستطاع أبو سفيان أن يهرب بحنكة بعد أن علم أن المسلمين يرسلون الجواسيس لتتبع مسيرتهم من خلال عيونه التي بثها بعد أن اخبروه أن راكبين مكثا في مكان قريب من بدر .. فذهب بنفسه وفحص بعر (فضلات) بعيرهما فوجد فيه النوي فقال هذه والله علف يثرب (حيث يطعمون الأبل البلح) ..فرجع سريعا الي قافلته وحول مسارها الي طريق غير مألوف بجوار البحر الاحمر وارسل ضمضم إلي مكة لارسال مدد وإنقاذهم إذا ما عثر عليهم المسلمون . خرج أبو جهل (عمرو بن هشام ) علي رأس جيش قوامه 1300 مقاتل مجهزين ومسلحين معهم مائة فرس وستمائة درع وابل لا حصر لها وعبيد وخمر ونساء ودفوف للإحتفال بالنصر القادم ! بعد أن علم زعماء قريش في جيش أبي جهل بنجاح أبي سفيان في النجاة بالقافلة عرض بعضهم عليه العودة بالجيش إلا أنه أبي وقال : لا نرجع حتي نأتي بدرا وننحر بها الجزر (الأبل الصغيرة) ونسقي بها الخمر وتعزف علينا فيها القيان (العبيد) وتسمع بنا العرب . ورد الله تعالي عليه ومحذرا المسلمين الذين أصابتهم صدمة بعد الأمر الألهي بترك القافلة ومواجهة جيش جرار (شوكة اسلحته شديدة) لم يكن في الحسبان بقوله تعالي : «ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط » صدق الله العظيم كانت المهمة الأولي للنبي صلي الله عليه وسلم جمع المعلومات عن هذا الجيش فارسل فريق استطلاع بقيادة علي بن أبي طالب استطاع أن يقبض علي غلامين أوسعهما ضربا بعد أن انكرا معرفتهما بعدد جيش المشركين فاوقف النبي هذا فورا وسألهما كم ينحرون من الأبل كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا .. فقال صلي الله عليه وسلم إن عددهم يتراوح بين التسعمائة والألف فساور البعض القلق والخوف .. فنزل قوله تعالي : «كما أخرجك ربك من بيتك بالحق و إن فريقا من المؤمنين لكارهون . يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلي الموت وهم ينظرون . وإذ يعدكم الله إحدي الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين » صدق الله العظيم لم يذكر الله تعالي كلمة (بدر) صريحة في القرآن الكريم الا مرة واحدة في الآية (123) بسورة (آل عمران): « ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون» صدق الله العظيم رغم تناولها في اكثر من موضع في سور القرآن الكريم بل إن سورة الأنفال تتناول هذه الواقعة في معظم آياتها بالتحليل والتوجيه والكشف ووضع القواعد المنظمة للحروب وكيفية توزيع الغنائم ( الأنفال ) ولم يذكر سبحانه وتعالي اسم بدر فيها صراحة وانما اطلق عليها «يوم الفرقان» حيث فرق بين الحق والباطل فى الملحمة الوحيدة التى اشترك فيها الإنس والجن والملائكة كما في قوله تعالي : «يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شئ قدير» صدق الله العظيم